نشرت صحيفة "ذي ماركر" في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي خبرا وتعليقا تحت العنوان "ليتسمان ضد المدير العربي لمستشفى نهاريا". جاء فيه أن نائب وزير الصحة يعقوب ليتسمان وخلال بحث الوضع المالي الخطير الذي آل اليه مستشفى نهاريا، والذي يهدد باغلاق المستشفى نفسه، لم يجد ما يقوله في البحث داخل الكنيست لانقاذ المستشفى كما يتوقع من نائب وزير الصحة، إلا الهجوم على مدير المستشفى، الطبيب العربي الدكتور مسعد برهوم، موجها له التهم الكاذبة في محاولة لحرف النقاش عن هدفه، رغم أن لجنة فاحصة ومن قبل وزارة الصحة نفسها، قد أصدرت تقريرها قبل فترة وجيزة وفيه تضحد كل اتهامات نائب الوزير، فهل هذه هي المسؤولية التي يتمتع بها نائب الوزير؟ أما هي التهم الخطيرة التي يراها ليتسمان، تتلخص بأن المدير الجديد للمستشفى وهو عربي بالمناسبة قام بالغاء الصلاة لليهود، وأضاف أنه أرسل له رسالة بهذا الخصوص، لكنه "تجاهلني، واني أرى به وقحا كبيرا".
وتتابع الجريدة أن ليتسمان أخفى عن الوزراء والأعضاء نتائج لجنة الفحص التابعة لوزارته والتي جاء في نتائج فحصها ما يلي " لم يشر أي من الشهود الى حالة واحدة أو شكوى واحدة ضد مدير المستشفى استنادا الى واقعة أو اشاعة." وتابعت اللجنة أن "منشور ادارة المستشفى والموقع من قبل المديرة الادارية يشبه في مضمونه المنشور السابق الصادر عن المدير السابق للمستشفى، وأنه لم تحدث تغييرات بخصوص الوضع القائم خاصة في موضوع الصلاة." وتتساءل الصحيفة لماذا يصر ليتسمان على توجيه التهم للدكتور برهوم طالما أن اللجنة ضحدت كل التهم ضده، وجاء في الصحيفة أن في نقابة الأطباء يعتقدون " أن اتهامات نائب الوزير يشتم منها رائحة عنصرية."
نقر أولا أن ما جاء في رد نقابة الأطباء وموقف الصحيفة فيه شجاعة تستحق التقدير والمساندة، لكن ما جاء لا يكفي، ويبقى متساهلا منع نائب وزير الصحة. فهل حقا ما جاء على لسان ليتسمان مجرد "رائحة عنصرية" أم هي العنصرية بعينها وبفحيحها الذي يحرق الأخضر واليابس في مجال العلاقات المشتركة بين اليهود والعرب في دولة اسرائيل؟ ويقضي على بصيص الأمل في "التعايش" المشترك، كما يحلو لمن يحلم بالتعايش. في دولة تعتبر نفسها ديمقراطية وتحرم التحريض العنصري، كان يجب على نائب الوزير وهو مسؤول من الدرجة الأولى في الدولة، أن يستقيل على الفور، أو أن يرغم على الاستقالة، فلماذا لم تطلب الصحيفة الاسرائيلية، ولم تطلب نقابة الأطباء استقالة نائب الوزير، أو اقالته؟
ان ما جاء على لسان نائب وزير الصحة، يسيء الى كل ما هو صحي في هذه البلاد، ان كلامه ملوَّث وملوِّث، ويعكس حقيقة ما يؤمن به فهو من زعماء حزب صهيوني متدين يميني، صاحب أفكار عنصرية، ورغم ذلك يجلس في الكنيست براحة و"يكذب" وكذبه مغفور له، لأنه موجه ضد العرب، وكلام نائب الوزير يسيء للصحة العامة ويجب معالجته ليس بالأدوية والمسكنات، بل باجتثاث هذا المرض الخبيث الذي يتفشى في المجتمع الاسرائيلي، ويهدد بتلويث المجتمع كله وبالتالي تفشي المرض الذي لن يرحم هذا المجتمع المريض.
لن نقول لو أن أحد أعضاء الكنيست العرب تفوه بهذا الكلام بحق مسؤول يهودي، ولن نقول لو أن أحد المسؤولين تفوه بكلام مشابه في دولة غربية بحق اليهود.. فالجواب معروف، والمقارنة لن تجدي، فطالما خرج من يقارن ويذكر، فهل غير ذلك من شيء في عقلية ونفسية العنصريين اليهود في الكنيست أو خارجه؟ لا يتبقى لنا إلا أن نقول أن الديمقراطية الاسرائيلية غير ناضجة حتى الآن، لرؤية أو تقبل أمرا واقعا يتجلى في كفاءة طبيب عربي لأن يدير مستشفى حكوميا اسرائيليا؟ مثلما هي غير ناضجة بعد لقبول أي عربي على قدم المساواة مع أي يهودي في هذه البلاد. والغريب في الأمر أن هيئاتنا التمثيلية وعلى رأسها لجنة المتابعة واللجنة القطرية للسلطات المحلية وغيرها من الجمعيات والهيئات والمؤسسات العربية، لم تحرك ساكنا ولم تصدر حتى بيانا، تحتج فيها على التوجه العنصري للمسؤولين في وزارة الصحة خاصة والحكومة عامة تجاه مدير مستشفى نهاريا، الدكتور مسعد برهوم. في الوقت الذي يجب ألا يقل أي تحرك للهيئات العربية عن تنظيم مظاهرة تأييد ودعم لمدير المستشفى واستنكار أقوال نائب الوزير وصمت الحكومة المريب والهيئات اليهودية، أمام مبنى مستشفى نهاريا، نعتقد أن الوقت ليس متأخرا لتنظيم مثل هكذا تظاهرة، لاسماع صوت الجماهير العربية، والقوى الديمقراطية اليهودية، اذا كانت موجودة فعلا، وتصديها لغول العنصرية الذي لن يحمي اليهود أنفسهم كما لم يرحم العرب من قبلهم.