زايد خنيفس
قبل أسبوعين وعندما كانت ألعاب "المونديال" في ذروتها وتَهمُ الفرق المنتصرة الانتقال إلى المرحلة الربع نهائيه، سجلتُ مقالاً نشر في بعض الصحف والمواقع المحلية وقد دفعتني الكتابة في حينه عندما شاهدت كما شاهد الكثير الفوضى العارمة التي انتهجها البعض في الشوارع العامة والأحياء المختلفة بعد كل نتيجة مباراة ..حذرنا حينها بل قرعنا الأجراس منبهين من كارثة قد تحصل في ظلال الفوضى التي تسود شوارعنا، ساحاتنا ودواراتنا بل أسطحنا عند انطلاق المفرقعات النارية وانتشار السيارات بكل ألوانها وأنواعها واعلامها بشوارعنا، بل ذهب البعض ليعبر عن فرحته بإطلاق النار الحي ليزيد من حدة الصوت، وكل ما حذرنا منه حصل هذا الأسبوع لان النصيحة والعبرة لم تعد وللأسف تحمل قيمتها في هذا الزمن الصعب..وعندما جاء خبر سقوط الطفلة هدى خليل حمدي الشفاعمرية والتي اخترقت رأسها الطري رصاصة طائشة استقرت في دماغها وكل ذلك نتيجة خسارة البرازيل..هناك في السوق القديم في الناصرة وبين الأزقة والبيوت القديمة سقطت هدى فجأة وعندما كانت تلعب مع أطفال الحي وهناك وبين التواء اقواس المداخل في السوق القديم توقفت هدى فجأةً عن لُعبِهَا، ولم تستأذن صديقاتها وذهبت هناك لترتاح قليلاً في حلمها الأزرق وفي كل الحالات، ومنذ الإصابة كانت عين الله عليها وعيون والديها إلى السماء ..مقابل ساحل وشاطئ تعلو أمواجه حينًا وتهدأ في بُعدِ الحلم حينًا .. رصاصة طائشة تخترق رأس الطفلة هدى بل بشر طائشون بين السماء والأرض لا يعرفون معاني الفرح ولا يعرفون معاني العشق لكرة القدم بل يسبحون في هوامش الدنيا ..ربما لا ذنب لهم هؤلاء الضائعين الطائشين بل ذنب تربية لا تعرفُ سطور الأخلاقِ منذ الطفولةِ وذنب آباء لا يعرفون بان "التربية في الصغر كالنقش على الحجر"... رصاصة طائشة بأيادٍ تائهةٍ وسكينةٍ طائشةٍ بعقولٍ فارغةٍ لا تعرفُ شواطئ الإنسانيةِ، بل تبحث عن قلوبٍ تخفق لتسكت تدفقها نحو مصبات الحياة.. شجارٌ هنا وشجارٌ هناك وإغلاق شوارعٍ ودواراتٍ وفي كل الحالاتِ تبقى الطفلة هدى حمدي شفاعمرية الأسماء والوجوه والمعاني تحلم في حلمها الطويل محاولة فتح عيونها ثانية لتعود لتلعب مع صديقاتها في أزقة سوق الناصرة القديم، وهناك الأطفال بانتظارها وهناك في ظلال خلة "الكرك" في انتظارها أطفال سبقوها إلى مخيمهم ورسموا على مدخل خيمتهم صورة العودة.. بل كتبوا أشعار الزيّاد "وأعطي نصف عمري للذي يجعل طفلا باكيا يضحك" .. هـدى حمدي ابنة شعبي بل ابنة بلدي وظلال الياسمين ومساحات الورد والحلم الأزرق في ارتفاع النورس حلمٌ ازرق وأطفال مثل اسماك البحر ألوانهم وأسمائهم يعشقون السباحة في بحار الدنيا ولا تسقط احلامهم رصاصة طائشة او تائهة فهم اقوى..