في كل عام وتحديدا في شهر رجب تنطلق فعاليات حزب التحرير في شتى بلدان العالم في استراليا وأمريكا ولبنان وإندونيسيا وفلسطين بأشكال متعددة وصور مختلفة، تخاطب الأمة جيوشها وعلماءها وإعلامييها وسياسييها ومفكريها وكل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله بضرورة العمل لإعادة الخلافة وتنصيب خليفة عليهم .
تنطلق هذه الفعاليات وبشكل متصاعد رغم التضييق على حزب التحرير بنسب متفاوتة في بلدان العالم .
وهنا نتساءل لماذا يحيي حزب التحرير ذكرى هدم الخلافة ؟
هل هو لمجرد الاحتفال ؟ أم هو استنهاض للأمة وحث لها وإشراك لها في عودة الخلافة ؟
وهل عودة الخلافة حلما من الأحلام أم فرض عظيم يجب على الأمة أن تتحرك من أجل تنفيذه ؟
وهل عودة الخلافة وإحياؤها خاص بحزب التحرير ؟
باستعراض واقع الأمة الإسلامية وتحديدا من الثامن والعشرين من شهر رجب الخير لسنة 1342 هـ، الموافق للثالث من آذار لسنة 1924م, نرى أكبر جريمة في حق المسلمين؛ بل في حق البشرية، إذ تمكنت الدول الأوروبية بقيادة بريطانيا من إلغاء دولة الخلافة الإسلامية، ولم تخرج الجيوش البريطانية المحتلة لمضيق البوسفور وإستانبول العاصمة إلا بعد أن اطمأنت إلى نجاح عميلها مصطفى أتاتورك في تركيا من إلغاء دولة الخلافة، وإقامة الجُـمهورية العلمانية على أنقاضها، وإخراج الخليفة من البلاد.
فهذا الحدث الجسيم، وهو هدم الخلافة، يعتبر منعطفاً خطيراً في حياة الأمة الإسلامية؛ فقبل هذا الحدث كان المسلمون يعيشون في ظل دار الإسلام، ومن لم يستظلوا بظل الدولة الإسلامية كانوا يستطيعون الإنتقال إلى الدولة للعيش كرعايا فيها، وللتمتع بالحياة الإسلامية، وإبراء أعناقهم من وجوب وجود بيعة لخليفة امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
ولكن بعد هدم الدولة لم يتمكن أي مسلم من أمة لا إله إلا الله من الإلتزام والتقيد بفرض العيش في دار الإسلام والاندماج في جماعة المسلمين.
لذلك كانت هذه المناسبة الحزينة جديرة بالاهتمام ومحط الأنظار من الأمة الإسلامية جميعها لخطورتها على مستقبل الأمة الإسلامية؛
فبسقوط الدولة الإسلامية،خلافة المسلمين في العام 1924م، لا توجد للمسلمين للأمة الإسلامية دولة حقيقية تمثلهم، ولم تعد تحيى في جماعة إسلامية يقودها خليفة مبايع شرعاً على العمل بكتاب الله وسنة رسوله .
بفقدان دولة الخلافة فقدت الأمة الإسلامية ما وصفه القلقشندي: بـِ«حظيرة الإسلام، ومحيط دائرته، ومربع رعاياه، ومرتع سائمته، والتي بها يحفظ الدين ويُحمى، وبها تُصان بيضة الإسلام، وتسكن الدهماء، وتقام الحدود فتمنع المحارم عن الانتهاك، وتُحفظ الفروج فَتُصان الأنساب عن الاختلاط، وتُحصن الثغور فلا تطرق، ويُذاد عن الحُرَمِ فلا تُقرع».
لقد افتُقدت فعلاً هذه المعاني واختفت بسقوط دولة الخلافة، وغاب واقع هذا الوصف الذي ذكره القلقشندي عن الخلافة تماماً من حياة المسلمين.
أما الدول التي أُقيمت على أنقاض الدولة العثمانية فإنها في الواقع ليست بأكثر من كيانات زائفة لا تمثل الأمة بحال من الأحوال؛ لأن الإستعمار هو الذي فرضها على شعوب الأمة الإسلامية .
والمسلمون منذ سقوط الخلافة قبل تسع وثمانين سنة هجرية لم يذوقوا طعم الإنتصار والعزة والكرامة ولو لمرة واحدة، فهم لم يكسبوا معركة قط، ولم يفوزوا بحرب أبداً؛ فحروبهم بعد عهد الخلافة لم تُنتج سوى الهزائم والنكسات والنكبات، وأما سلمهم الذي ينادون به ويروجون له فلم يكن سوى الإستسلام بعينه للأجنبي، ولم يتمخض عنه إلا الخيبة والسراب والأوهام
المسلمون منذ التحاق الرسول – صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى لم يهتموا بقضية قدر اهتمامهم بالخلافة.
إن حزب التحرير يحيي ذكرى هدم الخلافة لإدراكه أن القضية المصيرية للمسلمين في العالم أجمع هي إعادة الحكم بما أنزل الله ، عن طريق إقامة الخلافة بنصب خليفة للمسلمين يُبايع على كتاب الله وسنة رسوله ليهدم أنظمة الكفر ، ويضع أحكام الإسلام مكانها موضع التطبيق والتنفيذ ، ويحول البلاد الإسلامية إلى دار إسلام ، والمجتمع فيها إلى مجتمع إسلامي ،ويحمل الإسلام رسالة إلى العالم أجمع بالدعوة والجهاد .
حزب التحرير يحيي ذكرى هدم الخلافة ليبين للأمة الإسلامية وهو منها وجوب تحديد القضية المصيرية للمسلمين ليتحدد الهدف الذي يجب أن يعمل المسلمون جميعا كتلا وأحزابا وجماعات لتحقيق إقامة الدولة الإسلامية وبالتالي تتحدد الطريقة التي يجب أن يسلكوها للوصول إلى تحقيق هذا الهدف .
حزب التحرير يحيي ذكرى هدم الخلافة ليبين للأمة أن إعادة الخلافة فرض عظيم، والذي تزخر بالحديث عنه الآيات الكريمة والأحاديث منها { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة 49] فالحكم في هذه الآية وفي غيرها جاء عاماً شاملاً لكل ما أنزل الله، وبالتالي فلا يقام بتنفيذ جميع ما أنزل إلا من خلال دولة الخلافة الإسلامية.
وقد أخرج الطبراني عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: «من خلع يداً من طاعة الله لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، وروى مسلم حديثاً للرسول يقول فيه: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما».
وهذا مجرد غيض من فيض تشير فيه هذه الأحاديث النبوية الشريفة عن الإمام والخليفة ولا داعي لذكر المزيد منها.
فالمسألة إذاً مسألة شرعية، ومسألة واقعية، وليست كما يحلو لبعض الحاقدين وصفها بأنها مسألة خيالية، ولا أدّل على ذلك من ذكرها على ألسن أعداء الإسلام من المسئولين في الإدارة الأميركية، فهذا رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي الأسبق يقول: «إننا لن نسمح لقبضة من الإرهابيين من دعاة الخلافة أن يفرضوا علينا أسلوب حياتهم»، وهذا ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان يقول: «إن المتطرفين يسعون لإعادة دولة الخلافة كما كانت في القرن السابع الميلادي»، وكذلك بوتين الرئيس الروسي حذَّر من إقامة دولة الخلافة في آسيا الوسطى.
ولعل الوقع الأبلغ من ذلك كله ما جاء في تقريرٍ حديث أعدَّه خبراء في المجلس القومي للبحوث والدراسات الاستراتيجية التابع للاستخبارات الأميركية، وشارك في إعداده ألف خبير، وشاركوا في 30 مؤتمر في خمس قارات، جاء في إحدى سيناريوهاته الأربعة التي قدَّموها، أن خلافة جديدة سوف تجتاح العالم الإسلامي، وتحاول صهره في دولة واحدة، وأنها ستنجح في إسقاط العديد من الأنظمة القائمة خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في العام 2020م على حد تقديراتهم.
وهكذا فلم تعد مسألة الخلافة خاصة بحزب من الأحزاب، وإنما أصبحت مطلباً جماهيرياً اقتضتها الصحوة الإسلامية والمد الإسلامي السياسي اللذان سادا وشاعا في العالم الإسلامي في الآونة الأخيرة.
لذلك كان حرياً بكل مسلم مهما كان انتماؤه، ولأي جهة كان ولاؤه، أن تستوقفه هذه الذكرى، وأن يعيد حساباته من جديد، وأن يفكر ملياً ثم يشارك بما يملك من قوة من أجل جعل إعادة دولة الخلافة همّه الأول، لإبراء ذمته من هذا الفرض العظيم الذي يطوق عنقه، وليشارك مع العاملين بنصيب من هذا الفضل العظيم الذي - سيعم البشرية بإشرافاته وأنواره بإذن الله – عزوجل –
هل آن للمسلمين أن يعملوا لإيجاد خليفة لهم يعيد سيرة الفاتحين الذين حققوا الإنتصارات ؛ فكانت بدر الكبرى وفتح مكة والقادسية وفتح عمورية وبلاط الشهداء وفتح الأندلس وعين جالوت وفتح قبرص وفتح بلغراد وغيرها كثير.
ألا ينتصر المسلمون لفلسطين كما حطين الحاسمة التي هُزم فيها الصليبيون ، وتحطمت أحلام نابليون بالإمبراطورية على أسوارعكا
ألا يعيد المسلمون سيرة صلاح الدين، رحمه الله، الذي قام بتحرير المسجد الأقصى من رجس الصليبيين، بعد هزيمتهم شر هزيمة في جهاد حمل لواءه قادةٌ مسلمون عظام طوال عشرات السنين، إلى أن تكلل بالنجاح، بنصر من الله سبحانه على يد صلاح الدين سنة 583هـ،أولاً، ثم تحرير بيت المقدس ثانياً في السابع والعشرين من رجب سنة 583هـ. فلما وصل رسول صلاح الدين بالبشرى إلى الخليفة العباسي الناصر في بغداد - وكان قد عقد له لواء ولاية مصر والشام - ضج المسلمون بالتهليل والتكبير والحمد لله العزيز الجبار أن قصم ظهر الصليبيين وعادت القدس والأقصى إلى ديار الإسلام.
ألا يعيد المسلمون سيرة المعتصم الذي سمع صرخة امرأة من سجن عمورية مستنجدة قائلة 'وامعتصماه' فسمع المعتصم بالخبر وسارع في تجهيز الجيش وفتح عمورية،،
فمن يرد للأمة هيبتها ؟ ومن يرد للأمة عزتها ؟
لقد بزغت شمس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة التي نورها الله بنور الإسلام فأصبحت شمسا تشع على العالم برسالة الاسلام ، فقام الرجال المخلصون جند الإسلام بتحطيم كلٍ من امبراطورية الفرس وامبراطورية الروم .
إن النظام الحق يقوم على أساس الإسلام الحق، وليس بحاجة للدخول في لعبة الأمم تحت ذريعة حفظ الرؤوس وإن تطلب ذلك هدم الإسلام ومقدساته وحرماته والدخول في سياسات لا تخدم إلا الإستعمار الغربي
فعلى المسلمين أن يعودوا الى رشدهم فيعملوا فعلا وعملا على توحيد شمل المسلمين لتنطلق جحافل الجيوش المباركة لتحرير البلاد والعباد .
لا بد من التغيير الجذري، ولا بد من حمل الدعوة الإسلامية ، لا بد من إعادة الخلافة مع العاملين الذين يتقون الله – عز وجل -
ولا بد من المسارعة لهذا العمل الجليل ، كما قال سبحانه: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:61]. وقال تعالى: (وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة
اللهم إنا نسألك التوفيق والسداد والرشاد، وأن تجعل هذه الذكرى آخر مرة نحيي فيها ذكرى هدم الخلافة، وأن تكون احتفالات الأمة الإسلامية القادمة بالنصر والتمكين وإعادة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وما ذلك على الله بعزيز.
{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} .