[x] اغلاق
دولـــــــة الفقــــــراء
18/11/2010 12:31
ان دولة تصرف عشرات مليارات الدولارات لشراء طائرات حربية من الجيل الأكثر تقدما في العالم ، حين يعاني خمس سكانها من الفقر ، هي دولة فقدت كل المعايير الاجتماعية ، وباتت تتصرف كمعسكر حربي وليس كدولة
*****
*هل تريد دولة الفقراء الحرب؟! هل يريد 850 الف طفل جائع الحرب؟! هل يريد 1.7 مليون انسان يفتقدون للطعام ولحياة انسانية الحرب؟! هل تريد امهات وآباء الاف الجنود ان يعود اولادهم بصناديق مغلقة؟!*
نبيـــل عــــودة
بات واضحاً أن دولة إسرائيل تنشطر إلى دولتين، دولة الرفاه والغناء الفاحش من جهة ودولة الفقراء من الجهة الأخرى.
حين يؤكد تقرير رسمي للتأمين الوطني وجود 1.7 مليون فقير في الدولة، أي ما نسبته 20% من السكان وبينهم 850 آلف ولد، لا يجدون من يرفع الصوت في البرلمان بنفس القوة التي تفرض على السلطة تقديم القرابين المالية السخية، للأحزاب الدينية ومؤسساتها وطلابها الذين يقضون حياتهم في دراسة لن تجعلهم أكثر من عالة اجتماعية طفيلية على المجتمع . المأساة أن معظم الفقر يتركز في عائلات لا تنتظر الهبات والمنح والقرابين السخية من الدولة، عائلات كادحة تعمل في كل الأعمال المتاحة، وأكثرها صعوبة، مثل البناء والزراعة والخدمات التي لا يريد معظم سكان الدولة أن يسمعوا بها، ومع ذلك مستوى أجورهم هو ما دون المتوسط، بل ولا يتجاوز الحد الأدنى للأجور الذي لا يمكن اعتباره تجاوزاً للفقر. وهي أجرة بالكاد تكفي لشخص واحد فكيف لعائلة مع زوجة وأولاد ومصاريف ماء وكهرباء وارنونا وتلفونات وسفريات  ومدارس وغير ها ؟!
مأساة المجتمع الإسرائيلي تبرز في اضمحلال القيم الاجتماعية والخطط الاجتماعية من نشاط الأحزاب، ومن يطرح موضوعاً اجتماعياً اليوم ينظر إليه كنبتة غريبة في غابة الأحزاب والسياسة في الدولة، ويفتقد للحس "القومي" ، والى آخر هذه الاسطوانة التي أصبحت جزءا من لغة وتفكير مجتمع مصاب بداء التطرف والانفلات العنصري.
المنافسة الحزبية اليوم، تتجاهل الواقع الاجتماعي وتشد المجتمع نحو اليمين، نحو التعصب الديني المتزمت، نحو التطرف السياسي القومي، وليس سرا ان رجال أكاديميا من اسرائيل يتحدثون عن فاشية دينية ، والجماهير العربية في البلاد تعرف بالتجربة المرة ظواهر الانفلات العنصري الفاشي المتحالف مع اتجاه ديني يغذي تطرفه وعنصريته..  يقف على رأسه رجال دين ، قادة تيارات دينية ، وبعضهم يتبوأ مراكز مؤئرة مثل حاخام مدينة صفد ، الى جانب ظاهرة الأحزاب الفاشية ممثلة بيسرائيل بيتينو على كل تركيبتها الغريبة. والموضوع لم يتوقف على اقتراح قوانين عنصرية فقط ، بل تجاوز الى التحريض ضد المواطنين العرب وحقهم بالسكن في البلدات التي بنيت على اراضيهم مثل الناصرة العليا وكرمئيل ، وبسبب عدم التهاون مع التحريض الذي نظمه نائب رئيس بلدية كرمئيل ، المدعو ميلشطيين ضد بيع بيوت للعرب ، اضطر رئيس بلدية كرمئيل الى فصل نائبه  في خطوة ايجابية هدأت من التوتر والاحتقان الذي ساد المواطنين العرب في كرمئيل وقرى الشاغور .
إن ما يقلق حكومة إسرائيل ورئيسها ليس 850 ألف ولد جائع، بل بناء آلاف وحدات السكن في القدس والمناطق المحتلة.
ما يقلق هذا النظام ليس سد الفجوة بين الأغنياء الأسطوريين في الدولة، والفقراء لدرجة الإملاق، يهوداً وعرباً، بل التخطيط لحرب توقع آلاف القتلى، ومحاولة جر أمريكا إلى حرب جديدة مدمرة للشرق الأوسط، وربما تمتد الى مناطق أخرى من العالم.
أجل حرباً جديدة لن تكون جولة من ستة أيام، حرباً جديدة ستفتح أبواب جهنم ولن تغلقها لا بشهر ولا بسنة ولا بعقد كامل من السنوات، ولن تنفع إسرائيل عندها أن تقيم لجاناً لفحص نتائج التورط الجديد ، الذي سيعيد الواقع في اسرائيل  برمته إلى سنوات السبعين من القرن الماضي ، حسب ما قاله احد الجنرالات . وربما تكون نظرة ذلك الجنرال متفائلة، وسيكون الانهيار "نصر شر من هزيمة" ، إذا لم يكن هزيمة بمفاهيم الانهيار الكامل والشامل.
هل تريد دولة الفقراء الحرب؟!
هل يريد 850 الف طفل جائع الحرب؟!
هل يريد 1.7 مليون انسان يفتقدون للطعام ولحياة انسانية الحرب؟!
هل تريد امهات وآباء الاف الجنود ان يعود اولادهم بصناديق مغلقة؟!
ان دولة تصرف عشرات مليارات الدولارات لشراء طائرات حربية من الجيل الأكثر تقدما في العالم ، حين يعاني خمس سكانها من الفقر ، هي دولة فقدت كل المعايير الاجتماعية ، وباتت تتصرف كمعسكر حربي وليس كدولة، تنظر نحو بناء تفاهمات في محيطها الجغرافي، والخروج من حالة الحرب والعداء ،خاصة في واقع طرح  فيه الأعداء التاريخيين مشروعا سلميا ( مشروع السلام العربي /السعودي ) يعطي لإسرائيل كل الشروط التي تلبي جوهر مطالب أي دولة تحكم عقلها ، ولا تتحكم بها سياسة فوهة البندقية. 
بالطبع لا أحد يسأل 850 آلف طفل إذا كانوا من مؤيدي سياسة الاندفاع نحو الانفجار الكبير المدمر للشرق الأوسط كله بما فيه دولة الرفاه والغناء الفاحش ، التي عادة لا تدفع الا ثمنا يسيرا ، سرعان ما تستردة أضعافا مضاعفة بعد ان تجف دموع الثكالى.
إسرائيل انضمت لمنظمة الدول المتطورة، وبنفس الوقت انضمت أكثر من 15 آلف عائلة جديدة إلى دائرة الفقر في إسرائيل، هل هذا يقلق الأحزاب القومية؟! ام ان قلقها على صياغة قسم مذل للجماهير العربية حول يهودية الدولة ، دون ان يكون لهم حقوقا قومية متساوية في وطنهم ؟ ووضع قيود ستدفع الجماهير العربية للصدام المؤكد مع السلطة، مثل قانون منع اقامة يوم ذكرى لنكبة شعبنا الفلسطيني؟ وربما قريبا منع طرح السلام الا بالعبرية الفصحى ، أو بالروسية الفصحى ، لغة وزير الخارجية ليبرمان حتى لا يترك الائتلاف الحكومي؟!
هل تختلف عقليات العنصريين عن عقليات قضاة محاكم التفتيش من القرون الوسطى؟
الحديث لا يدور عن الأوساط الطفيلية، من المتدينين الذي خيار فقرهم هو خيار حياتهم، ومبروك عليهم الموائد النازلة من السماء، لا نريد ان نشاركهم فيها. كما لا نريد ان يشاركونا بما ننتجه، عربا ويهودا.. بكدحنا وعرقنا.
نحن لسنا ضيوفا في وطننا ، بل شركاء كاملين . ولنا الحق ان نكون شركاء بكل الخيرات التي نشارك في انتاجها. ولنا الحق ان نقول رأينا بوضوح وقوة ضد التلاعب بتوزيع الخيرات عبر تخصيص فئات طفيلية بما نحرم منه ، وما يحرم منه أطفالنا وطلابنا ، واعني العرب واليهود..
 الحديث عن عائلات يكدح معيليها من الفجر حتى غروب الشمس بأصعب الأعمال وأكثرها إرهاقاً، مع ذلك لا يتمتعون بما تهبه الدولة للطفيليين.
إن عدم رفع أجرة الحد الأدنى في الوقت الذي يزداد فيه الدخل القومي وتزداد الفجوة بين المداخيل بمعدلات هائلة، يشير إلى فقدان الرؤية الاجتماعية من برامج الأحزاب السياسية الإسرائيلية. إن جعل السياسة المصابة بفيروس قومي متطرف ، وديني عنصري ، هي السائد ، يشير إلى خلل اجتماعي ليس أقل خطراً من قنبلة إيران النووية إذا ما أُنجزت .
والتساؤل الذي يفرض نفسه،أين تلاشى حزب العمل  ببرامجه الاجتماعية ؟! هل صار حزبا للشؤون الحربية فقط؟!
أين تأثيره الاجتماعي على حكومة الصقور القوميين والعنصريين ؟! أين فكرة الاشتراكي الديمقراطي؟ لماذا لا ينشط في توعية جمهور العاملين على حقوقهم الأساسية بدل الانخراط بسياسة الحرب والعدوان وتغطية تصرفات أسوأ حكومة في تاريخ إسرائيل، حكومة جعل وزرائها من العنصرية والتطرف والعداء للجماهير العربية  مقياساً للوطنية الإسرائيلية . حكومة  تدفع المجتمع الإسرائيلي نحو ظواهر فاشية وعنصرية مدمرة لأصحابها أيضاً!!
 بالطبع لا أحد يأسف على اضمحلال هذا الحزب الذي يقوده الجنرال المليونير براك، أما المقلق فهو غياب قوة سياسية اجتماعية ، وعجز اليسار الاجتماعي والسياسي عن الصعود ، في مجتمع أضحى بمعظمة عبداً للعسكرة والعدوان.
 المأساة أن العمل نفسه لم يعد طريقا مضمونة للتخلص من الفقر، معظم عائلات الفقراء هناك معيل واحد على الأقل يعمل، ولكن الأجور المنخفضة لا تنقذ من الفقر، ومخصصات التأمين القومي تقلص عملياً، إذ لا يمكن وصف تجميد المخصصات، وعدم زيادتها بما يتناسب والتطور الاقتصادي في البلاد إلا بأنها تقليص يزيد الفجوة في المداخيل والواقع الحياتي. ويزيد بالتالي عدد الفقراء.
كتبت هذا المقال بصفتي مواطنا قلقا على مستقبله ومستقبل ابناء شعبه ، وعلى مسقبل المجتمع بكل فئاته دون التفكير بكون الفقير عربيا او يهوديا. للفقر لا توجد هوية قومية او دينية ، او كما يقول زياد الرحباني ، انا مش كافر بس الجوع كافر.
فتوحدوا يا سكان دولة الفقر .. توحدوا لإفشال سياسة المغامرات العسكرية التي تبشرنا بها سياسة الحكومة ، التي ستزيدكم فقرا وعوزا واضطهادا اجتماعيا !!