[x] اغلاق
كتاب عرفات.. السيرة الذاتية : رجل غامض وماكر يصعب فهم ما يريد
22/11/2010 10:12
تمتلئ المكتبات بالمؤلفات عن الرئيس الراحل ياسر عرفات، وكثير من الكتب  التي تتناول سيرته، لا تختلف في تقديمها له عن تلك التي قدمتها وسائل الإعلام الغربية، خاصة تلك التي تصدر في الولايات المتحدة: 'رجل غامض وماكر يصعب فهم ما يريد، مركزي إلى أبعد الحدود وغير ديمقراطي ..فاسد إداريا وماليا.. محرض على الكراهية'.
علينا القول إن مراحل المفاوضات كانت تشهد الانتقال  للحديث بإيجابية أكثرعن الرجل الذي يقود قضية ويريد حلا لمشاكل شعبه.
وأعتمد صعود أو هبوط مؤشر تقديم عرفات  دائما، على مواقفه السياسية، كما حصل عندما منح جائزة نوبل إثر توقيع اتفاقات أوسلو، وبعد ذلك بسنوات، تبرير وسائل الإعلام الغربية 'العقاب الذي استحقه في المقاطعة'، بعد رفضه 'عروض السلام الشجاع'، والتنازلات  التي  قدمها الإسرائيليون والأمريكيون  في كامب ديفيد 2.
إن معظم وسائل الإعلام هذه تبث توصيفا مقربا من الرواية الإسرائيلية ويخدم سياسات الاحتلال  تجاه الشعب الفلسطيني، والبعض القليل مما كتب عن عرفات  ونشر في الغرب من وجهة نظر فلسطينية، أنجز في غالبيته  بتمويل فلسطيني باهظ وغير مدروس.
وهناك القليل من الصحافيين أو الدارسين الذين سعوا إلى قدر أكبر من الموضوعية والتوازن، فـ'كتاب عرفات: السيرة الذاتية' المعروف على نطاق واسع للكاتبين توني ولكر واندرو جورز، اللذين عايشا أحداث القضية الفلسطينية والشرق الأوسط لفترة طويلة، قاما بجهد كبير وعبر عشرات المقابلات مع قيادات ومسؤولين فلسطينيين لتتبع سيرة الراحل منذ كان طفلا في القدس و طالبا في القاهرة، وصولا إلى المقاطعة في رام الله.
ويتوقف المؤلفان عند البدايات مرورا بالمحطات الرئيسة، من الطرح الثوري والجريء عام 1986 لحل الدولة العلمانية الديمقراطية،  مرورا بأيلول الأسود والصدام مع الأردن، وعملية ميونخ،  ولبنان والتغييرات الإستراتيجية في السياسات الفلسطينية، وأهمها التنسيق مع الجبهة الديمقراطية، بقبول قيام الدولة الفلسطينية في الضفة وغزه عام  1973،  الأمر الذي كان شرط واشنطن على المنظمة  لفتح قنوات الاتصال معها.
وكانت بداية الاتصالات في المغرب في نوفمبرتشرين ثاني من العام نفسه برعاية الملك المغربي الحسن الثاني  ومشاركة خالد الحسن وماجد أبو شرار، عضوا اللجنة المركزية لحركة فتح و فيرنون ولترز عن وكالة الاستخبارات الأمريكية، الذي جاء بأسئلة وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر آنذاك، حول المفاوضات ورأي الفلسطينيين في الحل مع إسرائيل وكذلك الموقف من الأردن.
وتابع المؤلفان التطورات اللاحقة وصولا إلى لبنان والحرب مع شارون التي تواصلت لاحقا في الأراضي الفلسطينية.
عاد قسم من منظمة التحرير وجنودها إلى غزة والضفة وفق اتفاقات أوسلو، وبدأت الجهود المضنية لمحاولة تطبيق الاتفاقات، وعلى الرغم من الشكوى الفلسطينية من المماطلة الإسرائيلية وتنفيذ الاتفاق وفق أجندة إسرائيلية، فقد تبين لاحقا أن مصير اتفاقات أوسلو قد خضع لاعتبارات مختلفة غير تلك التي استوجبت الاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
 وشكل اغتيال اسحق رابين في الرابع من نوفمبرتشرين الثاني عام 1995 تحولا في وجهة السياسات الإسرائيلية،  وينقل المؤلفان أن عرفات قد 'تأثر'، تعبيرا عن إدراكه لحجم خسارته وأنه فقد شريكا لا يمكن تعويضه، كما تبين حقا في السنوات اللاحقة.
ويتوقف الكاتبان مطولا عند قيام منظمه القاعدة بضرب أهداف مدنية أمريكية في 119، فبعد ست عشرة دقيقة من سقوط الطائرة الثالثة قرر عرفات التحدث إلى وسائل الإعلام، بغض النظر عن مشاعر الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، ورافق عرفات أمام وسائل الإعلام ميغيل موراتينوس المبعوث الإسباني للسلام في الشرق الأوسط، الذي يقال أنه ألح على عرفات بعدم إضاعة الوقت على إعلان غضبه مما جرى، ولمنع تكرار مشاهد الفلسطينيين وهم يرقصون، كما حدث مع تساقط صواريخ سكود العراقية على إسرائيل في حرب الخليج الأولى.
أمر 'غير معقول.. ولا يمكن تصديقه'، كانت هذه كلمات عرفات، الذي كان يدرك حجم التفاعلات والمضاعفات على القضية الفلسطينية.
'يصدق أو لا يصدق' – يقول المؤلفان، كان على عرفات التعامل ليس فقط مع رئيس أمريكي أبدى القليل من الاهتمام بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، بل أيضا التعامل مع إدارة تريد الانتقام ومهووسة بقضية 'الإرهاب'.
ويلاحظ المؤلفان أن الظروف كانت مأساوية بالنسبة إلى الفلسطينيين حتى قبل 11 9  مع انتخاب أرئيل شارون رئيسا لوزراء إسرائيل، الذي رافقه  تصعيد دموي في المواجهات الإسرائيلية الفلسطينية، وتزايد عدد العمليات الانتحارية ضد الإسرائيليين.
 
كيسنجر واللوبي: الطريق إلى القدس يمر من بغداد أولا
 
كان عرفات يرى أمام عينيه انهيار كل الوعود بسلام مقبول، بل أسوأ من ذلك- يقول المؤلفان، رؤية الانتهازي شارون الذي حاول اغتيال عرفات في بيروت عام 1982، في أحداث 119، فرصة سانحة لممارسة الضغط على  الفلسطينيين، واستغلال تأثر الأمريكيين برؤية أهم معالم مدينتهم تنهار متسببة في موت آلاف الأبرياء.
لم تكن المرة الأولي التي وصف فيها شارون الرئيس عرفات بالإرهابي وبأنه بن لادن الشرق الأوسط، لكنه  ذهب أبعد من ذلك،  عندما شبه بنى السلطة وتركيبتها بتركيبة منظمة القاعدة تنظيميا وإداريا، وقيامه  بإرسال الدبابات إلى جنين وأريحا، ومقاوما ضغوط واشنطن لاستئناف المفاوضات بشكل جدي، وهذه سياسات تكررت في الأسابيع والشهور والسنوات اللاحقة في ظل انشغال العالم فيما يحدث في أفغانستان، والتحضيرات للحرب على العراق وما بعدها، واقتناع الإدارة الأمريكية ومن يسمون بالمحافظين الجدد وأنصارهم في اللوبي الصهيوني، بمن فيهم هنري كيسنجر أن 'الطريق إلى القدس أصبح يمر الآن من بغداد'.
 
بعد عودة المنظمة لم تتغير أساليب العمل التي كانت متبعة أثناء حرب العصابات لتتناسب مع ظروف إقامة الدولة، وأقيمت مؤسسات تشبه مواصفات مثيلاتها في الأنظمة العربية، ذلك لأن عرفات لا يستطيع تغيير نمطه في القيادة المركزية من ناحية، ولأن عملية البناء واجهت صعوبات مختلفة من ناحية أخري، وعلى الصعيد الأمني خشي عرفات من تركيز الأمن بيد شخص واحد، فقام بتأسيس عدد كبير من الأجهزة الأمنية المرتبطة به مباشرة.
ويرى الكاتبان أيضا أن فقدان مصادر دخل المنظمة بعد حرب الخليج الأولي، كان أحد أسباب التردي الفلسطيني، إضافة إلى عدم موافقة الدول المانحة على ميزانيات خطط التنمية الفلسطينية التي تجاوزت تقديراتها 11 بليون دولار على مدى 7 أعوام، والالتزام بمبلغ بليوني دولار عام 1993. وأصر البنك الدولي على تأسيس 'بكدار' للإشراف على عملية الإنفاق والأولويات، لكن عرفات مرر في النهاية قرارا تولى من خلاله الإشراف العملي على سياسات 'بكدار'.
 
 
قرار التخلص من عرفات .. قرار إسرائيلي أمريكي بتواطؤ بعض العرب لا رجعة عنه
 
يعرض الكاتبان مواقف عرفات خلال مفاوضات كامب ديفيد 2، ويؤكدان أن التحضيرات الأمريكية غير الملائمة، إضافة إلى النهج التفاوضي لـ'باراك'، قادا إلى الفشل،  حيث تمسك عرفات بانسحاب كامل للإسرائيليين بما في ذلك القدس، التي ستصبح عاصمة الدولة المستقلة، وبحق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم و التعويض.
باراك أصر من جانبه على عدم الانسحاب إلى حدود 1967 وعدم الاعتراف بحق العودة أو تحريك المستوطنات، ورفض إزالة السيطرة الإسرائيلية العسكرية والأمنية  عن الأراضي الفلسطينية، واتبع باراك إستراتيجية معروفة  تقوم على كشف أوراقة في اللحظة الأخيرة، أملا في انتزاع تنازلات فلسطينية .
 
خلافات فلسطينية وتجفيف المساعدات العربية أضعفت القائد المحاصر
 
عرفات بدوره، لم يكن يثق بباراك، وعندما نقل له كلينتون ما عرف لاحقا بالتنازلات الإسرائيلية 'الشجاعة والمغدقة'، حول تقاسم القدس والحرم الشريف إداريا وإبقاء السيطرة الحقيقية بيد الإسرائيليين، اكتشف عرفات سريعا ماهية الحديث الأمريكي عن تنازلات إسرائيلية، وقال للرئيس الأمريكي: إنك تريدني 'استبدال الاحتلال  بالسيطرة الإسرائيلية'.
بعد ذلك، جرى تحميل الفلسطينيين المسؤولية مباشرة إثر حديث كلينتون أمام وسائل الإعلام عن التنازلات التاريخية  التي قدمها الإسرائيليون والعناد الفلسطيني، وهنا ينتقد الكاتب عجز الفلسطينيين الدفاع عن مواقفهم السياسية ونقل حقيقة ما جرى في المفاوضات، وعدم وجود أي تغيير حقيقي في المواقف الإسرائيلية.
 
عرفات عاد إلى فلسطين وكان يعلم أن حقبة جديدة بانتظاره
 
وضع عرفات خطوط الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل بها الشعب الفلسطيني، ولكن هذا كان يتجاوز بكثير، بل ويتناقض في جوهره مع ما تريده إسرائيل والولايات المتحدة، لذلك تم الإطاحة به أملا في الإطاحة بخطوط الفلسطينيين الحمراء.
 
 هل يمكن للولايات المتحدة أن تنجح بإقامة دولة فلسطينية؟ نعم .. إذا كان هناك تغيرات في إستراتيجية الأطراف المعنية أو بعضها، لكن الفلسطينيون لم يغيروا من مطالبهم أما الإسرائيليون فقد رسموا على الأرض ما يريدون من الفلسطينيين التعايش معه بالرضا أو الإكراه.
 
'يدور حول طاولته لساعات وساعات ويواصل ذلك مع امتداد الليل'.
 
نبيل شعث، الذي عمل بإخلاص مع عرفات وكان مطرح ثقته، لم يكن يقصد أن يكون قاسيا عندما قال ذلك، وهو يصف وضع ياسر عرفات في المقاطعة: 'كان وحيدا  في المقاطعة، يلف حول طاولته جريحا.. يراقب النهايات وسط انطباع بقرب نهاية قائد'.
وأضاف: 'معزول عن العالم الخارجي، بدأت سلطته بالتآكل وتحت التهديد المتواصل من حكومة أرئيل شارون، وفي شتاء 2002 وفي الثالثة والسبعين من العمر، كان يصعب تصور كيف يمكن لقائد الفلسطينيين الخروج من المصيدة الراهنة كما حصل في الماضي'.
في الحقيقة كان وضع الفلسطينيين حالكا لأبعد الحدود في ظل التغيرات الهائلة في الشرق الأوسط، الذي كان يمر بمنعطف تاريخي، كان هذا حال الفلسطينيين ورئيسهم أيضا.
جادل المقربون من عرفات بأن الغرب لا يمكنه الاستغناء عن العامل الفلسطيني، وأنه ومهما حصل في العراق سيعودون إلى الرمز الفلسطيني، وحيث لا يوجد غيره، هذا صحيح ولكن الصحيح أيضا، أن قدرة عرفات على المشاركة بفعالية وثقة قد انهارت، وسيكون على عرفات حتى لو أعطي الفرصة و خرج من المأزق الراهن، إقناع الجانب الآخر بإمكانية تطبيق التزاماته.
بعد حرب الخليج الأولى، و'خطأ حسابات عرفات التاريخي في الوقوف مع صدام حسين'، أصبح عرفات شخصا 'غير مرغوب' فيه في معظم الدول العربية وأوروبا والولايات المتحدة بالطبع، ولكن مؤتمر مدريد أعطى عرفات عمرا جديدا استغله الزعيم الفلسطيني بشكل كامل ..هذا كان في الماضي ولكن الوقت الآن  لم يكن رؤوفا مع الفلسطينيين  ومع عرفات الذي بدأت صحته بالتراجع أثناء الحصار، ما تبقى كان وجود عرفات كرمز للمعركة الفلسطينية  .
واصل عرفات من داخل المقاطعة المدمرة وفي ظل عزلته، محاولة القيادة وإصدار التعليمات و البيانات وترأس الاجتماعات، ولكن في هذه الأثناء، كان مثيرا حقا، أن يتم تجاهل أوامر الرجل المسن في المقاطعة، خاصة من قبل الجماعات الإسلامية التي خطفت المعركة الفلسطينية ودخلت في وقت مبكر معركة خلافة عرفات، إلى جانب أطراف أخرى كثيرة في فتح وخارجها اقتضت الظروف وكان من مصلحة الجميع، باستثناء اليمين الإسرائيلي، أن لا تقع حرب بين الفلسطينيين أنفسهم، الأجهزة الأمنية المتصارعة والقيادات المنتظرة والجماعات الإسلامية.
 
ماذا كان يدور في ذهن عرفات وهو يدور حول الطاولة في المقاطعة المدمرة؟
 
وفق المقربين من عرفات، كان القائد الفلسطيني مليء بالغضب على الأمريكيين، الذي تحملوا مسؤولية الكثير مما آلت إليه القضية بما في ذلك وضعه الشخصي، أدرك عرفات أن سياسة الرئيس بوش في تغيير الأنظمة تطاله  بالتحديد، بعد أن جرى تحميله الكثير من المسؤولية في فشل كامب ديفيد، في حين يعيد عرفات فشل المفاوضات إلى عدم التحضير المناسب من قبل الأميركيين وسياسات باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت .
وانتقد عرفات تخلي الأنظمة العربية عنه، وزاد من غضبه توقف المساعدات العربية الذي أضعف قدرته على أبقاء المؤسسات والأشخاص الموالين، الذين يعتمدون عليه في بقائهم، حتى' فتح' بدأت في الجفاف، مما ساهم في تحديد خياراته، بمعنى آخر بدأ عرفات يفقد الصلة.. الصلة التي حرص على صنعها و إبقائها منذ كان طالبا في مصر وأثناء عمله في الكويت و تزعمه منظمة التحرير وصولا إلى رئاسته السلطة الفلسطينية.. الصلة كانت شريان الحياة بالنسبة لعرفات وهذه الصلة بدأت في الزوال ويتم تقطيعها.
في كل الأحوال لم يفقد عرفات الأمل بالبقاء، وكان يعتقد أن القضية الفلسطينية العادلة وكونه رمز هذه القضية، سيدفع الأمريكيين والأوروبيين إلى التعامل معه مجددا.
 
لم يكن بيد عرفات أكثر من الانتظار .
في هذه الأثناء تبين بوضوح كامل أن لإسرائيل والولايات المتحدة، وبتواطؤ من أنظمة عربية، أجندة أخرى تقتضي اختفاء عرفات.
كان قرار تغيير عرفات والإطاحة به قرارا لا رجعة عنه