[x] اغلاق
الحركة من أجل جودة السلطة في اسرائيل (جم)
1/12/2010 9:25
تدرج في الآونة الأخيرة صرعة "حلّ السّلطات المُنتَخَبة وتعيين لجان من قبل وزارة الدّاخليّة بدلاً مِنها". إنّما هذه الصّرعة ليست من فراغ، حيث أحوال السّلطات المحليّة اليوم بشتّى المرافق- الماديّة، الإداريّة، الاجتماعيّة وبعد- حثّت الحكم المركزي وعلى رأسِهِ وزارة الدّاخليّة بالتّدخّل لاستدراك المشكلات وللحدِّ منها. وحجمُ المشاكل والقصورات هُوَ حجمُ التّدخّل. إذ أنّ القصورات متجذّرة ومستقرّة في إدارةِ السّلطات المحليّة اليوميّة، أذكُرُ منها: ديون الأعضاء والعمّال، نسب جباية أرنونا متدنيّة، عدم انعقاد لجان قانونيّة وأحيانًا عدم تعيينِها أصلاً، عدم المصادقة على الميزانيات في المواعيد القانونية، عدم عقد مناقصات عند الواجب، عدم ترخيص أعمال ومحلاّت تجاريّة، انعدام أجهزة رقابة صحيّة وغيرها. وإذا تمعّنا بهذه القصورات وكثيراتٍ غيرها نرى أنّها تمسّ بشكل واضح بالميزانيّات والخصائص من جهةٍ وبخدمات الجمهور ورفاههِ من جهةٍ مقابلة. يتوجّب التّنبيه بأنّ حلّ السّلطات المعيّنة وتفويض لجانًا معيّنة بدلاً منها يعني سلب مباشر لحريّة المواطنين في التّصويت والانتخاب الّتي تعتبر إحدى ركائز مجتمع ديمقراطي سليم.
يعلو السّؤال:
هل اللّجان المعيّنة صارت حلاًّ لا بدَّ منه؟
 ألا توجد بدائل لتقويمِ أوضاع السّلطات المحليّة بدون المسّ المُباشِر بحقّ السّكّان الأساسي بالانتخابِ والتّصويت والاختيار؟
هنا تجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ هذه التّساؤلات لا تعلو حصيلةَ المسّ بهذا الحقّ الدّيمقراطي فحسب، إنّما لأنّ المعطيات الأخيرة (المرصودة بالأساس في تقارير المراقبة لوزارة الدّاخليّة) الّتي تخصّ النّماذج الحاليّة للسّلطات ذات اللّجان المعيّنة تدلّ على أنّ فكّ السّلطات المُنتَخَبِة وتفويض لجان معيّنة بالشّكل الّتي تدار وتدير فيها اليوم لا تُعدّ حلولاً ناجعة وفي أغلب الحالات يبدو أنّ تطبيقها يتخلّف عن الأغراض والحاجات وراءَ وضعها.
وهنا أتوقّف لأستعرض انتشار اللّجان المعيّنة بالأرقام:
تعمل اليوم بالسّلطات المحليّة خمسٌ وعشرون لجنة معيّنة، منها سبع عشرة لجنة معيّنة بالسلطات المحليّة العربيّة وهي: بلدية باقة، بلدية طمرة، بلدية الطيبة، مجلس إعبلين المحلي، مجلس دبورية المحلي، مجلس زيمر المحلي، مجلس طوبا الزنغرية المحلي، مجلس طرعان المحلي، مجلس طلعة عارة المحلي، مجلس عرعرة المحلي، مجلس عرعرة-النقب المحلي، مجلس كفرمندا المحلي، مجلس كفركنا المحلي، مجلس نحف المحلي، مجلس يانوح-جتّ المحلي، مجلس يركا المحلي، المجلس الإقليمي بستان المرج.
والمخاوف تعاظمت عندما دعا وزير الدّاخليّة، قبل أسبوعين، اثني عشر رئيسًا منتخبًا آخرين لجلسات استماع حول إدارة سلطاتِهم وأحوالها. إنّ استدعاءات وزير الدّاخلية غالبًا ما تنذِرُ بالأسوأ، إذ أنّ الاستدعاءات تُرسَل عندما تكون السّلطات على حافّة الانهيار بسبب العجوزات الماليّة، الدّيون الطائلة وَظواهر الفساد بحللِها المختلفة وغالِبًا ما يُقال الرّئيس، وتُفكّ السّلطة المحليّة المنتخبة ويُعيّن مجلس بلدي ورئيس من غير سكّان البلدة- لا يمتّون السّكّان بأيّ صلة،لا جغرافيًا ولا حتّى اجتماعيًّا- وهذا البعد الجغرافي والاجتماعي، هو سيف ذو حدّين: من جهة يضمن الموضوعيّة بالقرارات ويخفّف الاعتبارات الشّخصيّة أو العائليّة ومن جهةٍ أخرى يُصعّب على الإدارة المعيّنة فهم حاجات السّكّان ويعيقهم مِنَ الاندماج في صراعاتِهم اليوميّة.  وهنا يُلتَمَس خطر تزايد اللّجان المعيّنة عدديًّا في حين لَم تُثبُت ولم تُبَرهن فعاليتها ونجاعتها بعد. إذ التّمعّن بتقرير مراقب الدّولة وتقارير مراقبة وزير الدّاخليّة خير إثبات على أنّ اللّجان المعيّنة لم تعالِج القصورات والثّغرات بعمل السّلطات المنتخبة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقط في ربع السّلطات الّتي تعمل فيها لجان معيّنة طرأ ارتفاع بنسبة جباية ضريبة الأرنونا. معنى هذا أنّه في الغالبيّة الساحقة من تلك السّلطات انخفضت نسبة جباية ضريبة الأرنونا (مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ العجوز الماليّة ونسب الجباية المتدنيّة هي إحدى أهمّ الأسباب الّتي يأخذها وزير الدّاخليّة بالاعتبار لفكّ سلطة منتخبة وتعيين لجنة). ذلك وبعد نلاحِظ مثلاً أنّ ديون العمّال في بلديّة باقة-جت تضاعفت عشر مرّات بعد تعيين لجنة، فقبل تعيين اللجنة كانت ديون العمّال 268 ألف شاقل وبعد تعيينِها وصلت إلى 2882 ألف شاقل(!).
وفي نفس المجال- مجال الإدراة الماليّة- تبَيَّن في تقارير المراقبة أنّ قُصر "منح تخفيضات بشكل غير قانوني في ضربية الأرنونا"، استنادًا على كشوف رواتب مزيّفة أو بدون التداول بالموضوع بلجنة تخفيضات خاصّة، ظهر لأوّل مرّة في معظم السّلطات بعد تعيين اللجان.
من حهةٍ أخرى، لا يمكن الجزم القاطع أنّ السّبّب في تزايد القصورات بعد تعيين اللّجان ينبع من اللّجان ليسَ إلاّ (!) لأنّ وزير الدّاخليّة بواسطة اللّجان المعيّنة لا يتطرّق أصلاً إلى الأسباب الأعمق وراء القصورات المتجذّرة في إدارة السّلطات المحليّة، إذ نرى مثلاً أنّ وزارة الدّاخليّة تمتنع أو تتأخّر عن مراقبة السّلطات المحليّة في الأيّام العاديّة وتتدخّل فقط "بالأوقات الحرجة" أي عندما تكون السّلطات المنتخبة عن حافة الانهيار على مرمى حجرٍ.
حلول بديلة:
إنّ المذكور آنِفًا يدعونا للتّساؤل والبحث في موضوع حلولٍ بديلة لرنوّ الأهداف المنشودة، فيُسألُ مثلاً هل مراقبة السّلطات المحليّة عن كثب عن طريق وزارة الدّاخليّة (مثلاً بواسطة محاسب مرافق) بشكل يومي مِنَ الممكن أن تحدّ من هذه المشكلات أو أن تشكّل رادعًا؟ إذ ترى الحركة من أجل جودة السّلطة، ويشاركها رؤاها هذهِ مراقب الدّولة من خلال تقريره الأخير عن وضع السّلطات المحليّة العربيّة لعام 2009، أنّ وزارة الدّاخليّة في معظم الحالات تمتنع عن ممارسة صلاحياتها- الموهوبة لها بموجب القانون- كرقيب مباشر على السّلطات المحليّة. ويليها لجان الإلزام الشّخصي (ועדת חיוב אישי) الّتي شأنها أن تشكّل رادعًا ماسيًّا للمتهاونين بسلطة القانون وبثقة الجماهير. ومن هنا ممكن وصف الوضع بأنّ الإدارات تأكلُ الحصرم والسّكّان يضرسون (!)
وممكن الاسترسال أكثر فأكثر بحلولٍ لتقليل الأضرار أو على الأقلّ لردعِها دون المسّ بحريّة الجماهير بالتّصويت والاختيار، مثل إلزام الأعضاء والعمّال بدورات استكمال لإعطائهم آليّات عمل ووسائل قانونيّة للمراقبة، للمتابعة ولمعالجة المشاكل والقصورات. إضافةً لهذا ممكن العمل على الجانب التوعوي لدى ممثلي الجماهير ومُنتخبيهم أو مثلاً المبادرة لنشر الوعي عند السّكّان أنّ السّلطة المحليّة هي ملك عام وأنّ ثقتهم هي أهمّ ذخيرة لهذا الملك ودفعهم لتذويت أنّهم هم أصحاب أكبر قدرة على التغيير والنهوض، وغيرها...
الخلاصة،
على ما يبدو إنّ اللّجان المعيّنة اليوم هي "أفضل جنس سيّء". إنّما يجب التّذكّر أنّ حلّ اللّجان المعيّنة هو حلّ مؤقّت وجزئي وَعندما تعود السّلطات المنتخبة ستعود نفس المشكلات للتتفاقم من جديد، لأنّ العلاج أصلاً لم يكُن جذريًّا، فربّما يعالج الأعراض الجانبيّة أو لربّما يركّز على جوانب منتقاة فقط في المشكلة وَيغضّ النّظر عن الأسباب الأعمق كانعدام الوعي الاجتماعي لإدارة ذاتيّة لسلطة محليّة وما تحمله من مسؤوليات وتداعيات. نهايةً علينا التّشديد والتّأكيد أنّ قدرة السّلطات المنتخبة تستطيع تحقيق نفس الإنجازات وأحيانًا أكثر لم تُدحض ولم تُجزم بعد.
المحامي نضال حايك
مدير المشروع بالسّلطات العربيّة المحليّة
الحركة من أجل جودة السّلطة في إسرائيل