[x] اغلاق
على وقع الطائرات والتواقيع / عزمي بشارة
6/5/2009 17:42

 

 

عالجَونا مرةً أخرى

من محاولة العادي فينا

أن يكون عفويا

وكان يتغابى

إذ تجاهلَ أنَّه استثناءٌ،

لقنّا النفوسَ

أن مجمَّعَ الأيامِ عاديٌ

كتجمِّع القمامة في فترة الإضرابِ

طبيعيٌ هذا الركامُ

فعند انسداد مجراها تتراكمُ الأيامُ

فارقْنا خداعَنا الذاتيَّ مرةً أخرى،

نزلنا من علياء السأم

إلى اضطرارِ الرؤيةِ

والغضبِ الفعليِّ والنقمةِ

دونما حاجةٍ لاصطناعِ الغضبِ،

قبل أعوامٍ

صحونا من أحلامنا

كي نتمكنَّ من النومِ

تنبهنا على ألوان الفجر

تنفجرُ

تتبعثرُ وتتنادى

وتتجمع مخضبة

لقد أوغل الحاضرُ فينا حتى تمادى...

---

وما عدنا إلى الأوهامِ

فقد كبرنا

ولكنّا وجدنا

أن الذل ما زال

يلتقي بالرفض فينا

وأن زمن الاستغاثة بالبث المباشر

ينعش الثأرَ القديمَ

وحسابا بقي مفتوحا

مع العقل السليمِ،

المستحيل يفرض ذاته

ولا يصح سوى الصحيح

تسمرنا

كلٌ على بركانه

تأجلَّ كلُّ شيءٍ، تأجلنا

وصفع الواقعُ الواقعية مرة أخرى

للمرة قبل الأخيرة،

ليس الياسمينُ مكتوبا على الجدران

فهي تعجّ بالملصقات

والشهداءِ والموتِ

حتى الشعارات تريد تغيير الثياب

من حين لآخر

عافت الأحمرَ والأسودَ

وقد تعلّمتُ بالتجربة

أن الجروحَ لا تزهرُ

ولا تطلقُ فلّا

وأنه لا يمكن كسب كلِّ العوالم

ولكني رغم ذلك أبحث خلسة

عما يملأُ فراغا

يفغر فاه في نفسي

يملأُه بأكثرِ من رفضٍ للجريمة

فلا أجدُ غيرَ نصفٍ طافح بالغضب

ونصفي الآخر من أسئلة

---

لم ينشب خلافٌ

على التاريخ

ولا على معنى الزمانِ

حين قمنا،

وكان الغزاة ضربوا حصارا

على من نجوا من حربهم

ومن سَلِموا من سلمهم

على ما تبقى من مكان

في المكان

وعلى ما تشبث من البحر بالساحل،

---

نعرف أن السطو دولة

وللخيانة أصلا دولُ الطوائفِ

والمماليك والغلمان

والحريم والخصيان

والتسويات التهمت ما تبقى

فلم يبق سوانا،

لا خاصمنا حضارة

وما ادّعينا تمثيلَ أخرى

لم نزعم على الغزاة تفوّقًا

ولا أننا الخيّرون

كنا أصحابَ البلادِ

فأصبحنا أصحابَ حقٍ

ثم صرنا أبناء أصحاب البلاد

اللاجئين

شتاتنا متساوي الأضلاع والخيبات

نستجير من الرحيل بالازدحام

ومن المحيط بذاته،

غالبنا الزمانَ والنسيانَ

والسطوَ المسلّحَ

رميناه بما تبقى

بعد الإقامة في الحصار طويلا

---

القاذفاتُ تحلّقُ عاليا

تَرى ولا تُرى

لم تُشاهَد بالعين أسرابا

ولكن أحدًا أشعلَ السماءَ

انطفأ الفضاءُ بالوميض

وتلبد البياض هذه المرة

تنافس طيارون

في لعبة الأزرارِ بالتصويب

أهداف ساكنة

وأخرى تتحرك

والحاسوب لا يخطئُ

فعلى الشاشة يخفقُ الهدفُ المصابُ

كأنه يتفكك...

---

أصابوا إبريق الشاي والكؤوس

وفراشا للجلوس

وبيوت الفقراء

والجدران العارية

والازدحام في الغرف الصغيرة

وأصابوا المتعانقين، وأكياس الطحين

وعلب الحليب وزيت الوكالة

وكراسي عتيقة، وحقائب مدرسية

دُمِّرَت بنايةٌ سكنية

وأخرى صارت كأنها لم تكن

خلَّفت بنـتا وحيدة

كانت تزور جدتها،

أقيمت طقوس القنص

وطوِّقّت المجزرة

نجا منها الدخانُ

ونجا الذين نجوا من الأحياء

وبعض الصرخات

وأفلتت من الحصارِ الرائحة

وجمد الهواء في الرئتين

وساد الوجومُ ثقيلا

---

تناكفَ الشبان

تباروا بالملاحظات الذكية

عبر أجهزة الصوت

في طريق العودة إلى قواعدهم سالمين

جرى كل هذا

قبل أن يملَّ ضميرُ طيّارٍ

من الجلوس وحيدا

فيتمخض عن فيلم عن ذاته

وعن معاناته

عند إلقاء القنابل

كذات تقصف موضوعا

وكفرد يقصف جمهورا

متعة القصف تمت

جاء الدورُ لمتعةِ الألمِ

جرت مجريات ذلك

قبل أن يقرر واحد

أن يكسب العالمين

عالم الفعل والمعاناة

فهو الفاعل وهو ضحية فعلته

أما لؤي وأمه، ودلال ابنة العم

وسلوى ومحمد

وفاطمة التي بترت رجلها

وأم علي التي ثكلت كل شيء

وأبو سعيد صاحب الدكان

وخالد سائق الإسعاف

الذي لم يجد من يسعفه

والأستاذ خميس معلم المدرسة

فلا تبدو ملامحهم بعين الحكاية

فهي ترى من مقصورة الطائرة

وحين تنـزل الكاميرا إليهم

سيكون عليهم

أن يعترفوا بإعجابهم

بحرية النقد والحريات

ومعاناة الأفراد

في مجتمع الطيارين والطيارات

---

لم يسمح لأحد بالهرب

البقاء والهرب جنايتان

تعاقب عليهما الطائرات

فبموجب دليل المقاتل

لطهارة السلاحِ

ما عدا الهرب والبقاء

كلُّ شيء مباحٌ،

أعد الدليل أستاذ جامعي

مثقف متنور

أستاذ فلسفة

يمكنكم سؤاله إذا رغبتم،

اغتيل لونُ المكانِ بالرماد

وغمر الدخانُ الأصيلَ

وحين غص مجرى الزمان

بلقمة الذهول

كانوا يصنعون شارة انتصار

فقد أردوا الطفولة...

---

على باب المشفى

وعند غرفة الموتى

تجمع أحياء ينتظرون

وعيون مشرئبة

أثار نوع الموت

وشكل الإصابة

تزاحما

وحبَّ استطلاع

ومازوخية أو بلادة

تبحث عن صدمة العمر

وعن أفظع منظر

---

بعد إحصاء الأموات

وجمع الأشلاء

اتهم الناطقون الناس

بالوجود في بيوتهم

وبمحاولة الجري للهرب

وباحتضان عائلاتهم

وبمجرد الوجودِ

---

الفصل شتاء

والجو ربيعي

عادة يحضِر الأهل أبناءهم

اليوم جاء الأبناء بالأهلِ

فقد فتحت المدرسة أبوابها للاختباء

ولكن صبيا ارتدى أربع كنـزات

اختلط عليه في الصباح

الخوفُ بالبرد

كان ذلك قبل الذهاب إلى المدرسة

وقد أكد الأطباء

بعد معاينة الجسد

أن أربع كنـزات محاكة

لا تقي من الرصاص

وأن الدفء

لم يوفر عن الأمن بديلا

---

أمهاتهم أنجبن أطفالا

لم يشبعن بعد من ضمهم

من جريهم، من الضحك والبكاء،

من السخونة والزكام

والاستيقاظ ليلا والتأتأة

والشتائم المفاجئة

والتباهي أمام الآخرين بذكائهم

لم يكتفين بعد من همهم

لا يردن الآن أبطالا

لم يبلغوا بعد سن البطولة

ولكن كعادتهم

بكَّر الغزاة عليهم قليلا

 

بين الانقاض امرأة

تبحث عن بقايا

في يدها وعاء محروق

لا تدري لماذا حملته

---

صبي يروي من السرير

حكايته بتفصيل

انطفأت عينا لؤي

وبقي محياه الجميل جميلا

لم يدرك بعدُ ما فقدَ

وليلُه الأبيضُ كم سيطولُ

لم نشاهد، لم يره أحد

كلنا فقدنا النظرَ

في نهاية المقابلة

وجَّه لؤي الشكر

للفريق والمشاهدين

كانت أمُّه

التي لم ترَ بعدُ ما جرى

كانت أمه توصيه

في ختام أي شيء

ماذا نقول يا بني؟

فيجيب الصبي:

نقول يا أماه شكرا جزيلا

---

وخطيب ينوّر مستمعيه

بملكٍ وجّه بازوكا

وجنيٍ أبطل صاروخا

وكراماتٍ متدحرجة

مناشدا كل من صادف معجزة

أو لمح كرامة بأم العين

أن يبلغ عنها الإذاعة

كيما نقيمُ الدليلا

---

تدفق أيها المطر

لماذا تنحبسُ والدنيا شتاء

هل تحاصرنا، أم محاصر أنــت مثلـــنا

فمنك لا نريد مواقف

تمسَّك أنت أيضًا بالحيادِ

وأصلا بالرمل نطفئُ الفوسفورَ

ولكنّا لا نريدُ من السماءِ رملا

تدفق ايها المطر

نريد الآن ماء

نريدك أن تغسل هواءنا

ليس شرطا أن يصير عليلا

وأن تغسل منا العيونَ

البيت بلا نوافذ

سوف نحتملُ

سوف تنغمر الشوارع والأزقة

لا نخشى الغرق

ولا الرطوبة في المساءِ

سوف نبتلُّ

فجلُّ التمني الآن

تنظيفُ السماءِ

نريد منك تدفقا

يتبعه صحوُك لا انحباسك

ونريد الشعورَ بالانقشاعِ

---

نبتت على الخراب بيانات

غير قابلة للاشتعال

وعرائض ضد الصدمات

ومقالات جرائد

على ورق غير قابل للاحتراق

امتد حبل الكلام طويلا

دعوة لتحميل الضحية

وزر التحرش بالغزاة

وأخرى تحمِّل وجودَ الناسِ

وادعاءات الهوية

عبءَ انفلات العنصرية

---

إزاء فظاعة المشهدِ

وبعد الأخذ والردِ

وتردد البعض

صدر البيان موقعا

من مانحي جوائز الثقافة

ومحددي المراتب

ومن روَّادها الممنوحين

مدعاة فخر القبيلة

---

وفيما ملأت الأنوف

رائحة الجلد المحروق والفوسفور

كان من دواعي غبطة الحائزين

حاملي اللقب والمرشحين

أن يعبروا عن فجيعتهم

وأن تظهر أسماؤُهم

موقَّعةً بندية

ومساواةٍ وتكافؤٍ

مع أسماء المبدعين

أبناء حضارة الطائرات

ومع المثقفين شرط أن يكونوا

على يسار القاذفات

من متفهمي الطيارين ونقاد الطائرات

ومن المتحفظين على النقد

والمتحفظين على التحفظ

ونقاد الأخيرين

من بني الأمم التي تمنح

الجوائز والأوسمة

وتحدد التصنيف والمنزلة

أولا وثانيا وثالثا

في لعبة التنس وفي الآداب

والفنون الجميلة

---

أدان البيان العنف بشدة

وشجب التطرف بحدة

مبينا أن الصراع شائكٌ

وأن النزاع مركب ومعقد

والعنفُ طبعا ليس حلا

وإذ شجب بلا مواربة

العنف من الطرفين

أكَّد دون تمييز

على حقِّ الحياة للجانبين

القتيل والقاتل

وضمان مصالح الجاريْن

والأمن للجهتين

داعيا إلى الإبداع سبيلا

دعا البيانُ إلى

الابتكار في صناعة الحلول

والإبداع في صياغة المخارج

مثلما أبدعَ صاغةُ البيان بيانا

كما أدانوا الخطابة في خطاب

ورفعوا ضد الشعارات الشعار

وفي النهاية أعلن البيان

عن ورشات عمل للتعايش

حال انتهاء ورشة القصف

مع عودة الحصار

إلى مجراه الطبيعي

والغزو إلى روتينه اليومي

ومع عـــودة البـــؤس موضوعا للحوار،

وتختتم الورشات بمؤتمر

وجائزةٍ لمن يبدع

أفضل حلٍ للصراع

وللدقة أبدع حلين