[x] اغلاق
التدين نور والطائفية نار
8/7/2011 9:07

 

ضمن مقالاته الأسبوعية نشر الشيخ كمال خطيب، نائب رئيس الحركة الاسلامية في البلاد الجمعة الماضي مقالا هاما وجريئا ومسؤولا بمضمونه ورسالته، وكما يقال فالمكتوب يعرف من عنوانه، فعنوان المقال دل على مضمونه، وما جاء في هذا المقال لفت أنظار الكثيرين من الأصدقاء الذين طلبوا منا اعادة نشره، لما فيه من فائدة ورسالة واضحة لأبناء شعبنا ومجتمعنا من نبذ الطائفية والتعامل بانسانية فيما بيننا من منطلق احترام الانسان واحترام عباداته وعقائده، وضرورة الحفاظ على وحدتنا الوطنية ومحاربة الانقسامات المصطنعة. واننا اذ نضم صوتنا الى صوت الشيخ كمال خطيب ونرى في مقالته التي نعتز بنشرها في صحيفة "السلام"، تماثلا مع الخط الذي تنتهجه الصحيفة في نبذ التعصب الطائفي البغيض وبناء علاقات سليمة فيما بيننا بعيدا عن العادات الدخيلة والمسيئة لتاريخنا المجيد وواقعنا الناصع.

"السلام" 

 

 

 

التدين نور والطائفية نار

الشيخ كمال خطيب- نائب رئيس الحركة الاسلامية

لقد أطلت الطائفية برأسها وكشرت عن أنيابها ونفثت سمومها خلال الحرب الأهلية في لبنان والتي امتدت ما يقرب من 14 سنة (1990-1976) حين وُقّعت اتفاقية الطائف، ويومها سمعنا مصطلحات الطائفة السنية، الطائفة الشيعية، الطائفة المارونية، الطائفة الدرزية. وجاءت كارثة احتلال العراق وإذا بنفس المصطلحات تعود، ولكن بزخم أكبر وبلؤم أشد؛ السنة، الشيعة، الأكراد. ومع الأيام الأخيرة من حكم طاغية مصر مبارك وتفجير الكنيسة في الإسكندرية ليلة عيد الميلاد (حيث ثبت أنه كان وراء التفجير وزير الداخلية المصري حبيب العادلي، الذي اتهم الإسلاميين في مصر بالوقوف وراء تلك التفجيرات) عادت مصطلحات الأقباط والمسلمين لتصبح حديث الشارع في مصر. وها نحن في ظل حكم طاغية سوريا وإذا بالحقيقة تكشف عن جرائم الطائفيين الذين يدعون القومية ويتلفعون بعباءة الثورية حيث مصطلحات: العلويون، أهل السنة وغير ذلك.
وإن من يستمع إلى المحللين، ومن يقرأ ما يكتبه الكتاب الإسرائيليون، سيجد أن هذه المصطلحات إنما تمضغها ألسنتهم مضغًا بتلذذ ويسيل بها حِبرُ أقلامهم، ذلكم أن في إثارة هذه الثغرات الطائفية ما يصب في صالح المشروع الصهيوني، وإنهم هم المستفيدون أولًا وأخيرًا من هذه التحزبات والنعرات الطائفية.

وعليه فإنه ليحزنني كذلك أن أرى تقليعة جديدة راحت تنتشر بيننا، نحن في الداخل الفلسطيني، حيث نرى ملصقات لمسبحة تدلى عند طرفها رسم هلال، إشارة إلى أن صاحب السيارة هو مسلم، وعلى سيارة ثانية ملصق لمسبحة قد تدلى عند طرفها رسم صليب وفي وسطها ما يُزعم أنه وجه مريم العذراء عليها السلام، في إشارة إلى أن صاحب السيارة هو مسيحي.
إنني لا أعمم في خطابي هذا، ولكن.. أخي المسلم، أخي المسيحي، على رسلكما، فما هكذا تورد الإبل، ولا هكذا يكون التعريف بالهوية، ولا بهذه الطريقة نتعرف على الأنساب، ولا بمثل هذا يُسَرُّ محمد والمسيح عليهما السلام. فكيف يلتقي ويتساوى أن يُعلق أحدهم مسبحة وعليها هلال أو اسم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم, بينما سائقها يشرب ويحتسي البيرة ثم يلقي بالزجاجة على الشارع؟ فهل هذا يرضي محمدًا صلى الله عليه وسلم؟ وهل يعتز المسيح عليه السلام ويفتخر بذلك الذي علق ملصقًا لمسبحته عليها صليب بينما هو يسير مسطولًا في الشارع وقد دارت الخمرة في رأسه؟ وهل يرفع محمد والمسيح عليهما السلام رأسيهما وهما يريان من يعلق تلك الملصقات بينما هو يُعاكس الفتيات في الشوارع، ومن يؤذي جيرانه ومن يتخلق بأخلاق السفلة والحثالات والتافهين.
إنني لا أحب أن أعرف هويتك يا هذا بالمسبحة المعلقة على سيارتك، بينما ينطلق من سيارتك دوي الأغاني الماجنة تؤذي بها الناس، حيث فعلك هو فعل الزعران قليلي الأدب. إنني أحب أن أعرف أنك مسلم بأخلاقك وآدابك ومصطلحاتك المهذبة وأصدقائك ورحمتك وتواضعك ونظافتك وشهامتك وتفوقك في الدراسة ونجاحك في العمل ومواقفك الوطنية وحبك لبلدك وشعبك وأمتك ودينك، بل إنني أريد أن أعرف هويتك الحقيقية يا من تعلق ملصق المسبحة عبر سؤالك: هل أنت فعلًا تحمل المسبحة وتسبح الله سبحانه بعد كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة، وتحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبر الله ثلاثًا وثلاثين كما هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهل المسبحة بالنسبة إليك شعارٌ طائفي أم وسيلة تعبدية؟ هل أنت ممن يحب الرسول حقًا وتقتدي به؟ أم أنه حبٌ مزعوم كما قال الشاعر:
تعصي الرسول وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس فظيعُ
لو كان حبك صادقًا لأطعته إن المحب لمن يُحب مطيعُ
ومن عظيم مصيبتنا في هؤلاء أن أحدهم يعلق مسبحة وعليها هلال، أو مسبحة وعليها صليب، بينما هو يُعلق في مكان آخر من سيارته ملصقًا مكتوبٌ فيه Jsp وهو لا يعلم، بل ولعظيم جهله، أن هذا ملصق عنصري يهودي، وهو مختصر لجملة ومقولة Jewish super people. فأين اعتزازك بمحمد والمسيح؟ بل أين اعتزازك بنفسك يا من تعتز بأن اليهود هم خير الخلق وهم أفضل البشر؟ فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظم.
وإذا ظن البعض بأن هذه النزعة الطائفية هي دليل إيمان وحقيقة انتماء فإنه مخطئ، بل إنه جاهل. وأنه إذا كان مسلمًا فإنه لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه. وإذا كان مسيحيا فإن المسيحية قد شُبِّهت له كما شُبِّه لليهود قتل المسيح؛ (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم). إن الأديان حرب على الطائفية كما يقول المرحوم الدكتور مصطفى السباعي، المرشد العام الأول للإخوان المسلمين في سوريا: "إن الطائفية عداءٌ وخصامٌ واستعلاء طائفة على طائفة وظلم طائفة لأخرى. فمن يستطيع أن يجرؤ على القول بأن هذه هي روح الدين في قرآنه وإنجيله؟ وأن هذه تعاليم الدين في إسلامه ومسيحيته؟".
حين اشتد أذى قريش على المسلمين لم يجد رسول الله خيرًا من نجاشي الحبشة يلجأ إليه أصحابه فيجدون عنده الأمن وحرية العبادة، فأمر صحابته أن يهاجروا إلى الحبشة، وكان الملك النصراني عند حسن ظن الرسول صلى الله عليه وسلم فاستقبلهم أحسن استقبال وأبى أن يُسلمهم إلى قريش وقال لهم: بل تنزلون عندي أعزة مكرمين. ولما جاء نصارى نجران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة استقبلهم في المسجد وأنزلهم فيه، وترك لهم حرية الصلاة في مسجده وفق ديانتهم، فكانوا يصلون صلاة النصارى في جانب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة المسلمين في جانب!!!، وهكذا تآخى العارفون بدينهم، يوم كان النصارى يفهمون روح مسيحهم، ويوم كان الإسلام يعلن للدنيا مبدأ حرية الأديان وتقديس الشرائع، وتكريم موسى وعيسى وإخوانهما من أنبياء الله ورسله. فمتى حدثت الطائفية في تاريخنا؟! ويقول المرحوم الدكتور الشيخ مصطفى السباعي تحت عنوان "الطائفية دخيلة على أمتنا": "إنها لم تحدث في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عصر خلفائه الراشدين، رضي الله عنهم، ولا في عصور الأمويين والعباسيين، وإنما حدثت يوم ابتعدنا جميعًا عن أدياننا وسمحنا للمتاجرين بها أن يعكروا صفو قلوبنا وللأعداء أن يفرقوا وحدة صفوفنا، يومئذٍ فقط مدّت الطائفية رأسها لتلصق بأدياننا وبأمتنا مخازي ليست منهما، فالطائفية ليست عميقة الجذور في أدياننا ولا في طبائعنا، وإنما هي بذرة خبيثة دخيلة نحن الذين سمحنا لها أن تنمو وأن تترعرع في تربتنا. وإن القضاء عليها لن يكون بكلمات النفاق من السياسيين المحترفين، ولا بمؤتمرات تعلن الوحدة متسترة بطائفية مقنعة، وإنما يجب القضاء عليها بعلاج من داخل أنفسكم أيها الناس، من ضمائركم، من قلوبكم، من أخلاقكم، من إيمانكم، من قرآنكم، من إنجيلكم، من محمدكم، من مسيحكم، ها هنا علاج الطائفية المقيتة وها هنا يتم الشفاء".
إنه الفارق الكبير بين اعتزازي بديني وانتمائي إليه وعملي من أجل تطبيقه في جميع نواحي الحياة بلا مواربة ولا مجادلة لأحد، وبين أن أتعالى على الآخرين وأسيء إليهم وأنتقص من مكانتهم وأن أظلمهم باسم الدين. لا بل إن البعض قد ذهب بعيدا في محاولته الإنكار على الطائفية والطائفيين، ما أوصله إلى درجة النفاق والكذب والتزلف؛ وإذا به يوجه سهامه الحاقدة والصدئة إلى حملة المشروع الإسلامي، وقد أفزعه على سبيل المثال فوز كتلة "إقرأ" في انتخابات لجنة الطلاب العرب في جامعة حيفا، محاولًا أن يُبرر حقده ذاك بالحرص على المسيحيين والدروز، وأن هذا سيؤثر على النسيج الاجتماعي لشعبنا.
إن مشروع الحركة الإسلامية محليًا وعالميًا هو صمام أمان لحماية الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي لشعبنا في مواجهة مواقف المتنطعين والمتشددين الذين ينظرون إلى الإسلام من خرم إبرة صغيرة. يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، بقوة وحزم وجرأة صاحب الفهم السليم، في كتابه الذي صدر في العام الماضي 2010 تحت عنوان "الوطن والمواطنة في ضوء الأصول العقدية والمقاصد الشريعية" يقول ص40: "ربما يكون الإشكال هنا هو التخوف من عدم تطبيق مبدأ المساواة على الجميع وتمييز المسلم على غير المسلم في مجالات معينة، في حين أن المواطنة تفترض المساواة بين جميع المواطنين، وهذا التخوف واردٌ وله ما يُبرره، ولهذا يلزمنا فقهًا أن تقرر فكرة المساواة بين أبناء دار الإسلام على أساس مبدأ "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، ولا تمييز إلا فيما تقتضيه طبيعة الخلاف الديني، ولا بد من حذف كلمات ومصطلحات تاريخية من قاموس التعامل المعاصر؛ مثل كلمة "ذمة" و"أهل ذمة" التي لم يعد يقبلها غير المسلمين، فلم يتعبدنا الله بهذه الكلمات، وقد حذف عمر بن الخطاب ما هو أهم منها حين اقتضت المصلحة العليا ذلك، فحذف كلمة "جزية" حين طلب منه ذلك نصارى بني تغلب وقالوا: إننا قوم عرب ونأنف كلمة جزية ونريد أن تأخذ ما تأخذ منا باسم "الصدقة"، يعنون "الزكاة"، ورضي منهم ذلك معتبرًا أن العبرة بالمسميات والمضامين لا بالأسماء والعناوين".
ويضيف الدكتور القرضاوي قائلًا تحت عنوان "الأخوة الوطنية": "وقد يعترض بعد الإسلاميين من الحرفيين والمتشددين على إطلاق الأخوّة خارج الإطار الديني، فليس عندهم أخوّة إلا أخوّة الإيمان، أي الأخوّة الدينية، ولا اعتراف بأية أخوّة سواها. ودليلهم على ذلك قول الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) (من آية 10، سورة الحجرات)، وقوله عن المؤمنين )(أصبحتم بنعمته إخوانا) (آل عمران: 103)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم"، ونحن نؤمن بأصالة الأخوّة الدينية القائمة على الإيمان، ونرى أنها أعمق أنواع الأُخوّات، ومع اعترافنا بذلك نؤكد أن هذه الأخوّة على عمقها لا تمنع من وجود أنواع أُخـرى من الأخوّات، مثل الأخوّة الوطنية والقومية، ومثل الأخوّة الإنسانية.
ولقد ناقشني أحد المتشددين يومًا معترضًا على قولي: "إخواننا الأقباط"، بأن الأخوّة إنما تكون بين المسلمين بعضهم وبعض، والأقباط نصارى فكيف يكونون إخواننا؟!.
قلت له: إن الأقباط إخواننا في الوطن وإن لم يكونوا إخواننا في الدين، يجمعنا وإياهم وطن واحد. قال: وهل هناك أخوّة غير أخوّة الدين؟ قلت: نعم؛ هناك الأخوّة الوطنية، والأخوّة القومية، والأخوّة المهنية، والأخوّة الإنسانية. قال: وما الدليل الشرعي على ذلك؟ قلت: الدليل على هذه الأخـُوّات وجودها في عالم الناس وواقعهم وإن كان ولا بد من دليل من نصوص الشرع فها أنا ذا أسوقه إليك من القرآن الكريم: اقرأ معي قول الله في سورة الشعراء (كذبت قوم نوح المرسلين، إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون) (الشعراء: 106-105)، (كذبت عادٌ المرسلين، إذ قال لهم أخوهم هودٌ ألا تتقون) (الشعراء: 124-123)، فكل هؤلاء الأقوام كذبوا برسلهم وكفروا بهم، ومع هذا عبّر القرآن عن علاقة رسولهم بهم بأنها علاقة أخوّة؛ (قال لهم أخوهموهنا لم يجد المعترض بُدًا من التسليم. وهل يعارض مسلم دلالة القرآن الكريم؟!".
ومثل ذلك التشدد الديني عند البعض في فهم النصوص الدينية فإنه التشدد، بل والتعصب العلماني، الذي يريد نفي أية علاقة للدين بالحياة حين يقول هؤلاء: "الدين لله والوطن للجميع"، يقول في ذلك فضيلة الشيخ القرضاوي: "ومن الكلمات التي تروج في المحيط العلماني والمحيط الليبرالي كلمة "الدين لله والوطن للجميع"، وهي تقال في مقابل الذين يتمسكون بالدين ويرجعون إليه في حياتهم من مسلمين ومسيحيين وغيرهم، فيقولون لهم: الدين لله...... فما يريده هؤلاء من عبارتهم "الدين لله" ليس من الدين في شيء، إذ يُراد بها عزل الدين عن الحياة وعن توعية الناس وردّهم إلى الله وإلى صراطه المستقيم.
والحقيقة أن العبارة المذكورة "الدين لله والوطن للجميع" نستطيع أن نقلبها على كل الوجوه التي تقتضيها القسمة العقلية هنا، فيمكنك أن تقول: "الدين لله والوطن لله"، على معنى أن الأرض كلها لله والكون كله لله كما قال تعالى: (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) (الأعراف: 128)، ويمكن أن نقول "الدين للجميع والوطن للجميع"، فكما لا يحرم أحد من الوطن لا يحرم أحدٌ من الدين. ويمكنك أن تقول "الدين للجميع والوطن لله"، كما يمكنك أن تقول "الدين لله والوطن للجميع"...".
إنني أعلم أن البعض لا يروق له بل إنه يغضبه ويستفزه حينما نتحدث عن فترة الحروب الصليبية وغزو واحتلال جيوش أوروبا للشرق الإسلامي بدءًا من العام 1096، وذلك حينما نقول "الحروب الصليبية" حيث يزعم هؤلاء أن هذا مصطلح طائفي نحن نردّده. والحقيقة أن مصطلح الحروب الصليبية هو مصطلح أوروبي مسيحي صرفٌ، حيث كان يعتز أولئك بأن حروبهم المقدسة تلك لتحرير القدس من المسلمين الكفار كانت تحت راية الصليب. أما المؤرخون المسلمون فكانوا يكتبون عن تلك الحقبة وتلك الحروب بمصطلح حروب الفرنجة وليس الحروب الصليبية، فمن هو الطائفي والعنصري يا ترى؟!.
إن تاريخ شرفنا العربي والإسلامي يشهد على أن الطائفية لم تكن يومًا سِمة ولا سلوكًا من سلوكيات مجتمعاتنا، وإنما الطائفية هي فعلًا دخيلة ومستوردة، وإنها آفة ووباء يحتاج إلى علاج بل إلى اقتلاع واجتثاث، وإن هذا التعريف للطائفية لا صلة له بمواقف العلمانيين وأدعياء الوطنية الذين يبرعون في تنميق العبارات وفذلكة الكلام، ويوزعون الشهادات وكأنهم الأحرص على شعبهم. ولعل منهم من نعرفهم جيدًا ونعرف أن الوطنية بالنسبة إليهم هي عباءة يتلفعون بها، بينما تختفي تحتها انتماءات وولاءات مشبوهة وغريبة.
إننا لا نجامل أحدا ولا نتملق لأحد، وإنما هي الحقيقة بأن من يفهم الدين الفهم السليم لا يمكن أن يكون طائفيًا ولا عنصريًا، وإنما فهمه السليم يجعلهُ نِعْم الأخ ونِعْم الجار، ونِعْم الصديق لإخوة الوطن، مثلما هي لإخوة الدين
وإنها لتحضرني تلك الطرفة التي تتحدث عن شابين مسلمين مصريين وقد ضلا السبيل واشتد بهما الجوع والعطش، وعن بعد لاح لهما دير قد بُني في طرف الصحراء، فأسرعا طلبًا للطعام والشراب، ولكن وقبل دخولهما قال أحدهما للآخر إننا إذا طرقنا باب الدير وسألَنا الكاهنُ عن أسمائنا وعلم أن كلينا اسمه محمد فإنه سيكتشف أننا مسلمين ولن يعطينا طعامًا ولا شرابًا، وعليه فإنني أقترح أن نسمي أنفسنا أسماءً نصرانية، أما أحدهما فرفض وقال: سأبقى محمدًا فإن شاء أكرمنا وفرّج عنا وإلا فالموت خير من تبديل اسم محمد، وأما الآخر فقال: أما أنا فمن الآن وحتى تناول الطعام والشراب فإن اسمي "جِرْجِسْ".
طرق محمد و"جرجس" باب الدير فخرج لفتح الباب أحد الكهنة، وقد بدت عليهما مظاهر التعب والجوع والعطش، فأدخلهما إلى الداخل ليستريحا، ثم سأل كلًا منهما عن اسمه فقال الأول اسمي محمد وقال الثاني اسمي "جرجس"، فقال الكاهن: أما أنت يا جرجس فتعلم أن هذه أيام صيام الفصح، ويقينًا أنك صائم لأنك مسيحي، وإن لم تكن صائمًا فيُحرم علينا أن نطعمك، وأما أنت يا محمد فأهلًا وسهلًا بك ضيفًا عزيزًا، وهذا مطبخ الدير؛ ادخل فكُلْ ما تشاء واشربْ ما تشاء، فنحن إخوة وأبناء شعب واحد. دخل محمد وأكل وشرب وأما "جرجس مؤقتًا" فراح يعضّ على شفتيه خزيًا وجوعًا، فلا هو بقي محمدًا ولا هو أكل وشرب.
نعم؛ إننا إخوة في الوطن، وإن الطائفية سمٌ زعاف لن نسمح لأحد أن يسقينا إياه وكأنه البلسم الشافي. فالتدين نور والطائفية نار، التدين رحمة والطائفية عذاب، فـ"نَعَم" للتدين و"لا" للطائفية و"الدين للجميع والوطن للجميع".

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديَّ بالمغفرة

(والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون(

 

1
.
عربية
8/7/2011
صدقت يا شيخي العزيز