[x] اغلاق
الأعراس هاجس النّاس!!
13/8/2011 8:56

 

الأعراس هاجس النّاس!!

بقلم: مارون سامي عزام

 "رأفةً بجيوبنا... رِفقاً بأعصابنا... مهلاً أيّها الزمن"، صيّحةُ استغاثة تنبعثُ سنويًا من مجتمعنا، مع افتتاح موسم الأعراس الذي يصحبه موجة استياء وتذمُّر عارمَين من قِبَلِ النّاس. الأعراس ظاهرة عريقة ومتأصِّلة في مجتمعنا منذ عهد أجدادنا، الذين كانوا يشاركون في العرس وهُم فرِحون، والسعادة تغمر وجدانهم، لأن الاعراس آنذاك كانت قليلة جدًا، ليس مثل اليوم، "العُرس اللي بيعجبكاش خُد غيرو"، لأنّ مضاعفاتها المادية، باتت تؤثر على ميزانية العامل، الذي بالكاد يعيل أبناءه.

 التزايد السكاني الذي طرأ على تركيبة مجتمعنا العربي، رفع نسبة الأعراس بشكلٍ لا يتلاءم مع حالته المعيشية، والازدياد ملحوظ في هجرة بعض العائلات إلى المدن والقرى المجاورة، أدى إلى ارتفاع في نسبة العازبين من الشباب والفتيات في المجتمع، مجمل هذه التغيرات، ساهمت في تَوَسُّع شبكة العلاقات الشّبابيّة خاصة، التي يعتبرها بعض الأهالي هامشية، لأنهم يتجاهلون أن قسمًا كبيرًا منها، سوف تنتهي بالزّواج، فبالتالي أدى إلى اشتداد وطأة الأعراس سنوياً على الناس، خلال موسم الصيف على وجه التّحديد.

 قضية الأعراس "إلها أوّل ما إلها آخر"، لأنها لم تعُد تنتهي عند مسألة الواجب الاجتماعي، فسيطرت على العلاقات الإنسانية المعدومة أصلاً، أضِف إلى ذلك، إنها تُرهق جسد الإنسان، فيضطر ذلك الشخص أن يسهر أسبوعًا كاملاً، لدى صاحب الفرح (المعني به شخصيًا)، وأقصد "التعاليل" الليلية المضنية، التي تُقام تحت الرعاية السّامية لوالد العريس، فيُقيم الولائم الفاخرة، التي تشمل العشاء الاحتفالي، (وكل هذه التشريفات المذكورة تحصل عليها العروس أيضًا)، وطبعًا لا يمكنك المشاركة فيه دون أن تُحضِر العائلة "هدية"! وعند اقتراب نهاية العشاء أو السّهرة تبدأ بعض المقرّبات من أهل الفرح، بتوزيع قِطَع الحلوى على الحضور، يُحضّرها بعض النساء العصريّات الماهرات بصنعها،  فيتنافسن بينهن من يحضّر النّوع الأشهى والأغرب واللذيذ والأجمل تزيينًا وترتيبًا!!.

 صاحب العرس يضطر أن يُحضر فرقة موسيقية المتمثلة بالـ תקליטן، الذي بات جزءًا لا يتجزّأ من الليالي المِلاح، و"يخجل" المشاركون حضور أسبوع العُرس و"إيديهن فاضية"، فيقدّمون لأبو العريس مُغلّفًا صغيرًا فيه جزء من النّقوط. بما أن الأعراس أصبحت تتكاثر سنوياً، مثل تكاثر البشر، أصبحت مهنة الـ תקליטן، منتشرة ومطلوبة جدًا في مجتمعنا العربي، ومربِحة جدًا للشخص الذي يعمل بها، ومن ناحية أخرى مكلفة جدًا لصاحب العرس، لأنه لن يتم الفرح إلا بحضوره، والجميع ينتظر سماع "مُحراك الطّرب"، الذي يشغّله صاحبه بتقنيّة فنيّة ماهرة، فنَسمع خليطًا من الأغاني، ويتنقّل من أغنية لأخرى بسلاسة، تماشيًا مع أمزجة أصحاب الفرح ولفيفهم، وهو يُعتبر نجم السّهرة الثّاني بعد العريس.

 نلاحظ في الآونة الأخيرة أن العرس دخل أيضاً في مجال المنافسة الاجتماعية، وفي مجال مظاهر البريستيج المبتذل، فنرى أضواء الأنا تُشع من بيت والد العريس أكثر من جاره، وتلفت والدة أحد المحتفى بهما وحاشيتها أنظار جميع النّساء، على فخامة أناقتهن، وما يصحبها من عرض أفخر الملابس ومستلزمات حُب الظّهور المختارة من دور الأزياء المحليّة، التي تفتخر بأسمائها الأجنبيّة!!.

 من الأعراض الجانبية للأعراس الخارجيّة أيضًا، ضجيج مكبِّرات الصوت، التي يصل صداها إلى بيوت الناس دون استثناء، فتُقلق راحتهم، فيُقصي النّوم عن عيونهم، فنجدهم غداة اليوم التالي، يشكون منها. الموسيقى الصاخبة التي تصدر عن مكبرات صوت الفرق الموسيقية والـ תקליטן، هي عارض صحيّ خطير على آذاننا المسكينة، التي تضطر مُكرَهَة تحمُّل هذا الضجيج، وبكل أسف أقول، أن الفِرَق الموسيقية تأبى خفض حدّة الصوت إلى درجة معقولة، وأعتقد أن ارتفاع أصوات الآلات الموسيقية، منوط بالسعر غير المعقول الذي يطلبه صاحب الفرقة، لأنه يحسب نفسه أنه قائد للفرقة الماسية المصرية الشهيرة.

 من الظّواهر الأخرى التي دخلت على أعراسنا، ونخرت أسمى قيَم احترام الأشخاص المدعوّين، وهي ظاهرة صندوق الاستثمار... عفواً صندوق النقوط، الذي يوضع عند مدخل قاعة العرس، لقد تمّ استيراد هذه الظاهرة من الغرب، حبًا في إدخال التميُّز السّلوكي!! على عاداتنا وتقاليدنا التي يعتقد البعض أنها بحاجة إلى عملية إحياء من جديد. وهذه الظاهرة تُظهر مدى "تمسكنا" بالأصول والعُرف، مع أنّها من ناحية أخرى تعكس تخلّينا حتى عن فتات ما تَبَقى لنا من تقاليد جميلة.

 الأعراس تأخذ حيزاً كبيراً من عجز الحساب الجاري لرب الأسرة المعيل صاحب الدخل المحدود، من خلال الفوائد المصرفية والعمولات الباهظة التي تسلبها المصارف من جيبه بهدوء، دون أن يشعر. اليوم بعض المصارف باتت تشارك زبائنها أفراحهم، من خلال إغرائهم بأخذ قروض بالتّقسيط المريح!!، وهُم مُدركون أنّ الأعراس هَمّهُم الأكبر، بعد رحلات الاستجمام التي لا يأخذها بعضهم بالحسبان. يعني الأعراس ترفيه اجتماعي مفروض على النّاس، له ضريبته الخاصة، ورحلات الاستجمام، ترفيه عائلي اختياري، يعني فصل الصّيف بات ضائقة ترفيهيّة شاملة على البعض.  

 لقد دحرت حياتنا الثقافة جانباً، فلو يرتاد الناس معارض الكتب التي تقام سنوياً في مؤسساتنا، بقدر ما يرتادون الأعراس الاستعراضية، لشهِدنا ازدهارًا ثقافيًا، وتربويًا أفضل مما هو عليه حاليًا، ولكن دعونا نعترف بأنّ مجتمعنا أصبح مجتمعًا ترفيهيًا، وقسما لا بأس به ينبذ القراءة، لا يشجع أولاده على المطالعة، لانشغاله بالواجبات اليومية، وخصوصاً الأعراس، التي باتت بالفعل وجع راس الناس. إنّني أناشد مجتمعنا، أن يختصر هذه المراسم المكلفة، لأن "الجايات أكتر من الرايحات"، ومهما طرحنا من حلول سحرية على النّاس، فذلك لن يُجدينا نفعًا، لأنه كما يقول المثل الشّعبي "كل واحد براسو موّال بدّو يغنّيه"، والأعراس فصل سنوي من فصول يوميّاتنا، لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن يمكننا اختصار بعض بروتوكولات الأفراح غير الإلزاميّة، لأنه لا يوجد دستور اجتماعي يفرضها على أحد...                 

(شفاعمرو)