د.عزمي بشارة في الجامعة الأميركية في بيروت: "فلسطين: قضية العرب أم مشكلة الفلسطينيين" 16/5/2009 13:58
بشارة والنكبة: المستعمَر لا يعرض الحلول على المستعمِر في كل مرة نستمع فيها إلى عزمي بشارة نوقن أن فلسطين، على الرغم من آلامها ومصاعبها، ما زالت قادرة على إنجاب مفكرين من طراز رفيع، ومناضلين حفروا في أديم هذه البلاد علامات من النبل والكرامة والعناد في مواجهة الظلم التاريخي. لقد دشّن عزمي بشارة سيرته في فلسطين بمقارعة الاحتلال والعنصرية، وتمكّن من صوغ مشروع للحرية غايته الوحيدة مقاومة النفي والإلغاء ومسح الحقائق من التاريخ. وها هو، المنفي خارج وطنه وداخل وطنه العربي معاً، ما برح يحاول أن يشق طريقاً إلى العودة المؤجلة من واحد وستين عاماً. لكن «حق العودة قضية لا تصلح للتفاوض (...) ونحن لم ننتصر على إسرائيل بل انتصرنا على عدوانها، (ومع ذلك) فليست وظيفة المستعمَر أن يعرض الحلول على المستعمِر، بل أن يقاومه». هذا بعض مما قاله عزمي بشارة في الجامعة الأميركية في بيروت، وهو غيض قليل من فيض كثير. د..عزمي بشارة: "أن تكون عربياً في أيامنا" في ذكرى النكبة.. هذا العام، اختار النادي الثقافي الفلسطيني في الجامعة الأميركية، أن يحيي الذكرى الواحد والستين للنكبة بدعوة المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة ليلقي محاضرة عنوانها "فلسطين: قضية العرب أم "مشكلة الفلسطينيين"، أسئلة النكبة والتاريخ. وتجدر الإشارة إلى أن المرة الأولى التي التقت فيها الجماهير اللبنانية بالدكتور عزمي بشارة كانت عام 2005 وفي الصرح العلمي العريق إياه... أما يوم أمس الأول، الخميس، فلم يكن يوماً عادياً في الحياة الجامعية. ففي الوقت الذي كان شباب النادي وصباياه مازالوا منهمكين في الترتيبات التي تسبق المحاضرة، منكبين على تنظيم حفل توقيع كتابه الجديد الصادر عن مؤسسة الدراسات العربية "ماذا يعني أن تكون عربياً في أيامنا" مباشرة بعد المحاضرة، تقاطرت الحشود قبل ساعة من موعد اللقاء، لتحجز لنفسها مقعداً قبل أن تغصّ قاعة عصام فارس بالمئات، فلم تتسع للجميع.. وفي حين افترش عشرات الشباب الأرض، بقي العشرات منهم واقفين في الأروقة العليا يترقبون قدوم بشارة من خلف الزجاج. وما إن أطل حتى علا التصفيق، تصفيق استمر دقائق طويلة مؤثرة..ولاسيما أنه ا اللقاء الأول في الجامعة الأميركية منذ نفيه القسري.. ابتدأ عزمي بشارة محاضرته قائلاً: "إن أجدادنا لم يتخيلوا يوماً أننا سنحيي الذكرى الواحد والستين للنكبة، كونهم كانوا واثقين من العودة القريبة، إلا أن المحتل لم يتوقع يوماً أيضاً أن يواصل الجيل الشاب (مربّتاً على كتف رئيس النادي الثقافي الفلسطيني بهاء كيالي) بإحياء الذكرى الواحد والستين للنكبة، وهذا بحد ذاته يبعث على الأمل."، ثم واصل التأكيد أن الاحتلال بدأ عام 1948 لا عام 1967 حين تم احتلال الضفة والقطاع والجولان، فعملية التسوية بدأت لتستمر إلى ما لانهاية، حيث لا تسوية في الأفق، في غياب حق العودة ما حولّها إلى مجّرد عملية من دون تسوية. فكانت ندوة مؤثرة في مناسبة خاصة ومكان مميّز امتدّت لما يزيد عن الساعتين، حيث قوطع المحاضر مرات عدة بالتصفيق، ولاسيما فيما يتعلّق بكون المقاومة واجباً لا حقاً، فأكّد أن الخسائر بالأرواح والممتلكات أمر طبيعي في معارك تحرير الأرض، كون المقاومة مكوّنة من أفراد ومجموعات ينتمون إلى شرائح اجتماعية متنوعة داحضاً كل الاتهامات التي طالت المقاومة اللبنانية عام 2006 والفلسطينية في غزة أوائل هذا العام، وإن عبّر على ضرورة تمايز الخطاب الأكاديمي عن الخطاب التعبوي في مسألة النصر والهزيمة، من دون أن يعني ذلك إلغاء أحدهما للآخر . وأضاف أنه في الوقت الذي تؤكد فيه الأنظمة العربية على حق المقاومة إلا أنها تريد هذا الحق ولكن من دون مقاومة (مثل القهوة من دون كافيين)، إلى أن تكللت جهودها بإفراغ منظمة التحرير من مضمونها، تستعملها ساعة تشاء لتدعم مواقفها، وتتجاهلها عندما لا تحتاجها.. فبات الاعتراف بمنظمة التحرير هو الهم الأوحد بدلاً من التحرير بحد ذاته، ومعه ابتدأت المسارات الثنائية في عقد الاتفاقيات بدءاً من كمب ديفيد، في محاولة لنزع الطابع العربي عن القضية الفلسطينية سعياً وراء حصرها بالفلسطينيين. وأشار بشارة أن جل ما تتمناه إسرائيل هو انتزاع الاعتراف من الدول العربية، وهو ما تحقق لها في ظل أوضاع عربية متردّية متدهورة حيث تعتبر الأنظمة العربية القضية الفلسطينية عبئاً عليها وتحمّلها وزر أخطائها وخطاياها، في وقت تفتقر إلى الضمانة التي توفّرها الطبقات الوسطى. وبعد أن كان شرط بدء المفاوضات الأول هو "محو آثار العدوان"، أي الانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 1967، بات هدف التفاوض مقتصراً على تلك الأراضي، وكأن النكبة عام 1948 لم تحدث أصلاً. وكأن بشارة كان في سباق مع الوقت، يسعى إلى طرح كل ما عنده على جمهور مصغ ومتفاعل، ضمن مدة زمنية محددة استمرّ في الإعلان عن عدد من الأفكار والمواقف المكثّفة، في ما يلي بعض منها: أما بالنسبة لمن اضطر إلى البقاء في البلاد، فبات يعيش في بلدات تشكّل البديل عن القرى التي هجّر منها فاقداً بذلك موارده الزراعية من دون أن يستطيع استبدالها بالمصانع. فأمسى السكان الأصليون يعملون في المدن اليهودية بعد أن كانت فلسطين تشيد مدينتها الجنينية الواعدة في حيفا ويافا وغيرهما، وكانت فلسطين الوطنية والقومية تنهض مع النخب المتعلمة بما فيها القادمة من الريف لاكتساب العلم في المدينة، ومع نهوض البرجوازية والعمال والطبقة الوسطى. وليس صدفة أن الذاكرة الفلوكلورية الفلسطينية تغفل المدينة الواعدة فتقتصر على حنين إلى القرية وحدها حيث كان سواد فلسطين الأعظم ريفيا بسيطاً معدماً يفتقر إلى التواصل مع بعضه. يحسب الفلسطينيون (أو يودّون أن يصدّقوا) أن الاهتمام الغربي بهم اهتمام صادق، لذلك يحرصون على تبني مصطلح "الشرعية الدولية" الذي ليس لديه أي أساس (أو ترجمة) في اللغات الأجنبية، بينما الاهتمام الدولي هو اهتمام محصور بإسرائيل وبالمسألة اليهودية. لا يشكّل الاهتمام الدولي بقضية فلسطين عنصر قوة بل عنصر ضعف لأنه يعكس سعياً غربياً إلى التخلص من المسألة اليهودية المشكِّلة للهوية الأوروبية وتحويل عبئها إلى العرب، إذ أن الأوروبيين رفضوا اعتبار اليهود غربيين على أراضيهم، إلا أنهم باتوا يقبلون بهم غربيين بعد أن احتلوا فلسطين وطردوا منها السكان الأصليين. وكأن الصهيونية لم تكن إلا كذبة اخترعها الإستعمار لتكون رأس حربة امبريالية في المنطقة. وباتت أوروبا تتواطأ مع إسرائيل في إلقاء عبء العداء لليهود على العرب، وتشاركها الإحتفالات بالاستقلال كأنها احتفالات عالمية بتأسيس الأمم المتحدة. يبقى عنصر القوة في قضية فلسطين هو الاهتمام العربي لا الدولي، ولاسيما إذا تحول إلى فعل حقيقي على الساحتين الإقليمية والدولية وإذا استحال إرادة فعلية لهزيمة إسرائيل. وفي نهاية المحاضرة قام عدد من الحضور بالتعقيب وطرح الأسئلة. ثمة سر في هذا الرجل الآتي من الجليل. كأن فيه بعض جمار المسيح، معلمنا وابن بلدته «الناصرة». تتحلق الصبايا حوله مثل قديس أو ولي، وحينما يتكلم فهو كمن يتكلم بسلطان. تصمت القاعة تماما ولا يخرقها إلا التصفيق الحار والمتلاحق. ولا أعتقد أن في لبنان اليوم محاضرا واحدا يستطيع أن يحظى بهذا الألق. ليته إذاً يترشح في الانتخابات النيابية، وليكن شعاره مكنسة عملاقة يكنس بها «المرض اللبناني» المتفاقم، أي الزعبرة والبهورة والابتذال والطائفية معاً. لم أشهد، منذ سبعينيات الثورة الفلسطينية، منذ زمن قاعة جمال عبد الناصر في "جامعة بيروت العربية"، مكانا تلتهب الأكف فيه بمثل هذه الحرارة، ويُستقبل الضيف فيه بمثل هذه اللهفة. لكن عزمي بشارة، مرة ثانية، ليس مجرد خطيب أو سياسي أو أستاذ جامعي اعتيادي، مع أنه خطيب ساحر، ومحاضر باهر، وحضوره آسر، ولسانه ساخر... إنه المثال الأرقى للشبان الفلسطينيين والعرب الباحثين عن معنى لوجودهم في هذا العماء العربي المتواصل، وفي هذا السديم السياسي المتطاول. وقد كانت لي متعة الجلوس إلى جانبه في غير محاضرة: في معرض بيروت للكتاب في سنة 2005، وفي مسرح المدينة سنة 2008، وفي البرج الشمالي سنة 2008 أيضا، وفي هذه المناسبات وغيرها اكتشفت، من خلال حدقات العيون، أن عزمي بشارة يجسد، لدى الجيل الفلسطيني الحائر، الأمل. ويكفيه هذا، بعدما راح الأمل نفسه يتضاءل إلى ما يساوي رقعة جواز سفر جديد. بالأمس، في ذكرى النكبة، وفي قاعة عصام فارس في "الجامعة الأميركية" التي فاضت عن سعتها من الطلاب، لكنها اتسعت لجميع الذين جاؤوا للإنصات إلى عزمي بشارة، وبحضور ثلاثة وزراء سابقين هم بشارة مرهج وعدنان مروة وكرم كرم، فضلاً عن أكاديميين وسياسيين وطلاب وناشطين ومناضلين ونساء، وبدعوة من "النادي الثقافي الفلسطيني" في الجامعة، وبعد تقديم من سيرين سعد الدين، وإدارة بهاء كيالي، تحدث عزمي بشارة فقال: شهدت أروقة هذه الجامعة، قبل نحو ستين عاماً، الكلمات الأولى لكتاب قسطنطين زريق «معنى النكبة»، ثم كتابه الثاني «معنى النكبة مجددا». لكن جميع الذين عاشوا النكبة حينذاك لم يفكروا قط في أننا سنبقى واحدا وستين عاما خارج فلسطين، وأن النكبة ستستمر طوال هذه المدة. لكن الإسرائيليين أيضا لم يفكروا، البتة، في أننا سنكون موجودين بعد واحدا وستين عاما أخرى. ومن سخريات الأيام أن بعض الرؤساء العرب لا يخجلون من تهنئة إسرائيل بذكرى «استقلالها» الذي هو يوم نكبة للفلسطينيين. لهذا، لا بد من التشديد على أهمية إحياء هذه الذكرى في مواجهة المحاولات الدائمة لتهميشها وإغفالها وحتى نسيانها.
وأشار إلى أن الرئيس أنور السادات حينما تبنى في سنة 1974 قرار «الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني»، والمقصود "منظمة التحرير الفلسطينية"، لم يفعل ذلك في مواجهة الأردن بل استعدادا للانخراط في التسوية التي أوصلته إلى كامب دايفيد، أي ليس لتحرير فلسطين بل لتحرير مصر من القضية الفلسطينية، مع أن لقرار العرب بشأن "منظمة التحرير الفلسطينية" باعتبارها «الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين» وجها إيجابيا من حيث التأكيد على الهوية الوطنية في مواجهة الصهيونية التي أرادت نفي هذه الهوية. وأضاف: "أن حق العودة قضية لا تصلح للتفاوض، وما يجري اليوم من مفاوضات لا يهدف إلى حل القضية الفلسطينية، بل غايته التوصل إلى سلام منفرد بين الفلسطينيين والإسرائيليين". وأوضح أنه في هذا الميدان لا يتحدث عن خطاب يميني أو يساري، متطرف أو معتدل، بل يتحدث بلغة النضال الوطني، ضد الاستعمار العنصري. وتساءل: "لماذا بعد واحد وستين عاما لم تحل قضية فلسطين مع أن جميع حركات التحرر في العالم أنجزت مهماتها؟". وأجاب: "لأن قضية فلسطين واقعة عند تخوم المسألة اليهودية، وهي لدى الغرب مجرد هامش على المتن، أي على المسألة اليهودية. والمسألة اليهودية نشأت في سياق تشكل الهويات في أوروبا وتعريفها لذاتها، هذه الهويات التي تحددت بالمواجهة مع الآخر في الداخل، أي اليهودي، ومع الآخر في الخارج، أي الإسلام". وشرح هذه المسألة بقوله إن أوروبا لم تكن تسمح لليهودي بالاندماج. أما الصفقة التاريخية فمضمونها أن هذا اليهودي كي يصبح أوروبيا عليه الخروج من أوروبا. وبهذا المعنى، تصبح إسرائيل قطعة من أوروبا، لكن في الشرق، أي امتداد للاستعمار الأوروبي، وذات هوية قومية معاكسة لهوية المنطقة العربية. ومن هنا، بات انشغال العالم بقضية فلسطين هو انشغال بالمسألة اليهودية أساساً، أي بذلك الأوروبي الخارج من أوروبا التي تذبحه في الداخل وتتضامن معه في الخارج.
وقارن بشارة خطابات بعض القادة العرب «الجديين» في سنة 1966 بالخطب الحديثة اليوم. ففي سنة 1966، كان هؤلاء يتحدثون عن أزمات إسرائيل ومشكلاتها وكأنها ستنهار في أي لحظة، لكنها في سنة 1967 اجتاحت ثلاث دول عربية وهزمتها. واليوم، الإيمان بالانتصار ضرورة ومشرف، ولكن ثمة لغة «انتصارية» غير جدية وغير دقيقة وغير علمية، فعلى العرب أن يفهموا خصمهم بدقة. وخلص إلى القول إن الشعب الفلسطيني غير قادر وحده بالمقاومة على تحرير فلسطين. لأن التحرير مهمة عربية متضافرة، بل مشروع عربي متكامل. ومهمة الفلسطينيين وحدهم، وفي غياب هذا المشروع، هي التصدي لإسرائيل ومقاومة الاحتلال والعدوان وإبقاء قضية فلسطين ماثلة في السياسة، وإنهاك الكيان الإسرائيلي، والبرهان للعرب إن الانتصار ممكن في نهاية المطاف... الانتصار مع العرب وليس من دونهم. وختم عزمي بشارة محاضرته بالقول: "ليست وظيفة المستعمَر عرض الحلول على المستعمِر. وليس على الشعب الفلسطيني أن يقترح حلولا سياسية إلا قبيل التحرير، لأن أي حل إنما هو حل مؤقت، وقابل للتغيير والتعديل بحسب المراحل المتغيرة والمتبدلة". ووصف السجال الدائر اليوم على خيار الدولة العلمانية في فلسطين أو خيار الدولة الثنائية القومية أو الدولة الواحدة بأنه نقاش خاطئ، "لأن حركات التحرر الوطني عليها أن تعرض برنامجها الديمقراطي وكفى، وليس عليها أن تعرض حلولا على المحتل. فهذا الأمر يستدرجها إلى مصيدة صناعة الحلول وصوغ المبادرات". 1
.
wa7d
16/5/2009
3zmy b shara b shawareb tale3 r7ly mesh hareb
|