[x] اغلاق
أعذُرني صديقي... إنّني مُذنبة
23/1/2012 10:34

 

أعذُرني صديقي... إنّني مُذنبة

بقلم: مارون سامي عزّام

 

غاصت عيناي في أعماق وجهي الأسمر من شدّة خجلي. كم تمنّيتُ أن أرقص معكَ في تلك الليلة فوق مَرقص واقعنا... لكن، لا أدري ما الذي أقصى عن فمي اعتذاري لكَ عن الرّقص! هل هي رهبة حضوركَ؟! هل هو خوفي ممّن حولي؟! لستُ أدري... لذلك أرجوك اعذرني، فأنا مخطئة... مجحفة بحقّك. فكّرت كثيرًا في تصرّفي غير اللائق معكَ. ما طلبتَهُ منّي لم يكن مستحيلاً، فأنت لم تطلب سوى مراقصتي، لكنّي تعمّدتُ ألاّ أسمعكَ، فلمْ أتحرك. خُيِّلَ لي أنّك تدعوني إلى مصارعة ثور القَدَر، ليرفس منديل اعتزازي بنفسي، ويخترقه عنوةً. فوجئت لاحقًا أنه تبلّل بندى ندمي على فعلتي معكَ.

كَسَرتَ بجرأتك الغريبة زجاج التّكلّف الذي فصل بيننا، وأثبت لي أنّك حقًا فارس الشجاعة، لكن كبريائي أبت أن تسترخي أمامك في تلك اللحظة الحرجة! فلماذا لم أُقدّم اعتذاري لك عن الرّقص حينها؟!! لا أجدُ الإجابة على السؤال. شعرتُ أنّ جسَدي قد شُلَّت حركته فجأةً، لأنّ تصرفي كان طائشًا وصبيانيًّا، وكان هناك شهود على ذلك، لم يمنعوني من ممارسة يوغا تأملاتي أمامك، وللأسف لم يأبهوا بكَ، ولم ينبّهوني إلى خطأي.                  

ما زلت أعيش على ذكرى تلك الليلة الخريفيّة، التي بعثرَت نظراتي إليك. أبعَدتُها عنكَ بقسوة، فعادت إلى ريف سكوني. لا أريد العودة إلى حدَث تلك الليلة، لخوفي من أن تتعطّل آلة الزّمن بي وتتوقف عنده. وها أنت اليوم تعاملني بجفاء، كلما لمحتني في أي مكان... تُنزلُ عليّ صواعق توبيخكَ الصّامت، إلى أن باتت تهدّدني بهدم هيكل احترامك لي، فتجعلني أصرخ من أعماقي لأقول: "أنا مذنبة... أنا مخطئة سامحني".

شعرتُ أنّ قلبي تحوّل إلى حبّة خردل صغيرة، لا أدري كيف نبتت في صدري دون أن أشعر، وكأنّ فانوس الجان سَحَره. لذلك اعذرني صديقي... لا تلُمني... أأنا معذورة أم مغرورة!؟، صدّقني فأنا لا أعي ما أقول. صرتُ أهذي، وعلى بشرَتي بدأت أحاسيسي تتشابك وشرودي... أحاسيس تداخلت بعضها ببعض، متحكمة بنفسيّتي المتعبة... جسدي وعقلي ما زالا لا يقدران عليها، لأنّها نبتت من بذور تعذيب الضّمير الموجِعة، لرفضي مراقصتك، فاعذرني.

لن يهدأ بالك أيّها النّظاميّ، إلاّ عندما ترغمني على دخول دائرة النّظام الاجتماعي، وبيَدي رزمة كبيرة من الأوراق تحمل بيانات طلب اعتذاري. أنتظر خارجًا لحظة قدوم دوري، مثل المحتاجين الواقفين في الطابور، على باب الشّؤون الاجتماعية، لأسجّل طلبي أوّلاَ في سِجِل بروتوكول الذّوق الاجتماعي، وبعد أن يعبُر جميع المراحل البيروقراطيّة، يصلك للنّظر فيه، عندها سوف تقرر إذا كنتُ أستحق منكَ قبوله، ليكون ذا صبغة أكثر رسميّة... صدّقني، أعلم أنك لن تقبّل طلب اعتذاري بسهولة كما توقعت، فأنت تكره التناقض الغريب في تصرفات الفتيات.

بصراحة، سئمت من مشهد تلك الليلة، يمُر أمامي يوميًا مثل قطارٍ بخاريّ يسير ببطءٍ. أحاول انتزاعه من ذاكرتي، فلا تُرغمني أنْ أنتزع من تحت جِلد حيائي بطانة تقديري لك.

كفى يا عزيزي، ألسنا صديقَين منذ وقتٍ طويل؟! شهر مضى، تمضي أيّامه محمولة على رؤوس رماح الزمن، لتُصيب أيِّ زاويةٍ من زوايا لوحة اعتذاري، لكنّها أخطأت الهدف، لأنّكَ حوَّلتها إلى طائرات ورقيّة تحلّق حولك، كتَبتَ عليها: "صديقتي، لن أقبل اعتذاركِ".

(شفاعمرو)