[x] اغلاق
عشّاق زمن الألفية الثّالثة
21/2/2012 15:20

 

عشّاق زمن الألفية الثّالثة

بقلم: مارون سامي عزّام

منذ بداية الألفيّة الثالثة، أي منذ إحدى عشرة عامًا، أطلق الناس على المستوى العالمي العنان، لثورة الفيديو والتصوير الرّقمي من خلال الهواتف النقّالة، كما وأطلقت هذه الألفيّة شرارة الإنترنت السّريع في البلاد، (انطلق الإنترنت رسميًا في إسرائيل في تمّوز 1994) وبالتوازي انطلق معظم الشّباب والفتيات على مسارات الإنترنت السّريع، يتزلّجون سويًا بفرح عارم، فوق أمواج لاسلكيّة، وبسرعات مختلفة، كل حسب مهاراته... عفوًا حسب إمكانيّاته الماديّة، مكتشفين عوالم جديدة وجميلة.

في عام 2007 اكتشف العالَمُ، كما اكتشفتا نحن أيضًا ظاهرة "الفيس بوك"، السّاحقة لجميع مفاهيم الحديث اليومي البسيط... القاضية على العلاقات الشخصيّة. بدأ العديد من ذلك الحين يدخل هذا الموقع الصّغير رويدًا رويدًا، وتحوّل مع مرور السنين إلى أكبر معبد اجتماعي عالمي، (حتى حزيران القادم سيصل عدد أعضاء الفيس بوك عالميًا، نحو المليار مستخدمًا) كي يأدّوا فيه فروض عبادتهم الوثنيّة لإله الدّردشات... يقدّسون أيقوناتهم، أقصد صورهم، كنوع من تأليه الذّات.

دُهش بعضهم من سِّحر هذه التقنية الاجتماعيّة إذا صحّ التعبير، ولشدّة تأثرهم بها، احمرت شبكيّة عيونهم... عفوًا شبكيّة شاشة الكومبيوتر، واغرورقت، يا حسرة، بدموع اللقاء، ليس مع فتياتهم، إنّما مع جهاز الكومبيوتر!، الوساطة الآلية الحديثة جدًا، للتّوفيق بين الشّاب والفتاة التي أعجبته، عِوَض الوساطة التقليديّة التي قد "تُحرج" الفتاة!!.

لم ولن نشهد بعد تطوّرًا آخر على آلية الاحتفال بعيد الحب، فقد توقّف عند هذا الحد، وانفصل عن واقعيته الرّومانسية، ولامس الاستراتيجيّة المادية لأصحاب المحلاّت. فإن استعداداتهم الخفيّة المكثّفة كالسوق السوداء، تشكّل فرصة سانحة لا تفوّت، لتعبئة جيوبهم وتعزيز ثرواتهم.

تحوّل عيد العشّاق إلى عيد إنعاش دورة الترفيه النّفسي، الضّروريّ لبعض شبابنا، خصوصًا في فصل الشتّاء القاتم الممل!!. وإلى احتفال بعيد استرجاع رّفاهيّة الأرباح، بعد ركود شتويّ، عانت منه المحلاّت التجاريّة. إذا نظرنا إلى واجهاتها نجدها، مزيّنة باللون الأحمر الذي يميز هذا العيد. فاعتقدت أنها استعدت لإحياء ذكرى عيد العمّال!، لكن لا بأس أن نعتبر بعض شبابنا، عمّال مناجم قلوب الفتيات، لربّما يستطيعون أن يستخرجوا منها سبائك الوفاء وكنوز الإخلاص لهم!!.

لم أقرأ في تاريخ البشريّة ولم أسمع أبدًا، أن ثمّة عيدًا للمشاعر الصّادقة بين أي عاشقَين، يُحتفل به سنويًا... لم أصادف أبدًا لغطًا ولخبطةً، في اسم عيد ما، إلا في هذا العيد المفبرك، في تسعينيات القرن الماضي.

قبل أن تصطاد مشاعرنا الشّبكة العنكبوتية، فقد عُرِف هذا العيد بـ"عيد الحب"، لأنّ كلمة "حب"، كانت معمّمة، ليس لها خاصّية، يعني كانت "نكِرَة!" مُبعدة عن جزيرة أحلام بعض الشّباب!!، إنّما مع بداية الألفيّة الثّالثة استُبدل الاسم بـ"عيد العشّاق"، وكلمة "عشّاق" اليوم، بات لها خصوصيتها، حتّى أنها تنتمي "لأصحاب الذّوق الرفيع والأنيق في الحب"... تمامًا كما أرادها عشّاق هذه الألفيّة، فيها إثارة غراميّة، عبر الإنترنت والموبايلات الذّكية!!.

غالبية أبناء الجيل الجديد، عوّلموا لغة الحب، لأنها لم تعُد عربية النشأة... لم تعُد شرقيّة الملامح... لم تعُد ربيبة نُبل الأخلاق المسيّجة بالتصرّفات الشهمة... غدت ذات مفاهيم غربية؛ لم يعُد للأحاسيس قيمة معنويّة. أصبح عشق هذه الألفيّة مجرد ملف مشفّر، داخل الكومبيوتر، بديلاً لتأجج نار الحرقة داخل عقول العشّاق... عشقًا مبتذلاً، بدون رمزيّة الشوق والاشتياق... وبدون رحيق الابتسامة، التي تطيّب خاطر المحب... يخلو من رائحة زمن اللهفة، لكنّه للأسف الشّديد مليء بأوكسيد زمن الألفية الثالثة الخانق... زمن العشق الفوري والمستعجَل...!

(شفاعمرو)