[x] اغلاق
العنف ضد الإنسان الكبير المسن
5/4/2012 17:57

 

العنف ضد الإنسان الكبير المسن

 جهاد سعد

 

الإنسان الكبير هو الجد والجدة، الأم والأب، الأخ والأخت، هو الماضي والحاضر والمستقبل و"الختيار".. اجتماعيًا الختيار لأنه اختير لحكمته وتجربته في الحياة أن يكون القدوة والمرشد للأجيال الصغيرة.. وعلميًا، الشيخوخة علم يدرّس في المعاهد والجامعات ويطبّق في العمل اليومي عن طريق المؤسسات الرسمية والجماهيرية لوزارة الرفاه الاجتماعي وأقسام الرفاه الاجتماعي في السلطات المحلية، وفي وزارة الصحة ومؤسسة التأمين الوطني وصناديق المرضى والجمعيات الخيرية وأقسام التمريض فيها وفي  شركات خدمات التمريض وغيرها.

عند بلوغ الإنسان سن الشيخوخة تحدث عنده تغييرات تتميز بحالته الجسمية والشخصية والنفسية والفكرية الاجتماعية، الاقتصادية والوظائفية ويبدأ بالتراجع إلى الوراء وبفقدان العمل والمسكن وبالانطواء على نفسه، وهذه التغييرات تظهر على ملامحه وفي بعض الحالات تؤثر على سلوكه.. اجتماعيًا عندما نسأله: كيف الجماعة يجيبنا بأنهم تفرقوا ويقصد بذلك أسنانه التي تفرقت عن بعضها البعض، وكيف الاثنتين، يجيبنا بأنهم صاروا ثلاثة أي بدأ يستعمل رجلا ثالثة وهي العكاز. وكيف البعاد فيقول صاروا قراب أي الأعين التي تحتاج لنظارات طبية تساعده على الرؤية بشكل أفضل. وهذه الأوضاع عند الإنسان الكبير تجعله ضعيفًا ومتعلقًا بالآخرين وبالماضي الذي بدأ يفقده وفي نفس الوقت يفتش عليه وهو في بداية النهاية.

والمجتمع هنا بصدد التعامل مع واقع جديد عند الإنسان الكبير، واقع يتطلب من أفراده معرفة هذه التغييرات والتعامل معها بتروٍّ وبتفهم بدون عصبية والاعتناء بكبير السن الضعيف كما يعتنون بالأطفال هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يأتي دور الخدمات التي تقدمها الوزارات المختلفة وأقسام الخدمات الاجتماعية في البلديات والمجالس المحلية التي هي بمثابة محور العلاج المهني والاعتناء بالمسن والحفاظ عليه وعلى قدراته داخل البيت ومع أهله والمجتمع، والعمل على مساعدته العلاجية بموجب حاجته اليومية والصحية الفردية والأسرية، وعلى المستوى الجماهيري، مساعدته بإقامة اطر صحية اجتماعية كمراكز يومية وبيوت مسن (ملاجئ العجزة سابقا)، أقسام عجزة في المستشفيات وجمعيات خيرية مساعدة، ونواد اجتماعية في الأحياء تقدم فعاليات ترفيهية، محاضرات، رحلات، حفلات بمناسبات مختلفة كيوم المسن وغيرها.

هذه الخدمات قد توفرها المؤسسات الرسمية والمكملة والمساعدة رغم أن القانون ومن الناحية الإنسانية ينص  على أن "المسؤولية لسلامة المسن ورفاهيته تقع على عاتق العائلة وذلك حسب "قانون تصحيح قانون النفقات من عام 1959"".

هنالك خدمات عديدة نقدمها للمسن في بيته من أجل رفع معنوياته وتهيئته للتغييرات في حياته وتهيئة المجتمع لقبول هذه التغييرات كما ذكر أعلاه. فمن هذه الخدمات العلاجية الشخصية والعائلية، المادية منها كمساعدة بشراء أجهزة أساسية، علاج أسنان، شراء أجهزة طبية، سفريات للعلاج خدمات بيتية عن طريق قانون التمريض (حوك سيعود)، استيعاب المسن في مراكز صحية يومية، وضمه للأحياء الداعمة التي تقدم العلاج السريع طبيًا واجتماعيًا والهدف من هذه الخدمات إبقاؤه بين أهله.

  • بيوت المسن أو بيوت الآباء


يتم استيعاب المسن في أقسام العجزة إذا كان عاجزًا ومقعدًا أو فاقدًا للوعي وذلك في بيوت المسن أو أقسام العجزة (محلكوت جريياتريوت) في المستشفيات ويتم عن طريق وزارة الصحة. أما المسن المستقل أو الواهن فيتم استيعابه في بيوت المسن (ملاجئ عجزة سابقًا) عن طريق وزارة الرفاه ومكاتب الخدمات الاجتماعية في البلديات والمجالس المحلية. وكعمال اجتماعيين مهنيا نمتنع من الاقتراح على المسن أو عائلته الترتيب لأننا نفضل بقاءه في البيت وفي بيئته، والقرار بالترتيب يعود للمسن نفسه وليس لعائلته.

  • تجنيد المتطوعين والمتطوعات


العمل على تجنيد متطوعين ومتطوعات من المسنين والمسنات لإدارة النوادي والجمعيات وتقديم الخدمات في المستشفيات في مساعدة الطواقم الإدارية والطبية فيها، وتجنيد أبناء وبنات المسنين الذين يعانون من أمراض مختلفة كالخرف الألزهايمر في مساعدتهم لإدارة أمورهم والاعتناء والحفاظ عليهم. وهذا التطوع يخدم ويساند الطرفين المتطوع من جهة فهو يستغل وقت فراغه ويقوي معنوياته وعطاءه للمجتمع، وأما المحتاج من جهة أخرى يلقى الاعتناء والاهتمام والمساعدة المادية والمعنوية.

  • ظواهر العنف ضد كبار السن


هناك تفاقم واتساع لهذه الظاهرة وكوننا نعيش في واقع صعب فالمسن كجزء من المجتمع ونتيجة للازمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يفرزها هذا المجتمع تزداد ظواهر العنف ضد كل أفراد العائلة، فالمرأة، الطفل والمسن هم جزء من هذه العائلة.. والعنف ضد الإنسان الكبير المسن كونه ضعيفًا يكون أكثر وضوحًا عليه مثل من علامات مختلفة خاصة بالعنف الجسدي وهنالك العنف النفسي والكلامي والإهمال، إهمال صحته وبيته، والاستغلال الاقتصادي من قبل أفراد في العائلة أو غيرهم، والذي يسرع في تدهور المسن صحيًا ونفسيًا.

نحن كعاملين اجتماعيين نتعامل مع النتيجة بمهنية مطلقة وندافع عن القاصر والمسن عند تعرضه سواء إذا كان ذلك في البيت أو في المؤسسة للاعتداء الجسدي أو الكلامي بالصراخ عليه أو بإهماله ووضعه في غرفة مغلقة ومهملة.

الإحصائيات تدل اليوم على أن نسبة العنف ضد الإنسان الكبير في المدن تصل إلى 5,30% أما في القرى فتصل إلى 2,7%.

ومن أصل 700 ألف مسن في البلاد ونسبتهم 10% من السكان 70% يتوجهون لمكاتب الخدمات الاجتماعية ونسبة العائلات الفقيرة من المسنين تصل إلى 25,1% وواحد من كل أربعة مسنين يعيش تحت خط الفقر. ونسبة الذين يعانون من الاعتداءات والعنف تصل إلى 18% ونسبة المهملين منهم تصل إلى 25%.

وللمأمور الاجتماعي القضائي عند وقوع العنف وبموجب قانون حماية القاصرين سنة 1966 الحق في الدفاع عن الإنسان الذي لا يستطيع الدفاع وحماية نفسه وكذلك في التحقيق في مثل هذه الاعتداءات التي ازدادت في سنوات التسعينيات من القرن الماضي بشكل ملحوظ. ويوميًا نواجه مثل هذه الظواهر، عندها نضطر إلى التوجه للمحاكم لحماية المسن وبإبعاده عن البيت الذي يتعرض فيه للعنف إلى مؤسسة  أو إبعاد المعتدين عليه.. وفي أغلبية الحالات نحاول الوصول لحلول في ظل القانون حيث نهتم بتوفير الخدمات في بيئته مثل إدخاله لمركز يومي للمسن وإبقائه بين أهله. وهدفنا هو التوفيق بين أفراد العائلة والمسن بدلا من التوجه للمحاكم، وإقامة وحدات علاجية لمنع الاعتداءات على المسنين  في الناصرة مثلا.

إن الأوضاع السيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأعصاب المتوترة التي تميز كل الشعوب وخاصة شعبنا وأفراد عائلته في ظروفه الخاصة لها تأثير كبير على زيادة هذه الظاهرة، فالعنف العام الموجود يوميًا ينعكس أيضًا على العائلة في تعاملها مع كبير السن وعنفها ضده. اعتقد أن تركيب العائلة من الناحية التربوية والنفسية والاجتماعية له قسط كبير في ظهور وتفاقم العنف ضد كبار السن، و في محاولة التغلب عليها فلكل حالة ظروفها الخاصة بها، وعلاجها الفردي الاجتماعي أو القانوني في حماية كبير السن المسن.

 

(الكاتب: مدير قسم المسنين في دائرة الخدمات الاجتماعية في بلدية الناصرة ومأمور اجتماعي قضائي)

 

(شفاعمرو)