[x] اغلاق
لا مكان للانتقام في المسيحية
27/7/2012 13:24

 

لا مكان للانتقام في المسيحية

(حول ردود الفعل المتباينة على تمزيق الانجيل من قبل عضو كنيست اسرائيلي يميني عنصري)

زياد شليوط

أثارت الفعلة النكراء التي قام بها  عضو اليميني ميخائيل بن آري، تمزيق الكتاب المقدس (الانجيل) بشكل تظاهري واستفزازي، ردود فعل متفاوتة ومتباينة ما بين البيانات والتصريحات والتظاهرات الى الحركات الاستعراضية، وجميعها لم تأت بنتيجة عملية وفعلية للرد على أفعال مشينة كهذه، وفي هذه العجالة سأتعرض لنموذجين مختلفين من ردود الفعل، وتأثيرهما السلبي في نقل الرسالة المطلوبة.

أبرز تلك الردود والتي تميزت بالحركات الاستعراضية قام بها النائب الدكتور أحمد الطيبي الذي يجيد مثل تلك الحركات، كي يكسب شعبية في الشارع العربي وتعلو أسهمه الاعلامية في الشارع اليهودي، ولو تمعنا في ما فعله عضو الكنيست الطيبي من على منصة الكنيست نرى أنه عمل غير مجد وغير مفيد. إن ما فعله الطيبي أساء للمسيحية لأن عمله يناقض ما دعا اليه السيد المسيح وما تدعو له الكنيسة، لو كان الاعتداء الذي قام به النائب اليميني سياسيا، ربما يكون رد النائب الطيبي مناسبا وصائبا، لكن في هذه الحالة وحين يقوم الطيبي بتمزيق صورة انسان يميني فاشي مثل الراب كهانا المعروف بمواقفه وآرائه العنصرية وخاصة ضد العرب، مقابل تمزيق كتاب مقدس وهو العهد الجديد المعروف بإنسانيته وتسامحه ومحبته للبشر، فيه الكثير من الإساءة للإنجيل حتى لو لم يقصد الطيبي ذلك، فهل يمكن مساواة الإنجيل بصورة كهانا؟! والأنكى من ذلك أن بعض الصحف العربية نشرت بشكل حماسي الخبر مع عنوان مثير يقول "الطيبي ينتقم للمسيحيين العرب"، وذهبت أخرى أبعد من ذلك وبعنوان صارخ " العين بالعين والسن بالسن: الطيبي ينتقم للعرب والمسيحيين..". ورغم اعتزازي  بالتوجه القومي والانتماء للقومية العربية، إلا أني لا أرى أي رابط بين العروبة والمسيحية في هذا العمل، ولا أدري ما الحاجة لاقحام هذا التزاوج سوى أننا ما زلنا نعاني من عقدة الخجل من التسمية الصحيحة والمجردة للأمور.

وطالما لم نسمع أو نقرأ اعتراض الطيبي على ما نشر، فان ذلك يعني موافقته على ما نشرته بعض الصحف من مديح لعمله. لكن غاب عن ذهن المحررين أن تصرف ورد فعل عضو الكنيست الطيبي، يناقض المسيحية تماما ويناقض ما قاله السيد المسيح له المجد: "سمعتم أنه قيل :" عين بعين، وسن بسن". أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشرير. بل من لطمك على خدك الأيمن فقدم له الآخر أيضا." (متى 5: 38-39) فالسيد المسيح رفض الانتقام والرد على الشر بالشر أو بالمثل، وبذلك يكون الطيبي قد ناقض جوهر المسيحية بادعاء أنه يدافع عنها، وارتكب محررو تلك الصحف خطأ جسيما حين روجوا لثقافة الانتقام والعين بالعين على عكس ما دعا له السيد المسيح. ويقرع القديس بولس من يقوم بعمل يشابه ما قام به الطيبي بل وينذره أنه سينال عقاب الله، فالذي يحاكم ويدين ويعاقب هو الله وحده وليس البشر، ويوضح ذلك في رسالته الى الرومانيين " فلذلك لا معذرة لك، أيها الإنسان الذي يدين، أيّا كنت، لأنك فيما تدين غيرك تحكم على نفسك، بما أنك، أنت الذي يدين، تفعل ذلك بعينه، ونحن نعلم أن قضاء الله، انما هو بمقتضى الحق، على الذين يعملون هذه. أو تظن إذن، أيّها الإنسان الذي يدين من يعمل هذه، وهو يفعلها، أنك أنت، تنجو من دينونة الله؟" (الرسالة 2: 1-3) فلا يحق لأحد من البشر بموجب تعاليم الدين المسيحي إدانة غيره من خلال تكرار أو نسخ ما فعله الأول من خطأ، لأنه بذلك يرتكب خطأ مشابها.

نموذج آخر لرد الفعل على حماقة عضو الكنيست بن آري والذي يشكل ارتقاء بمستوى الرد، هو التظاهرة التي أقيمت على أحد مداخل مدينة شفاعمرو (الناعمة) بدعوة من ممثل جمعية الاتحاد المسيحي لعرب 48، والتي لم نسمع بها من قبل، وأحد الشبان الشفاعمريين. إن الدعوة للتظاهرة جاءت من دوافع مخلصة وغيرة على الدين الذي ينتمي اليه أولئك الشبان، لكن هل كانت تلك الخطوة ناجعة وأتت بثمار نافعة؟ وهل كان التخطيط لها سليما ومدروسا؟ من الواضح أن الدعوة للتظاهرة وكما فهمنا تمت عبر الفيسبوك! ولم تصل لقطاعات واسعة من الجمهور، وتمت خلال وقت قصير ودون تنظيم أو دراسة. كما أن موقع التظاهرة لم يكن موفقا، فهل المطلوب رفع صرختنا أمام جمهور يفهمنا ويتعاطف معنا وهو جمهورنا العربي؟ لماذا لم يعمل المبادرون على رفع صرختنا في وجه من يجب أن تصل إليهم هذه الصرخة وأمام وسائل إعلام عبرية بالأساس؟ إن المشاركة الهزيلة نتيجة لتلك العوامل وغيرها، لم تجد ولم تنقل الرسالة المطلوبة، ولم ينشر عن تلك التظاهرة سوى وسيلتي إعلام عربيتين، ومنهما صحيفة "كل العرب" التي نشرت عنها بتوسع في عددها الأخير.  

وهنا يطرح السؤال أين دور الكنيسة والمقصود بها، رؤساء الكنائس المحلية. فقد استغربت من تصريحات لأحد الشبان في "كل العرب" ينتقد فيها بعنف رؤساء الكنائس ويتهمهم بالصمت و"عدم الدفاع عن كرامة الطائفة المسيحية؟" ويطالبهم بالنهوض من سباتهم! ويعلن أنه حان الوقت لنقول كلمتنا للمستويات الوقحة كما أسماها! فهل حان الوقت فقط اليوم، أم منذ أمس وما قبل الأمس؟ إنني لا أبغي الدفاع عن رؤساء الكنائس فلدي الكثير من النقد لهم والملاحظات عليهم. لكن الفارق كبير هذا وبين توجيه أصابع الاتهام إليهم بالتقصير في الدفاع عن الطائفة المسيحية ومقدساتها والقيام بواجباتهم الدينية. ويبدو أن موجه الانتقاد ليس مطلعا بما فيه الكفاية على ما تقوم به الكنيسة، حيث صدرت عنها ردود أفعال ومواقف، ووجهت الرسائل والمطالب ليس في هذه القضية فحسب بل في قضايا مشابهة وأكبر منها، وليس الآن المجال لأن نستعرض كل تلك المواقف والردود وهي تحتاج الى مراجعة كبيرة ومقالات مطولة.

وهنا لا بد وأن نشير إلى أن صوت الكنيسة المحلية ونتيجة تقصير داخلي، ما زال خافتا وغير مسموع إعلاميا، ولهذا لا يسمع أبناء الكنيسة وغيرهم عن نشاطهم ومواقفهم، ورغم الجهود التي بذلت والاقتراحات التي وضعت، إلا أن الكنيسة المحلية لم تعمل على تنفيذ تلك التوصيات. فهناك قرار صادر عن السينودس الأبرشي من عام 2000 يدعو لتشكيل لجان ومكاتب اعلامية في مختلف مناطق الأبرشية (راجع المخطط الرعوي العامص197)، يضاف الى ذلك عدة توصيات رفعتها الهيئة الرعوية الكاثوليكية العامة بهذا الشأن، لتكون تلك المكاتب صوت الكنيسة في وسائل الاعلام حول مختلف القضايا.

كما أن عدم وجود صوت موحد نتيجة انقسام الكنيسة الى كنائس، يعيق العمل المشترك ويؤخر الخطوات العملية التي يجب أن تقوم بها الكنيسة. وكإشارة عملية على ما نقول، لو كانت هناك هيئة كنسية أو هيئة تعمل تحت لواء الكنيسة بشكل منظم ومتفق عليه، لكانت لجأت الى ردود فعل مسؤولة تضمن مشاركة جماهيرية واسعة، فبدل أن تكون تظاهرة هزيلة في شفاعمرو، كان من الممكن تنظيم مظاهرة جماهيرية أمام الكنيست، لرفع صرخة الاحتجاج أمام من قام بفعلته النكراء وأمام من يتماثل معه وأمام المسؤولين في الدولة وكذلك أمام وسائل الإعلام العبرية والغربية ناهيك عن العربية، عندها تكون الصرخة ناجعة وتصل الرسالة بقوة وحكمة الى جميع العناوين. فهل سيتحرك رؤساء الكنائس نحو خطوة صغيرة من أجل أعمال كبيرة؟!

(شفاعمرو/ الجليل)