[x] اغلاق
من العتاب إلى العقاب../ د.جمال زحالقة
5/7/2009 20:17

لسنا بحاجة إلى تقارير من منظمة "أمنستي" أو "هيومان رايتس ووتش" أو لجنة التحقيق الدولية، للتأكد من أن إسرائيل ارتكبت جرائم خلال حربها الأخيرة على قطاع غزة.

حالة قطاع غزة في السنوات الأخيرة هي حالة جريمة حرب مستمرة لا تتوقف على مدى العام وعلى مدى 24 ساعة كل يوم. فرض الحصار على شعب بأكمله، وحرمانه من حرية التحرك، ومن المواد الأساسية اللازمة لأي مجتمع، وزج مليون ونصف مليون إنسان في سجن كبير، هي حالة حرب وجريمة حرب متواصلة، حتى قبل وبعد أن شنت إسرائيل حربها العدوانية على غزة.

دون الرجوع إلى تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، ودون العودة إلى ما يقوله الفلسطينيون، يمكن الاكتفاء بما يقوله المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم، لنقول لهم من فمك أدينك. إسرائيل تسوغ الحصار على غزة بأنها تريد إسقاط حكومة حماس. وتسوغها بأنها تأمل أن يؤدي الضغط على المدنيين الفلسطينيين إلى "ثورة" على النظام في غزة. وتسوغها بأنها عقاب جماعي رداُ على صواريخ المقاومة.

هذه التسويغات نفسها هي إدانة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم معاناة مليون ونصف مليون إنسان من هذا الحصار الهمجي. بإعلانها الحصار رسمياً تعلن إسرائيل عملياً بأن غزة واقعة تحت احتلالها، حتى لو كان احتلالا من الخارج، وتقع عليها مباشرة مسؤولية معاناة الناس من هذا الحصار، وهذا يعني تحديداً أن إسرائيل ترتكب بحصارها جريمة حرب في وضح النهار.

جاءت الحرب على غزة لتثبت أن الجريمة نهج إسرائيلي له أهداف. وهو بحد ذاته هدف ذاته، بمعنى أن إسرائيل تتعمد استهداف المدنيين لنشر الرعب وتخويف الناس منها ومن جبروتها. لقد قتلت إسرائيل خلال الحرب مئات المدنيين من رجال ونساء وشيوخ وأطفال، الأطفال الشهداء وحدهم تجاوز 400 شهيد. هناك معايير واضحة لجرائم الحرب، وإسرائيل استوفت كل هذه المعايير وزادت، والمسؤولية هنا ليس فقط على إسرائيل كدولة بل على قيادات سياسية وعسكرية محددة خططت وأعطت الأوامر الواضحة للجيش بارتكاب الجرائم، من خلال أسلوب إرهاب الدولة الرسمي.

التقارير التي تنشرها منظمات حقوق الإنسان، ومنها منظمات ولجان تابعة للأمم المتحدة، يمكن أن تكون بلا قيمة إذا وضعت على الرف ولم تستغل كورقة قوية لمساندة الحق الفلسطيني ومحاربة الجريمة الإسرائيلية. حتى الآن كانت الجريمة الإسرائيلية تغتفر دولياً أو تواجه بالعتاب، وقد آن أوان استبدال معادلة الجريمة والعتاب بمعادلة الجريمة والعقاب. آن أوان الانتقال من العتاب إلى العقاب، فالجريمة التي لا تجر عقاباً تحفز على الجريمة التي تليها.

هذا الانتقال لن يقوم به المجتمع الدولي، ما لم يكن هناك تحرك عربي وفلسطيني جدي لفرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية لإجبارها على التراجع عن جريمتها المستمرة، وبالأخص حصار غزة. يجب أن تكون التقارير الدولية أداة إضافية لمحاصرة الحكومة الإسرائيلية وردعها عن المضي في جرائمها، وإلا فلا معنى لهذه التقارير.