التصريح الذي أدلى به خافيير سولانا ، مسؤول السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي ، هو علامة مميزة على الطريق التي حددها الرئيس الأمريكي باراك اوباما مصرا على انها الإتجاه العقلاني الممكن الوحيد لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والصراع العربي الاسرائيلي .
لا بد من الانتباه لمجمل الخطوات السياسية التي يتبعها الرئيس الأمريكي، والحلفاء الأوروبيين ، في مجمل القضايا الدولية وقضايا العلاقات بين المحاور الدولية. بدون ذلك سنظل نردد مقولات مملة من القرن الماضي ، بات واضحا انها فقدت صلاحيتها ، وأصبحت غير صالحة للتعبير عما يتبين انه سيكون "عصر اوباما " .
تعالوا أيضا نقرأ تصريحا لا سابقة له في السياسة العربية ، وأعني تصريح الرئيس المصري حسني مبارك بأن على اسرائيل ان لا تحلم باحداث تغيير في مشروع السلام العربي .. وانه عليها ان تعترف بحق اللاجئين بالعودة .. وأن هذا لا يعني عودة اللاجئين .وواضح ان هذا التصريح يتلائم مع مشروع السلام العربي ، الذي يدعو لايجاد حل عادل دون تحديد مفهوم هذا الحل العادل ، وتأكيد مبارك عليه بهذا الوضوح ليس صدفة ،اذ يعطيه بعدا أكثر وضوحا ، وهو لم يكن ملزما بتصريح من هذا النوع ، يثير علية غضب أطراف فلسطينية وعربية ، وخاصة قوى اسلامية جهادية .. وأعتقد أن التصريح اوكل لمصر نتيجة مكانتها العربية ودورها السياسي ضمن مجموعة الدول العربية "المعتدلة " ، حسب المفاهيم السياسية المعتمدة للتمييز بين التطرف والإعتدال ... والتي تشكل السعودية ضلعها الثاني .. وبنفس الوقت لا بد أن يكون ضمن رؤية أكثر اتساعا من مشروع السلام العربي ، وتتماثل مع موقف الولايات المتحدة وما عبر عنه سولانا بالتأكيد .
سولانا كان الأكثر وضوحا في التأكيد على النهج الجديد الذي بدأت تتضح معالمه وخطوطه العريضة ، أمريكيا واوروبيا .، ويشمل بدون شك قبولا روسيا وصينيا .
ما قاله سولانا لم يكن مجرد وداع لمنصبه ، كما حاولت أن تصور ذلك حكومة نتنياهو .أي كل مسؤول يبق الحصوة في نهاية فترة عمله ، متجاهلة أن سولانا حدد رؤية متكاملة للحل ، وهذا من المستحيل ان يكون ارتجالا ابن ساعته ، وشطارة شخصية لسولانا.
سولانا دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن يعترف بدولة فلسطينية تقوم حتى تاريخ محدد ، حتى لو لم يتم الاتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين ، وان الإعتراف يشمل تعريف حدود الدولة ، وأوضح بدون تردد ان قاعدتها حدود حزيران 1967 .
لو قيل هذا التصريح قبل سنوات ، أي في فترة بوش مثلا ، لما كان له قيمة ، وربما أخرس سولانا واتهم باللاسامية بدعم أمريكي ، وبالتأكيد كان سيستبدل كرسالة سياسية تقول ان هذا الموقف غير مقبول أمريكيا واسرائيليا . ولنكن واضحين ان التصريح جاء في عصر أمريكي مختلف . "عصر اوباما" الذي استطاع بفترته القصيرة ان يغير الصورة البشعة لوجه الولايات المتحدة... وأن يبدأ بارساء جو سياسي دولي مفرغ من الحساسيات والشكوك والصراع الخفي او العلني. وله اتجاه عقلاني في معالجة بؤر التوتر الدولية . ولن تكون قضية الشرق الأوسط التي تنعكس على مجمل سياسات العالم وقلاقله حالة مميزة . هذا اتضح من الموقف الحازم ضد البناء في المستوطنات وضد الاستيطان ، ورؤية الإدارة الأمريكية للإستيطان كتصرف غير شرعي تماما بدون تمييز بين ما تسميه اسرائيل مستوطنات شرعية وبؤر استيطانية غير شرعية .... وكما أكدت وزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون الاستيطان كله غير شرعي من جذوره ، اتخذت منه الادارة الأمريكية موقفا حازما رافضا لكل الحجج والتبريرات الاسرائيلية.
ولا بد من الاشارة الى ان مشكلة الشرق الأوسط تشكل خطرا على كل النهج لفك بؤر التوتر في عالمنا .
عالمنا يتجه بشكل متزايد نحو حل خلاقاته ونزاعاته بعقلية مختلفة تماما ، عما عايشناه وشاهدناه في القرن الماضي بل وبداية القرن الحالي .وكما قال هنري كيسينجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق بأن: " اوباما يتعامل مع السياسة كلاعب شطرنج محترف " أي ينقل حجارته بتفكير وتخطيط للوصول الى هدف ، وليس مجرد ارتجال لمواقف ، وخطأ يغطي على خطأ .الاقتراح غير العادي لسولانا تقف وراءه المجموعة الأوروبية التي باتت شديدة الحساسية للصراع الشرق أوسطي على باب بيتها ، لدرجة أن دولة مثل بريطانيا ، تجرأت وفرضت حظرا (امبارغو) على تصدير أنواع من المعدات العسكرية لاسرائيل تحت ضغط برلمانيين ومنظات حقوق الانسان . وقد تلحق بلجيكا ببريطانيا وتفرض هي أيضا حظرا .. كما تشير دلائل كثيرة ... وربما يتبين أن الحبل على الجرار ...
صحيح ان حظر التصدير البريطاني لبعض المعدات العسكرية لن يؤثر على التجهيزات العسكرية الاسرائيلية . ولكنها خطوة قيمتها الهامة في معناها السياسي وتوقيتها .
هذه الحساسية التي تتصاعد في السياسة الدولية ، لكل تصرف عسكري غير مشروع ، لكل قضية تنكر لحقوق شعب وقمعة لدرجة ان المنظمات الدولية بدأت تتحدث عن جرائم حرب اسرائيلية في غزة ، وطبعا هناك اتهام لحماس أيضا .. رغم انه من الصعب المساوة بين المعتدي والمعتدى عليه .
المستهجن انه بعد تصريحات سولانا سارع رئيس الحكومة نتنياهو الى حث الرئيس الفلسطيني محمود عباس لعقد لقاء فوري ، وارفق اقتراحه للقاء بحجته المفبركة بان الحل يشترط الاعتراف بيهودية الدولة ... أي فورا وضع عقبة لا يمكن للفلسطينيين تجاوزها .. وكان عليه أولا ان يقنع الكثيرين من الشخصيات اليهودية البارزة التي سخرت من فكرة " يهودية الدولة " وسخفتها !!
بالطبع لا نبني على مواقف نتنياهو ومناوراته.
الحل الأخر الذي طرحه خافيير سولانا هو حل تفرضه المجموعة الدولية ، بأن تلجأ ( اذا تعوق الاتفاق ) الى فرض ما تراه مناسبا على الطرفين ، طبعا عبر قرار مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة .
هذا موقف صريح وواضح بأن ساعة الرمل على طاولة الحكومة الاسرائيلية تفرغ .
ويبدو انه لا حل آخر ..