[x] اغلاق
نون داعش وأضطهاد المسيحيين
24/7/2014 16:06

نون داعش وأضطهاد المسيحيين

 

اشرف هاني الياس

 بعد ساعات من الجهاد والمقاومة المسلحة، سعوا للراحة والاستجمام، ونفضوا غبار الحرب الضروس، اجتمعوا في ساحة العزة والكرامة، انقسموا إلى فريقين، بحثوا عن كرة يلعبون بها، يأسوا من إيجادها، أحدهم شاهد شاب في مقتبل العمر يمر من بعيد، سمع جلبتهم وتعالت صيحاتهم، فاض قلب الشاب بالقلق وراح يجري عبر الخلاء، زحف وحيد بولس بين الأحجار محتمياً بصخور وراح يصعد سفح الجبل بيديه ورجليه معاً، من جبينه سال العرق وتسابقت دقات القلب، وقبل أن يبلغ فم جحر بخطوات اصطدم بكائنات، فقيدوا يديه ورجليه بالحبال وجاؤوا بحصان وشدوا بولس به، وصاح أحدهم الله وأكبر، الله وأكبر .. السوط السوط .. وزحف الجسد الممزق الدامي وزحفت الأشلاء، وبرغم البدن الممزق رفع بولس رأسه الى السماء صارخاً " ايها الرب يسوع اقبل روحي " ، اقترب أحد رجال داعش، كان شبحاً أشعث وفي يده لمع سيف، وجاء آخر وأمسك بالرأس الحاسر، وطار السيف في الفضاء واغتسل بماء السماء .. بأشعة الشمس القاسية ونزل على رقبة بولس، لقد قطع الأنذال رأس الكافر وأخذوا يركلونه بأقدامهم وهم يضحكون .. لقد سالت دماء بولس النقية فوق تلك الأحجار التي تعودت أن تتلقى التوسلات أمام حده سيوفهم القاتلة.انتشرت وحوش داعش في شوارع مدينة الحدباء، وظهر فنّ الغرافيتي الداعشي، أي الكتابة على الجدران، في بيوت الموصل وعلى جدرانها، والحديث لا يدور هنا على مهرجان كرنفالي سنوي، كما هو الحال في المدن الصيفية السياحية حول العالم، أنهم اختاروا حرف النون ليقولوا، باختزال دقيق وموسيقي، إن حرف "ن" يعني "نصارى"، أي أن داعش بدأ بمعادلة الفرز والتقسيم، من أجل إرساء خلافة أبو بكر البغدادي، ولا علاقة لحرف النون بالزخارف والنقوش، بل هذه المرة له صله بالتعريف عن " عقارات الدولة الإسلامية "، ليدعي داعش بأن هذه العقارات ليست ملكاً لأهل الذمة ولم تعد ملكاً لأصحابها النصارى بل تعود لدولة الخلافة الجديدة في العراق والشام، أصدروا بيانهم المشؤوم لمسيحي الموصل والذي خيرهم بين دفع الجزية أو الإسلام أو مغادرة مسقط رأسهم، اعلنوا أحكام دولتهم الظلامية الفاسدة، استباحوا حرمة دور العذراء، فرضوا أحكامهم، وأضرموا النار في الهياكل المقدسة، ونزعوا الصلبان وأحرقوها، واختلطت موسيقى مراسيم القداس بأزير الرصاص وتناثرت مع نيران غدرهم أيقونات الصليب وتماثيل السيدة العذراء وابنها المخلص يسوع المسيح، التي كان المصلون يتباركون بها، لقد احرقوا الكنائس والمساجد، وقتلوا الأطفال ملائكة الأرض واغتصبوا النساء واباحوا الحرمات وسفكوا دماء الابرياء، وعثوا في الأرض فسادا، وبعدما استيقظ مسيحيو الموصل على كابوس هذا الحرف المكتوب باللون الأحمر المدون على أبواب منازلهم وواجهاتها، بدأ المسيحيون يلملمون حاجياتهم وجراحهم، وراح أكثر من 25 ألف مسيحي يشدون الرحال من ثاني أكبر المدن العراقية، التي تضم نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها إلى نحو أكثر من 1800 عام، راحوا يشدون الرحال باحثين عن أعشاش دافئة تحميهم من رصاصات الغدر الكاتمة على الطرقات، والمشانق السوداء التي تنتظر رقاب أطفالهم وأسواط الجلادين الذين لا يعرفون الرحمة، وبذلك يشهد التاريخ لأول مرة على أجلاء الموصل من سكانة الأصليين، أستكمالاً للمخطط المستمر بتفريغ المسيحيين من الشرق، وأن أخطر من قتل المسيحيين في الشرق هو العمل على دثر أبرز معالمهم وكنائسهم التاريخية الأثرية وطمس تلك الصروح الشاهدة على حضارة يتجاوز عمرها آلاف السنوات والتي ترتبط رباطاً عميقاً بوجود المسيحيين في الشرق... ولكن إن المثير للقلق هو صمت الغرب والعالم الإسلامي والأحزاب السياسية العالمية والمراجع الدينية عن الحرب التي تشن على هذه الشريحة الأصيلة من أهل العراق، والتي لعبت أدوارا هامة في أغناء شتى الميادين، التعليمية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، على مدى العقود، انه لمن المثير للتساؤلات أن لا تستفز جرائم داعش غيرة أحد من دعاة المدنية والحضارة والقومية وان يبقوا مكتوفي الايدي وقد شدت داعش الموصل والشام بحبال التخلف والجهل والقتل لتجرها الى القرون التي غادرتها الانسانية منذ زمن بعيد، وإنه من المرعب والغريب والباعث على الإدانة ذلك الصمت الأخرس والمطبق من أولئك الذين يدعون الاعتدال، إزاء الجرائم البشعة ضد أصحاب الديانات الأخرى من غير المسلمين والمسلمين في العراق ومصر وغيرهما من البلاد العربية، فإن الإسلام يصف الساكت عن الحق بأنه شيطان أخرس، لذلك من حقنا أن نسأل الفقهاء المسلمين المعتدلين، وغيرهم من أصحاب الحل والعقد، لماذا إذن هذا الصمت المطبق إزاء الدواعش الذين يرتكبون أبشع الجرائم بحق المسيحيين المسالمين العزليا أخوتي إن التطرف الديني يولد التطرف السياسي ويغذي الإرهاب الداعشي ويدعمه ويبرره، ومن يكفرون غير المسلمين ويدعون لاضطهادهم ينتهكون أبسط حقوق الإنسان ويستحقون العقاب، أذ أن مسؤولية القتل الجماعي ضد المسيحيين والمسلمين والأقليات الأخرى وتشريدهم من ديارهم ومسقط رأسهم بسبب الإرهاب تقع على عاتق الجميع، فالعالم الغربي مدعو قبل غيره الى انقاذ الموصل ومد الحكومة العراقية بكل أسباب القوة لاجتثاث جذور الوحشية الداعشية والقضاء عليها، فلا عذر لأحد بعد الآن فقد كشرت داعش عن انيابها السامة واسفرت عن كل نواياها السيئة ولم يبق الا ان يخرج الجميع عن صمته ويهب للقتال ضد داعش وأعوانهم، أما بالنسبة لنا كمسيحيين مشرقيين السؤال اليوم، هل سينتهي زمن تقديمنا، أو تقديم أنفسنا كأضحية؟ الجواب يتوقف على أمور كثيرة، ليست المقاومة وأمتشاق السلاح إلا واحدة منها، وإن كانت المقاومة نفسها تحتاج الى نقاش، إلا أنها على رأس سلم الأولويات.كان هناك لنا بيت في الشرق .. كان هناك خبز ودفء وحب.. وكان هناك قنديل صغير، ولكن عندما هبط السفاحون إلى شرقنا، اختنق القنديل ويبس الهواء ويبس الخبز ومات الحب في القلوب وتخمرت أرواح الشهداء، حتى العصافير الشرقية لم تفعل شيئاً، ارتعدت برهة وهجرت أعشاشها بحثاً عن شجرة خضراء، بحثاً عن الزمن الأخضر، أما حمامتي البيضاء فقد رمت نفسها من فوق سطوح المنازل ومن فوق أغصان الأشجار المتألمة، الإرهابيين الذين سلخوا ضحكة بولس ويوحنا وبطرس ومريم، نسوا أن في حديقة هذا الشرق لنا الكثير من بقايا حلم وآثار حب، لنا صوت أغنية فيروزية ترتل في صباح الميلاد، لنا طيف ذاكرة تحمل في طياتها الكثير من الحب، لنا عينون تغتالها دموع، لنا بحرٌ من الدم يكسو الأفـق حمرته، لنا فسحةَ أمل لشرق جديد يعم به السلام