بقلم: زياد شليوط
هزار، دينا، ميشيل ، نادر أربع وردات كن في حديقة شفاعمرو النضرة والجميلة بدروبها وتشعباتها ومحطاتها، أربع وردات جمع بينها حب الحياة وكانت على موعد مع القطاف معا، في الرابع من آب عام 2005 عندما جاء قاتل عنصري حقير الى شفاعمرو ليقتل أي عربي يصادفه في طريقه الدموي، وشاء القدر أن يكون ميشيل سائق الحافلة العمومية وصديقه نادر الجالس مقابله، والفتاتان الشقيقتان الطموحتان هزار ودينا اللتان جلستا خلف السائق طلبا للأمن والاطمئنان.. لكن بندقية القاتل لم تدع للأمن مكانا في الحافلة وحصدت السنابل الأربع قبل أن يحل موسم حصادها.
ميشيل.. الوالد الذي كان يكد ويعمل من أجل تأمين لقمة العيش لأبنائه، وليضمن لهم مستقبلا باهرا زاهرا بعدما انتهى من بناء بيت مستقل وجميل لهم.. ميشيل الزوج الذي رافق زوجته في أيام الشقاء والهناء والذي كان يخطط لأيام يستريح فيها من عناء العمل والتربية ويقضي ما تبقى له من سنوات مع زوجته بهدوء.. ميشيل الابن الذي كان عطوفا وبارا بوالدته واخوته، ابن عائلته الكريمة الذي كان يعمل على اسعادها ومشاركتها أفراحها، كان على موعد مع قدره، وكان المجرم البليد يتربص له ليقطع كل تلك الأحلام والتطلعات.
نادر الذي ندر حياته لخدمة عائلته وأصدقائه، عزف عن الزواج وكرس وقته لعمله طالبا الحرية والانطلاق نحو عوالم مجهولة، فكان دائم البحث عن المعرفة والسعادة، كان مبادرا في عمله وصاحب أيدي نادرة، وتحول دكانه المتواضع في مدخل السوق الى منتدى للشباب والأصدقاء.. كان عائدا من نزهة صيفية ترويحا لأعصابه وابتعادا عن الضغط اليومي، فجاءت بندقية القاتل الآثمة لتضع حدا لكل تلك المعاني الجميلة التي جسّدها نادر.
هزار ودينا، الزهرتان المفتحتان، الناثرتان روائح المسك والعنبر في أرجاء عالمهما اللازوردي. فتاتان تفوران حيوية وطموحا، السماء كانت حدود آمالهما وتطلعاتهما، ووراءهما عائلة داعمة ومحبة، ووالد عطوف مفاخر بهما ووالدة رفيقة، تسهر الليالي طلبا لراحتهما وسعادتهما. هزار ودينا كانتا في رحلة علمية لتلمس مستقبلهما الجديد وانتظارا لبشرى نجاحهما للانتقال لمرحلة جديدة، وكانت العائلة بانتظار عودتهما لتكتمل الفرحة. ولم تعرفا ولم تعرف العائلة أن حثالة بشرية كانت تقف في زاوية معتمة في لحظة حقد أسود، ترى في ضحكة فتاتين في ربيع حياتهما تهديدا لوجوده المزيف والعابر، فأطلق رصاصات غدره لثغرهما ليقتل ضحكة الحياة.
أربع سنوات مرت.. أربع وردات سقطت.. أربعة أعوام انقضت.. أربع زهرات قطفت.. قبل الميعاد، قبل الأوان، امتدت يد الغدر والحقد والعداء العنصري وأصدرت الحكم الجائر بسلطان باطل، ولما نال القاتل جزاءه قالوا أخذوا القانون لأيديهم، فعن أي عدل نتكلم؟
جاء القاتل يحمل فكريا عنصريا، ولم يأت من فراغ.. جاء مشبعا بالآراء المعادية لكل ما هو عربي في هذا الوطن، وطننا قبل أن يكون مسكن الغرباء..
جاء مدفوعا بحب الانتقام من كل لسان عربي، يذكره بوجوده المصطنع ويكشف زيف حياته على هذه الأرض.. جاء يحمل سلاح الجبناء ليقتل الفكرة والحلم والإرادة التي تسبب له الأرق والإزعاج.. جاء من معسكر لجيش الاحتلال، اعتاد على قتل أي عربي وأي فلسطيني يتحرك على أرضه ويتنفس هواء وطنه ويأكل من خيراته.. ولأنه غريب، مستوطن، محتل اعتاد أن يقتل ويبطش ويرتكب الجرائم، دون أن يحاسبه قانون أو يسائله مسؤول.. وهل يمكن للحاكم أن يكون الحكم، هل يمكن للظالم أن يأتي بالعدل؟! وكي تتوه الحقيقة، وكي لا يعرف القاتل الحقيقي، وقفوا مكتوفي الأيدي وسمحوا بالاجهاز على الأداة.. وقالوا: أنت قاتل! فرحمة عليك أيتها العدالة..
ولأن اختيار شفاعمرو من قبل القاتل كان رمزا للوجود العربي.. ولأن اختيار ميشيل، نادر، هزار ودينا ضحايا لعدائيته، كان رمزا لكل انسان عربي.. من واجب كل عربي وعربية في هذا الوطن المشاركة في احياء ذكرى الشهداء الأربعة وعدم ابقاء شفاعمرو ضحية.. يتيمة.. وحيدة...
(شفاعمرو/ الجليل)