[x] اغلاق
ربيع الحواس الخليوي...!!
28/8/2014 11:07

ربيع الحواس الخليوي...!!

بقلم: مارون سامي عزّام

حاسّة السّمع المتمثّلة بأذن الإنسان، تعتبر الممر الآمن للأحاديث اليوميّة وللمكالمات الهاتفيّة، لا يعترضها، سوى الضجيج الخارجي، أو تغزوها قراصنة الصراخ والأصوات المرتفعة، كي تسطو على مركب الهدوء عنوةً... إلى أن حصل أول انقلاب على أذنينا، عندما كسَرَت حينها وزيرة الاتصالات الرّاحلة، شولميت ألوني مونوبول شركة "بيلفون" الأزليّ على مجال الاتصالات الخليوية في عهد حكومة رابين، قبل عشرين عامًا وأكثر، هكذا افتُتِحَت المنافسة الشرسة، بمنح تراخيصٍ لشّركات أخرى.

منذ ذلك الانقلاب وسوق الاتصالات يَشهد تعديلات قانونية وتقلّبات خليوية عديدة، إلى حين بداية الألفية الثالثة التي أحدثت ثورةً عالميةً ومحليةً على مجال النّظر، من خلال الهواتف المحمولة، التي تدعم تقنية التصوير والفيديو وانضمت حاسّة النّظر إلى حاسّة السّمع أيضًا وأصبحتا عضوتان في مجلس الهواتف الخليويّة.

ذروة الثورة الخليويّة التي أحدثت تغييرًا جذريًا وعالميًا ليس فقط في طريقة تعاملنا مع الهاتف الخليوي، إنّما في طريقة حياتنا اليوميّة، عندما أثمرت التفّاحة الشهيرة "أبل"، ثمرة جهاز جديد متطوّر جدًا عُرِف بجهاز "الآيفون" الأول، الذي صدَرَ في كانون الثاني من عام 2007، يعمل بتقنية اللمس الحسّاسة، فكل حركة لا إراديّة نقوم بها تستخرج لنا الشّاشة من جوفها تطبيقات عجيبة، نحنُ في غنى عنها، هكذا انضمت حاسّة اللمس إلى حاستَي السمع والنّظر، وأصبحوا أعضاءً دائمين في مجلس التعاون الخليوي.

هذه الثورة التقنية، أفرزت مصطلحًا عالميًّا وهو Smartphones، أي الهواتف الذّكية، كثيرون لا يعرفون أنه مُركّب من ثلاث تقنيات رئيسيّة: 1) الهاتف، 2) البريد الإلكتروني، 3) الإنترنت. في السّابق لم نصادف مِثل هذه التقنيات، فباتت ترافقنا في كل مكان، تسعى لراحتنا الجسديّة، إلاّ أنّها من ناحية أخرى رسّخت فينا عادة الخمول، يعني أصبحت التكنولوجيا في خدمة الإنسان وليس العكس.

عندما نشتري هاتفًا خليويًا ينضوي حالًا تحت فئة "الهواتف الذكية" وهنا تصادف بعضنا أجواءً تكنولوجيّة غريبة جدًّا، تتطلّب إجراء تمرينات معيّنة لحركات جسدنا... عفوًا لحركات أصابعنا فوق شاشات هذه الهواتف، لتتأقلم معها وآخر النهار نجد عليها تَزاحُم بصماتها، الشاهدة الوحيدة على حب استطلاعنا، إلى أن جَرَفَنا لا شعوريًا سيل التطبيقات المحبّبة والألعاب المثيرة!!

إن هذه النوعية من الهواتف ليست غريبة على قسم كبير من الشبّان والفتيات الصغار، الذين اندمجوا يوميًا وفكريًا معها، من خلال بحثهم الدقيق عن نقارش التطبيقات المسلّية، لإسكات جوعهم التكنولوجي! وما يميّز ذكاء هذه الهواتف، أن لوحة المفاتيح الظّاهريّة متعدّدة اللغات، بما فيها اللغة العربية، فَحثّت بعض الشبّان والفتيات على كتابة رسائلهم النّصية لأصدقائهم باللغة العربية وهذا شيء إيجابي جدًّا، بعد أن اعتادوا كتابة الأحرف العربية بأحرف إنجليزية متعارف عليها في لغة الإنترنت!   

بعض حاملي جهاز الآيفون تحديدًا يشعرون بتفاقُم داء الأنا في شخصيّتهم على اعتبار أن منزلتهم الاجتماعيّة أصبحت من الدّرجة العليَا، فقط لأنّهم يحملون أحد أفخر وأجود أجهزة الهواتف صناعةً، إذ نجد أصابع يديهم تشدّد حصارها على الجهاز، لئلاّ يفقدوا وسام الافتخار به. هوَس هذه الهواتف الذّكيّة المتطوّرة، جعل كل مراهق ومراهقة يحملونها ليس فقط في جيوبهم وأمام أهاليهم... بل أيضًا باتت رفيقتهم الصّباحيّة إلى المدرسة بكل وقاحة وبلا ذرّة خجل أو خوفٍ من توبيخ المدير أو المعلّم، لمحتُ مؤخّرًا فتاة قادمة إلى المدرسة صباحًا سيرًا على الأقدام، اعتقدت عن بُعد أنّها تعاني من وجع في أذُنها وما أن اقتربت المسافة بيننا، اكتشفت أنّها تتكلّم بالخليوي!

هناك اقتراح قانون في الحكومة لم يُصادق عليه إلى الآن، سيحوّل مدارس البلاد إلى مؤسّسات أمنية، بسبب ثورة الخليوي الحديثة، إذ سيَفرِض على الطلاب أن يضعوا هواتفهم الخليوية في صندوق خاص، إلى حين انتهاء الدّوام المدرسي، لتحسين استيعاب الطلاّب للدّرس، فاستخدام مثل هذه الهواتف في الصّف، يُفقد الطلاب تركيزهم بالحصّة. 

بعد حدوث أي زوبعة إعلامية عالمية ومحليّة غير مسبوقة لإصدار أي هاتف ذكي جديد، نكتشف أن وجه الاختلاف بينها ينحصر فقط بأمرَين، الأوّل مركّباته الدّاخليّة، أقصد سرعة المعالِج حسب تعريفه التكنولوجي والذّاكرة العشوائيّة، فهذه الهواتف تحوّلت إلى أجهزة كومبيوتر متنقلة، أمّا الأمر الثّاني فإنه يتعلّق بسُمك الهاتف، أمّا التصميم الخارجي، فجميع الهواتف متشابهة إلى أقصى حد.

كم أتمنّى أن يكون مُعالج تصرّفات بعض أبناء هذا الجيل، أسرع في فهم الأبعاد المستقبليّة، للاستخدام الهواتف الذّكيّة، لأنه حينئذٍ سيصبحون مجرّد أجسامٍ غريبة عن مجتمعهم... ذاكرتهم ستصبح متنافرة... تفكيرهم مُبرمجًا حسب أهواء الهواتف الذّكيّة.

 

ذكرياتنا الجميلة مع الأحبّاء وحتّى أي فعّالية خارجيّة، أو مناسبة، غدت رهينة هذه الهواتف الذّكيّة، لأن الكاميرا الذّكيّة وثّقتها بالصُّور ونحن مجرّد أدوات مُساعدة لا أكثر، وظيفتنا الضّغط على آلة التّصوير، لنلتقط أي حركة!!