[x] اغلاق
ما بين تشرين، أول وثاني، ورق أصفر
16/10/2014 16:23

ما بين تشرين، أول وثاني، ورق أصفر

بقلم : محمد جمال صبح

أمر بشكل سريع على نشرة الطقس  لهذة الليلة ولثلاثة الأيام القادمة، احاول أن أطمئن قلبي بانخفاض نسبة البرد اليسيرة، فبعدما كنت قد مللت ردودك الباردة الجاهزة، تلك المقتضبة بشكل يثير لدي أكثر من شهوة، بداء بالسخرية وإنتهاء بشهوة البكاء، كففت عن الكتابة إليك، على العموم كانت نشرة الطقس، متقلبة خريفية بإمتياز، كذلك نشرتي النفسية وبقيت أكتب إليك.يدفعني الغياب للتفكير ببعض منطق في مرات نادرة، عندما أفعل ذلك أكاد لا أعرف نفسي، عندما فكرت قليلا ليلة أمس وجدت بعض الحقائق القاسية، تلك التي على مضض أعترف بها لنفسي، في البدء، يكونوا عشب القلب وفي النهاية طحالب لزجة تتسلق جدران ليلك الرطبة، كنت أهذيك وكان القمر من فتحة ضيقة في الستارة نصف المسدلة يرمقني وأبادله الأبتسامة الخجلة، ارسل بعض من ضوئه، ربت فوق كتفي،

قال:لا تبكي هذا المساء ففي الخريف فائض من وقت لدمعات متأخرة.

قلت:ودمعات مبكرة ومكابرة، لا عليك، أنت صديقي الليلة وكل ليلة، ما أجملك أنت.

أفكر بالأشخاص والأشياء التي أكثر ما أحب، أحب درويش ونزار والياسمين، زوربا والبحر والشمس والقمر والعصافير، كلها تذكرني بي، تذكر كم أن الوجع يصبح جميل عندما نعيد تدويره بكلمات أو بالصور، فكلما ذكرتك تراقصت أغصان الوجع وحضر زوربا من خلف البحار، وضع يده فوق كتفي والقينا بأرجلنا في الهواء، وأتذكر رغمي وجهي المسافر، لأنني نسيت وجهي المخلوع لديك أخر مرة، تطالعني صورة وجهك المشوه كلما نظرت في المرايا المصفرة كأوراق الخريف، وأتيْقن أكثر أن بعض القصص عسيرة الولادة حتى لو عمدنا فيها للجراحة القيصيرية، تأتي ميتة ومزرقة، كأنها ماتت من البرد، إعتراف ليس بالهين أو باليسير أن تقر وأن تعترف في أول برد الخريف اللئيم أنك مت، أنك ميت من البرد، البعض نبلغ حد برود اليقين أننا لا نريد مجرد التعثر بإسماءهم أو حتى بالصور، جل ما يصبحوا ويمسوا عليه أن يصبحوا وقودا لنوبات غضب أكثر ما تسعد بها الكلمات، يصبحوا زادا للأدب ووليمة لأعشاب البحر، وأصبحت وليمة لأعشاب ليلي، ولم يبقى لدي منك سوى ذاك الطحلب البحري الذي يصبح في الليل عوالق بحرية وأتعثر فيها، تسحبني للعمق ولا أغرق، مجرد أشرق ماء وملح، إعتراف أخر، في الحقيقة أنك وهم أختلقته حتى أسلى الوقت والعمر، ما سواه زور وبهتان وكذب، أفكر في كثير من المعاني، وأولها، معناك الغافي، ليته يموت، فلقد كنت خرافة وصدقتها، كل شيء بعدك يأخذ نسق الخرافة، كل شيء يصبح مجرد خيال، أخر الوقت، وقت الأنتظار، يصبح الحضور والغياب سيان.

لزمني كثير وقت حتى أعرف معدنك وكان زائف، جيد أن نعرف، جيد أن نكف عن مواكبة أحلامنا، الجيد أكثر أن نشيعها لمثواها الأخير، الليلة أخر شهر الحصاد وتشرين يجري جردة حسابه السريعة، سيسلم أوله لثانيه ما بقي منا ومن الأوراق التي لم تسقط بعد، أنا أخر تشرين، كففت عن قرائتي النهمة لما بين السطور، فلا سطور بينا سوى سطر الغياب، بيد أن نقطة أخر السطر مسكونة بك، كلما وضعتها قفزت لأوله، كأنها تحاول إعادتك للحياة، غيابك نهم كالحضور، لا يشبع ولا يُشبع، ما آتى على شيء حتى سيطر عليه بالكامل ورفع فوقه رايات النصر المبين، أنام وأول ما أفعل في الصباح أن أتفقد علبة وقتي، شاشة الهاتف الغافي، جنبات الطريق، أتفقد أطرافي، قماش الوسادة وأوراقي المبعثرة فوق الطاولة، رواسب بن ليلة أمس، مرسوم فوقها مجتمعة علامات الخيبة، لم يأتي بك الحلم ولا الليل ولا قهوة الصباح، أبتسم في وجهها المكفهر وأقول: ربما أنك كنت جميعك غافية، فالحلم كما النهار، لا يصل لمن لا ينتظره.