زوال الدولة الوطنية العربية 14/8/2009 12:08
يعتقد وعلى نطاق واسع أن المنظومة الرسمية العربية التقليدية بشكلها السايكس بيكوي القديم الذي صنعته بريطانيا وفرنسا، وحافظت عليه نظم ما يسمى ما بعد مراحل بالاستقلال الوطني في طريقها إلى الزوال والاضمحلال، وتحول معظمها، إن لم يكن جلها إلى دول فاشلة عاجزة عن الحفاظ على أمنها، وحدودها، ووجودها ومهددة بالانقسام والتحول والزوال، بالتوازي مع ظهور تيارات وجماعات وتكتلات ومنظمات لا وطنية، وقبلية، ودينية، وعقائدية وإيديولوجية أخرى ترفض الانضواء تحت المسمى الوطني التقليدي، ولها مشروعها الخاص، ورؤاها السلطوية. وبعد فشل المنظومات الرسمية العربية في النهوض في مشاريع بناء الدولة الحديثة وانهيار التنمية، وتمركز الثروات والإمكانيات والقرار الوطني بنخب فردانية معزولة جداً عن الشعوب، صار، وهذه الحال، من الصعوبة بمكان إقناع شرائح واسعة بالانتماء الوطني الذي تلاشى إلى حدوده الدنيا، وظهرت تبعاً لذلك، الولاءات القبائلية، والعشائرية، والشخصية، والطائفية. وآخر ما حرر، ويحرر في هذا الصدد، هو اندلاع الحروب الأهلية، بمختلف الأشكال في المنظومة السايكس بيكوية، ولعل المثال اليمني هو الأبرز هذه الأيام. فها هي الحرب الشرسة الضروس تندلع مجدداً بين جماعة الحوثيين المتمردة على النظام المركزي، وقوات نظام الرئيس علي عبد اله الصالح، الذي كان قد أعلن ذات مرة عن رغبته بالتنحي، إحياء وتكريساً لتقاليد ديمقراطية مفقودة، حسب تصريحاته في حينه، غير أنه عدل عن "فعلته" الديمقراطية، تلك نزولاً عند "رغبة" شعبية عارمة. هذه المواجهات الدموية تنذر بالمزيد من الخسائر المادية وبالأرواح، وتفتح جرحاً وطنياً جديداً، إضافة إلى الجرح المزمن الذي فتحه اجتياح واحتلال الشطر الشمالي من اليمن لشطره الجنوبي واعتباره ذلك مغنم ومكسب حرب، لممارسة شتى أنواع العنصرية، والإقصاء والاستغلال ضد أبناء الجنوب الذين تحولوا إلى غرباء في وطنهم جراء الغزو الشمالي الشامل اليمن الجنوبي. وفي ظل هذا الظروف هناك مخاطر جدية اليوم من انشطار اليوم، إلى ثلاثة دول، وعلى الأقل وفق ما هو منظور، شمالية، وجنوبية، وحوثية. وتعتبر هذه المواجهات الأحدث شرخاً كبيراً في الجدار الوطني اليمني، وتمثل عجزاً فاضحاً عن إيجاد أية أرضية للحوار والتفاهم، وقطع مع كل إمكانيات التعايش بين المكونات الوطنية نظراً لانعدام الأهداف الوطنية المشتركة، أو لنقل وغيابها، وتقديم وتفضيل المصالح والأهواء والخيارات اللاوطنية العائلية وحتى الشخصية التي تدفع في كل مرة الأمور نحو هذه الانفجارات المؤسفة والدامية. هذه النزاعات والخلافات المستمرة، وبشكلها الدموي، وتعذر نجاح أية احتمالية أو نوع من الحوار تحول هذا البلد العربي إلى بلد آخر فاشل في منظومة الفشل التي باتت تضم حتى اليوم فقط، كلاً من لبنان، والعراق، والسودان، والصومال، وما يسمى بالسلطة الفلسطينية التي انشطرت، حتى اليوم، إلى دويلتين، واحدة، في المقاطعة، وأخرى، في إمارة غزة-ستان المستقلة والمغردة خارج السرب الكوني كله حيث يمارس شيوخ السلفية الإخوانية ساديتهم الفاشية الدينية بحق شعب جائع ومحاصر، وكذلك غير هذه المرشحة للانضمام للائحة الفشل، على غرار ما يسمى بمملكة آل سعود التي تضطهد، علناً، سكانها من الشيعة وتحرمهم من كافة حقوق المواطنة، وتتركهم نهباً للقطعان الأصولية الوهابية الهائجة وفتاويها التكفيرية العلنية ضدهم، ناهيك عن الممارسات العنصرية العلنية ضد المقيمين والأقليات الأخرى، والمرأة، ما يهدد بانفجارات مجتمعية حادة مقبلة وحتمية، وتزداد المطالب الشعبية في الإحساء والقطيف لإقامة كيان كونفدرالي أو كيان منفصل عن السعودية بعد تنام قمع الأجهزة الامنية وعناصر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر للمواطنين الشيعة, منذ إطلاق العلامة الشيخ نمر النمر هذه الدعوة بشكل علني مؤخرا، وتتشابه معظم منظومة مجلس "التهاون" في هذا الأمر ما يجعلها في ذات الشرط الانشطاري والتفتيتي، إضافة إلى طبقات البدون ومجردي الجنسية وقبائل الـ"Second Hand"، التي لا تتمتع بأية اعتبارات وامتيازات وحقوق وطنية ما يراكم كله وينذر بانفجاريات مجتمعية تهدد ما كان يسمى بالكيانات الوطنية، القائمة على التمييز والعنصرية والاستئثار المطلق بالسلطة والثروات. أما مصر التي تضطهد سكانها الأقباط، وتفسح بالمجال للقطعان الإخوانية باستباحة البلد، وتهديد أمنه وسلامه المجتمعي، واستقلاله الوطني، وتضطهد الأقليات الأخرى أيضاً وتتبنى وترعى نمطاً وهابياً سلفياً لن يؤدي إلى إلا انفجارات ومواجهات أهلية بين مختلف تلك القوى التي بدلت ولاءاتها وانتماءاتها. (بالمناسبة تعتبر مملكة آل سعودية أصدق دول هذه المنظومة في تعاطيها مع الشأن الوطني، ونظرتها لإدارة تلك الجغرافيا، حين أعلنت أن تلك البلاد هي ملك لقبيلة آل سعود وسمت البلاد باسم هذه العائلة، ولعمري فإن هذا واحداً من أصدق الممارسات السلطوية، وأكثرها انسجاماً مع الواقع والذات والمنطق، في عموم المنظومة الشرق أوسطية). كل هذه الشروط غير الطبيعية ترشح هذه الدول، الجاثمة على براكين ورمادات التناقضات، للانضمام، وبامتياز لمنظومة الدول الفاشلة والمنهارة التي تتكاثر وتترسخ يوماً بعد آخر، وصولاً إلى الحلم الصهيوني والبوشي الكبير في استمخاض الشرق الأوسط الكبير المنتظر، والقادم لا محالة، وشيوع الفوضى الخلاقة في أرجائه، وظهور حكم دول الطوائف، والعشائر والقبائل، إثر تراجع وتهاوي الخيارات والمشاريع الوطنية أمام النزعات السلطوية الفردانية الاستئثارية الاستبدادية وصعود الما بعد الديكتاتوريات الشمولية المطلقة وترسخ منظومة السلالات والعائلات القدرية الحاكمة، التي أطاحت وإلى الأبد بالمشاريع الوطنية وحلت محلها، وقضت على أي حلم وطني. وبهذا، لم يعد السؤال، البتة، حول تحقيق أي نوع من النهوض أو أي إنجاز وطني، آخر، في عموم ما يسمى بالمنظومة العربية، بل، الهدف الأسمى، ربما هو الحفاظ على ما تبقى من هذا النظام الرسمي العربي القديم، المرفوض أصلاً، وحتى على "علاته"، وبنمطه الاستعماري الكولونيالي كما خلفه لنا المرحومان سايكس وبيكوي في بداية القرن الماضي، النط الذي سيبقى، شكلاً زاهياً، ورائعاً، وأنموذجياً، أمام ما هو متوقع، ومرصود من انهيار شامل، بنيوي فظيع ومريع، ستنضم بموجبه معظم المنظومة، واحدة إثر أخرى، إلى قافلة الدول الفاشلة، إذا ما استمر هذا التعاطي العبطوي والارتجالي اللامبالي واللجوء للحلول الإقصائية والدموية في كل ما يتعلق الشأن الوطني، وها هو المثال اليمني المفجع والمؤلم يتراءى، ويتفاعل، بقوة أمام الجميع. |