[x] اغلاق
آدم يتكلم .. ويتألم
21/10/2015 8:23

آدم  يتكلم .. ويتألم


بقلم : سعاد عوض سواعد
الى كل شاب وقع مسَيراً أو مخيراً في جحيم السموم , ولكل من ماتت ضمائرهم فدمروا البيوت والنفوس من غير حسبان.
فاجعة سمعت تفاصيلها منه بعينه قبل ايام
هو شابٌ في عمر الورود يسرد قصة بانفاسٍ متقطعه يقاوم احتضار روحه المنهكة يطبق عينيه لبعض الوقت ثم يعاود الحديث من حيث توقف تظنه يقرأ كتاباً مفتوحاً مكتوباً بخطٍ صغير متشابك بنظرٍ ضعيف ولكنه رغم ذلك يستطيع ان يفك تلك الكلمات المبهمه،  واقعٌ كالاسطوره يسردها بأدق تفاصيلها وبين الحين والآخر يجهش  باكياً لياليه الضائعه مذ ان اقتلعوه من فردوس طفولته والقوا به الى جحيم شيخوخةٍ موحشه في صحراء قاحله قبل ان يبلغ ربيعه الخامس عشر !!!
كنت غلاماً يافعاً وسيماً ليس لاحلامي حدوداً طالبًا دؤوباً يحسدني اترابي من حولي ولداً مطيعاً يتدفق قلبي حباً لوالديَ واخوتي مسالماً لا اعرف الحقد والأذى
كان أبي عاملاً يتقن كل ما تصنع يداه الى جانب كونه رياضياً معروفاً كان مثلي الاعلى في كل شيء..
هناك الكثير من القصص كقصتي لا نتذكر تفاصيل بداياتها ولكن ما ادركه جيداً أنني ومن غير ميعاد دخلت جحيماً على هذه الارض من حيث لا أعلم ...ولا أدري كيف أنني وفي كل مرةٍ كنت  احاول الخروج منه توغلت به اكثر واكثر وزاد اغترابي عن ذاتي الى ان أصبَحَتْ الذ اعدائي ..
كان ابي هو الذي ادخل ذاك السم الى البيت بعد ان دفعه اليه بعض رفاق السوء ..كنت أجهل انهم عند الحديث إليَّ وملاطفتي كانوا يُدخِلون الى ملابسي، جيوب سراويلي وطيات جواربي سلاحاً فتاكاً جعلني انا وأبي وأخي نعيش موتى أحياءاً ننزف بؤساً وشقاءاً اغتالوا شبابي وشبابهم ،نضوجي يفاعتي وروحي وكل ما كان يوماً جميلاً بي وبهم ..
يضع يديه المرتجفتين على كتف امه المعذبه .. هذه السيده ربما تكون فعلاً امي ولكني اعيش امنية ورديه بأن تدب بي يوماً تلك الاحاسيس بها بأمومتها بحبها لي وتعاستها من اجلي فقد اصبحت يتيم المشاعر والأحاسيس بعد ان حُكِمً عليها بالقتل مع سبق الاصرار والترصد .. واصبح داخلي فراغ كبير يفتقر الى ادنى حدود الانسانيه والمحبه..
لي أخوه اقطن واياهم بيتاً واحداً ولكني لا اعرفهم نجلس الساعات يومياً في نفس الغرفه وأحياناً على الاريكة ذاتها دون أن ننبس ببنت شفه وكأننا ننتظر في محطة مظلمه آخر قطارٍ ينقلنا الى لا مكان ولا عنوان . تلك هي حياتي وحياتهم.. فكم انا معذبٌ وكم انت معذبة بنا يا امي..
 ساقتني ارجلي ذات يومٍ الى بيت فخم لطبيب في الناحيه الاخرى من بلدتي وعندما قرأت اللافته عن كثب ادركت انه كان زميلي على مقاعد الدراسه وكنت افوقه اجتهاداً وذكاءاً .. واخترقت فكري رماحٌ من الأسئلة المؤلمه .. أوَلم يكن والده بضعف والدي وامه بسذاجة امي تلك التي لم تدرك هول الكارثه الا بعد ان اصبحنا ثلاثة اشباح نجوب المنزل نصرخ ونحطم وندمر من اجل جرعة أخرى وأخرى.. ولمَ اختارني الجلاد ضحية دون سواي من ذاك الركب آنذاك...
ويتوارى ريعان شبابي دون ان ادرك طور مراهقتي بلوغي ونضوجي لتتقاذفني امواج المشرفين على علاجي بين مراكز التأهيل والسجون بانواعها واقساها سجون النفس والعقل والقلب ..
 وذات ربيع  أقبل الفرج ... وبارادةٍ قويه يأتي الفطام المنشود وتعود اليَّ ذاتي زاحفة ًمنهوكة القوى لانعم بحقبة زمنية مشرقه وان لم تكن طريق العودة مفروشة بالورود..
يا لسعادتك يا امي ، كنت تودين ذلك ايضاً لابي وأخي..
وكما في أول مره لا تفاصيل مقنعه اعاود الغرق على ضفاف نزواتي الضحله دون ان احتاج للغوص في بحورها العميقه فما اشقاني ..
لم اعد أحتمل سماع المزيد فقد اصبحت نفسي متخمة بالحزن من أجله وأجلهم جميعاً وهممت بمغادرة المكان وقد نسيت أصلاً أن زيارتي لوالدته تلك الصديقه البعيده كانت بهدف مواساتها قبل بداية رحلة علاج شاقه بعد ان دلت فحوصاتها الأخيره على وجود علامات اورام سرطانيه متفشيه في اكثر من عضوٍ من جسدها.. خرجت وقد عجزت عن حبس دموعي وعدت ادراجي مسرعة الى سيارتي وانا أسمعه يردد .. شكراً على الزياره فمنذ زمن بعيد لم يدخل زائرٌ بيتنا .. (وبحياتكوا ابقوا طلوا على امي).. وما زالت الأحداث جاريه ..
وللقصة بقية تأتي ..