[x] اغلاق
رائحة البذاءة تفوح من لول
12/2/2016 5:57

رائحة البذاءة تفوح من "لول"

بقلم: مارون سامي عزّام

ابتدع الوسط الفني في العالم العربي، مصطلحًا جديدًا، مصطلح "السينما النّظيفة" بمعنى الخالية تمامًا من القبلات والإغراء، فبات مصدر حديث المهتمّين بشؤون السينما العربية، فلمعت بذهني فكرة جديدة "الفضائيّة العربيّة النّظيفة"، التي لا تشغل بال المهتمّين بها كثيرًا، ولا بُدّ من ابتداع مصطلحٍ كهذا، لأن برنامج الفكاهة الشّهير اللبناني "لول" المبتكر وغير المقتبس عن أي برنامج غربي، كَسَر جميع القيَم الاجتماعية، تحت رعاية دولة الجُّرأة والاستغلال!! وليس الاستقلال لبنان، لأنّ قنواته الفضائيّة تستغل حريّة الإعلام المرئي إلى ما بعد ما بعد الخط الأحمر، وليس إلى ما بعد ما بعد حيفا!!

جاءنا صاحب قناة الـ OTV، العماد ميشيل عون، زعيم حركة تيّار الإصلاح والتغيير السّياسية، ببرنامج "لول" الذي يُقدّمه كل من هشام حدّاد وأرزة شدياق، اللذان يستضيفان مجموعة من الضيوف "النكتجيّة" بامتياز، المثقلين بالنكات الإباحية، المحور الأساسي للبرنامج لإنجاحه جماهيريًا!! فمع كل نكتة، يسمع العالم العربي قهقهات مقدّمة البرنامج تملأ أرجاء الكباريه عفوًا... الأستوديو، ومن جهة أخرى، تُعيد قناة الـ OTV في هذه الأيّام إعادة لبعض حلقات برنامج "لول"، كي تدخُل بأي ثمن في مسار المنافسة المحتدمة بين الفضائيّات اللبنانيّة الأكثر شعبيّة LBC وmtv، في خطوةٍ لزيادة نسبة المشاهدة للقناة الحديثة نسبيًّا، هذا هو الإعلام العربي الجديد!

هذه إذًا الثقافة الجنسية الحديثة على الطريقة اللبنانية، ولكنّ لا يتم مناقشتها، إنّما يناقشون كيفيّة معالجة نفسيّة المواطن العربي المقهورة، بفيتامينات النّكات المُقوّية!! لأن الفضاء العربي المفتوح والمُطَوَّر!! أصبح يُرحّب بكل شيءٍ إباحي عربي، أمّا إذا كان فيلمًا أو مسلسلاً غربيًا فهو مرفوض تمامًا، لأنّه "يخدش الحياء"، على أساس أن المشاهد الجنسية فاضحة جداً!! وداعرة، على فكرة البرامج الترفيهيّة الإسرائيلية لا تعرض برامج كهذه، رغم الانفلات الأخلاقي الحاصل في المجتمع الإسرائيلي.

المفردة "المسكينة" "لول"، كلمة "لطيفة" يستطيع أن يلفظها الكبير والصغير بسهولة، وبإمكان الجميع مشاهدة البرنامج بسهولة أيضًا، دون ضوابط، وفي ساعة البث الذّروة، دون أن تضع القناة شارة "للكبار فقط" أو "ممنوع مشاهدة البرنامج لمن هُم دون الثامنة عشرة" وما شابه، لذلك كلمة "لول" بدّل مفهوم الإصلاح "بالإتلاف"، والتغيير "بالابتذال"، و"أوصي" بأن تصبح كلمةً، تعكس مدى الحريّة التي ينعَم بها لبنان، لنستمتع بحيوية هذا الشّعب!! فينضم "لول" لشعار الاستقلال الذي يقول "هَيدا لبنان"!!!

في الغرب تخضع البرامج العائليّة للمراقبة، ولضمير القائمين عليها، فالقبلة لها أوقاتها والتعرّي له أوقاته، باختصار يحترمون الأطفال ويراعون مشاعرهم، ولا تُلطِّخ مشاعرهم البريئة والنظيفة ببرنامج كهذا. مقدّما برنامج "لول" يدّعيان أنّهما "يراعيان" مشاعر الأطفال، بأنّهما يفتتحان فقرة النكات الإباحية الساعة العاشرة، فكلامهما باطل وكذب وافتراء، لأن "لول" مليء برموز إباحية خفيّة وعلنيّة، والذين ما زالوا يتحدّثون اليوم في العالم العربي عن الأخلاقيّات، فإنّهُم للأسف، خارج التغطية الترفيهية الحديثة، رغم أن حاول البعض إيقاف البرنامج، لكن دون جدوى...

كانت "التوصيات الرّشيدة!"، بعدم التعرّض لرجال الدّين، وعدم تمثيل النّكات، بحركات "إيحائيّة"!! وعلى القيّمين على البرنامج أن يستخدموا أسماء "أبو العبد" و"أم العبد"، كخروج من المأزق الذي تعرّض المجلس الوطني للإعلام في لبنان، رغم أن البعض يقول بأنّ البرامج الترفيهية اللبنانيّة، أتت لتواجه مظاهر الإحباط والشؤم النّاجم عن الانقسام السياسي الحاد، وسؤالي: هل من خلال الفكاهة الجنسية يتم توحيد جميع الفئات السياسية اللبنانية المتناحرة؟!

إذا عدنا إلى أكثر من 20 سنة، ورأينا ماذا كان يُقدِّم التلفزيون اللبناني وخصوصًا قناة "إل بي سي" الأرضيّة آنذاك، وشاهدنا برامجها الترفيهيّة، لوجدنا أنها كانت تتخلّل فقرة نكات قصيرة جدًّا، لا تتعدّى مدّتها العشر دقائق، وكان يقدّمها الفنّان المعروف "إيلي أيّوب" الملقّب بـ"ضاحك الليل"، فكانت حينها جميلة خفيفة الظّل، رغم أنه كان يغلب عليها الملامح الجنسيّة، ولكنها كانت محبّبة على الجميع، ليس مثل برنامج ذُل عفوًا... "لول" الذي لمدّة ساعتين يتمحور حول تبادل النّكات، من قِبَل جميع الضّيوف. حتّى السَّيدات المتأنّقات يُطلقن وبدون حياء من شفاههن المطلية بطلاء أحمر الشّفاه نكات ساخنة، "من الزّنّار ونازل"، دون ضوابط كلاميّة أو رادع فكري.

هنا يظهر عجز الدّولة اللبنانية أمام أصحاب النّفوذ السياسي، التي لا تجرؤ على معاقبتهم بغرامة مالية كبيرة، كما تفعل وزارة الاتصالات الإسرائيليّة، أو تخشى أن تفرض أبسط سلطاتها، وهي الرّقابة التلفزيونيّة، والذين كانوا يتخوّفون من الغزو الغربي للشّاشات العربية، عن طريق عولمة الترفيه العربي، باتوا اليوم يتخوّفون من الغزو العربي (والفرق نقطة، فقط حذفنا النقطة عن حرف الـ"غ")، عن طريق انتقال فيروس "اللبنَنَة" إلى لب الترفيه العربي...

في لبنان هناك من ينادي بإطلاق قمرٍ صناعيٍّ خاصٍّ بلبنان، بعد أن فقَدَ فرَس الديمقراطية العربي الأصيل رسنه، ولا يوجد من يلجمه عربيًّا، فداس احترام الأسرة العربية... دنّس طهارة الطفل العربي... قفز عن حواجز الدّيمقراطيّة النّزيهة واللاذعة برشاقة، وصفّقنا له، ولكن أرجو أن تنتبهوا جيّدًا، فالجنس تحديدًا لدى الفضائيّات العربية، بات مثل الباذنجان، يطبخونه بمقادير ترفيهيّة ذليلة ورخيصة، له عدّة نكهات وأشكال، كي تبقى الثّقافة الجنسية المدروسة حبيسة الفكاهة والمسخرة.