[x] اغلاق
يتغنَّـــون بالبيلفـــون!!
2/3/2016 11:15

من دفتَر ذاكرَتي الاجتماعيَّة

يتغنَّـــون بالبيلفـــون!!

بقلَم: مارون سامي عزّام

ألو... ألو... ألو، كلمة كنت أسمعها فقط داخل البيوت، صرت أسمعها من حملة الهاتف الخليوي، داخل الأماكن العامّة، السيارات، المطاعم، على أرصفة الشّوارع... داخل دور العبادة، بعد أن كان حِكرًا على رجال الأعمال قبل عقودٍ خلَت، إلى أن جعلته الوزيرة شولاميت ألوني وزيرة الاتصالات، متاحًا لعامّة الشّعب!! الذي انجر وراء "التفنطز والتعنطز" وبموافقة حكومتنا الشّهمة.

"انعجقت" الشركات، وخصصت داخل مدننا وقرانا فروعًا ضخمة مكيّفة، كأنها فروعٌ لمؤسسة التأمين الوطني، تخلو من البيروقراطية المضنية، فما على المواطن إلا أن يدخلها، فيجد الابتسامة اللطيفة تعلو وجوه الموظفين النشيطين، لإجراء الصّفقة، "يعني بس اشحط عالفيزا" فتحصل حالاً على الخليوي، دون عناء أو استجداء.

المنافسة شرسة جدًا بين الشّركات، تتناطح عبر الصحف والإنترنت بالأسعار المغريّة، والنّاس تخطف أجهزة الخليوي دون وعي، فتراهم يأتزرونَ بها تباهيًا ولسان حالهم يقول: "لقد حصلت على "خط فوري"! جملة يرددونها بتلقائيّة، غير مدركين ما ينتظرهم من مصاريف ثابتة، كالصيانة والتأمين وما شابه، وما أن تأتي الفاتورة، حتى تأتي معها الصّدمة، فلا يستطيع بعضهم تسديدها...

... هُم ليسوا رجال أعمال، أو أطبّاء... ولا حتّى مقاولين! إنهم بمنتهى البساطة ساذجون، لا يُقدّرون عواقب تصرّفاتهم، وهُم لشدة حماسهم للحصول على الخليوي، لم يكلّفوا أنفسهم قراءة بنود العقد المكتوبة بحروفٍ صغيرة ومتراصة جدًا، تُخضعهم لشروط لا طاقة لهم بها... فيضطرّون في نهاية الأمر إلى بيع الخط للمقتدرين...!

بإمكان الخليوي أن يؤنّس الناس في غربتهم أو عزلتهم، فإذا ضجروا يستلونه من جيوبهم، لتتراقص أصابعهم على أنغام أزراره، وليُسيّروا أمورهم اليومية من خلاله، أو ليطمئنّوا عن أعمالهم أو عن أُسَرِهِم، يعني "زغير وفعلو كبير"، هذه هي أهم مزاياه. لكن... من جهة أخرى، هناك من يستغلون الخليوي، للتلاعُب بأعصاب النّاس، خاصة وأنه بات بإمكانهم اليوم الحصول على شريحة آنيّة، غير رقمهم الثّابت.     

صرتُ ألاحظ تواجد الهاتف الخليوي في كل مكان، أجده داخل الدّوائر الرّسميّة، يُطل كالفأر من جُحر قبضة يد أحد المواطنين أو الموظّفين. إن آخر صرعة خليويّة شاهدتها، هي اصطحابه إلى الجنازات وبيوت العزاء! فعندما يكون الصّمت مخيّمًا على المعزّين، يغرّد صوت الخليوي في آذانهم، ويُزعجهم، فيعتري الارتباك حامل الخليوي، فيُسكته حالاً، أو يضعه رجّاجًا. كم أتمنّى أن ترتج فرائص حامله، ليصحو ضميره.     

منذ أن اجتاح هذا الهوريكان الخليوي البلاد، حطّم الفوارق الاجتماعية بين النّاس، مزَّق أوراق الكُتُب والدفاتر، كما انتزع بقوّة أعمدة التوعيَة الاجتماعية من أرضيّة تفكيرهم... وأغرق المحطّات الثقافية، التي كان الناس يرتاحون فيها، في طوفان الفوضى.