[x] اغلاق
جهابذة القرصنة الإذاعية
8/3/2016 11:04

من دفتَر ذاكِرَتي الاجتماعيّة

جهابذة القرصنة الإذاعية

بقلم: مارون سامي عزّام

"طاسة وضايعة" هناك من وراء الميكروفون، داخل جحر البث الإذاعي الصغير... وكيفما "بَرَمْتَ" إبرة المذياع، تسمع نهيق أحد المذيعين ملعلعًا، ظانًّا أنه أحد "دهاقنة الثورة الإعلامية المسموعة"، التي غاب عنها كل رقيب رسمي، ولسان حاله يقول: " يا أرض اشتدي ما عليكِ حدا قَدّي". يبث لنا ما يحلو له من سخافات صباحيّة أو مسائية، بلا إعداد وبلا ذوق، وكأني به يقول لمستمعيه: "أنا هنا يا إخوان، خِلِي الميدان لحميدان".

موجات إذاعية جديدة تعلو كل يوم من خلال المذياع الصّغير المسكين، الذي جعله أصحاب الإذاعات، صندوقًا موسيقيًّا غنائيًّا، متجاهلين مدى الضرر الذي تُحْدثه ظاهرة "القرصنة الإذاعية"، التي ظهرَت بدايةً في الوسط اليهودي منذ سنوات، حتى انتشرت لاحقًا كالجراد في مجتمعنا العربي، الذي يفتقر إلى إذاعة عربية محضة، وليس "مُهجّنة" مثل إذاعة صوت إسرائيل العربية!! ولكن للأسف الشديد هذا الجراد أكل الحامض والحلو، لم يترك للأصول الإعلامية الأدبية مطرحًا، فقضى على ثقافة القراءة، لدى شبابنا وبناتنا الذين يستمعون إلى أمانٍ وأغانٍ و "صف حكي" بلا معانٍ.

أصوات المذيعين تعاني من النشاز، الذي لا تستطيع آذاننا الحسّاسة جدًا أن تستسيغه. يُفترض بالمذيعين أن يكونوا على قدر كبير من الثقافة واللباقة في الحديث ليأسروا قلوبنا... إذا عدنا إلى مصدر الظاهرة، سوف نجد شركة تعمل بالسر، تابعة لشركة "موتورولا"، هي التي تنتج أجهزة الإرسال هذه، فتجعل أصحاب هذه الإذاعات، يسرقون ذبذبات إذاعية من وزارة الاتصال، العاجزة عن إيقاف هذا الزحف الإذاعي الخطير في الوسطين، العربي والإسرائيلي والذي هو "أساس البلاء".

هذا الوباء الإذاعي لم يأتِنا من إسرائيل، بل أتانا من جارتنا المسكينة لبنان، التي فيها عشرات الإذاعات، وأكثر من أربعين محطة تلفزيونية. لكن في لبنان وبسبب النزاعات السياسية، لم يتم حتى الآن إقرار قانون تنظيم الإعلام، أمّا في إسرائيل فثمّة قانون رسمي، بأشراف السُّلطة الثانية، فلماذا لا تتوجهون أيها "الإذاعيون" لطلب رخصة؟ لكن ماذا في جعبتكم لتعرضونه عليها؟! إنني "أبصم لكم" بالعشرين أنها "سترفضكم قطعًا".

هؤلاء المذيعون الأفاضل لم ولن يدركوا أن ثورتهم الإذاعية قد قمعت أصول الذوق السليم، وأنها تخطت أصول الحرية الإعلامية وآدابها. العمل الإذاعي يعتبر من أصعب الأعمال الجماهيرية الحوارية، ويحتاج بالدرجة الأولى إلى إلمام تام باللغة، سواء كانت فصحى أو حتى عامية. و"البلوة" التي ابتُلينا بها من إذاعاتهم، تكمن في عاميتهم الهابطة، وهذا من باب التقليل! فهي تمتاز بضحالة وضيق أفق، لأنه من المفروض أن يتحلى الإذاعي بسِعَة معلوماتية عالية، وبثقافة عامة، تشمل كافة المواضيع الآنية المطروحة على جدول المجتمع والسياسة وما شابه.

تستهترون بكل شيء، بأصول الأداء، بجمالية الصوت، وتستهترون حتى بمستمعيكم، فثقل دم و"مياعة" أصواتكم، قد خدشت أكثر مواطن الحس فينا، وأعني آذاننا المرهفة، حتى نال استهتاركم من حرمة المهن الفنية، مثل الإنتاج الإذاعي، والهندسة الصوتية. فهذا مذيع يعلن بصوت يبقبق: "يساعدني في الإنتاج فلان... وعلى الهندسة الصوتية علان..." وتسأل عن الفلانين، فتعلم أن بينهما وبين هاتين المهنتين، بُعد الثريا عن الثرى، فكلاهما من أنصار وعشاق الموسيقى الإيقاعية الصاخبة، المصابين بحمى "المكارينا" التي تبعث في رؤوسنا "الميغرينا"!!.

أين هي وزارة الاتصالات المتغاضية عن وجود مثل هذه الأجسام الإذاعية الغريبة؟! التي أفزعت الذوّاقين من مثقفي مجتمعنا. بينما نجد أن هذه الإذاعات الرّخيصة لم تُفزع بعض ربات البيوت المتفرغات و"المبوسطات" لسماع أصوات أبنائهن تنعق من خلال المذياع، لدرجة أن هذه الإذاعات قد غدت "الحاضنة" المسلية لقسم كبير من الأطفال، بعد الهيئة التدريسيّة التي لم تعد قادرة على ردعهم عن سماع صوت المذيعة الناعمة، التي لا خبرة لها بالتربية النفسية، ولا تُدرِك مدى حساسية الأطفال في مثل هذه السن المبكرة.