[x] اغلاق
اللغة العربيَّة عبر الأثير!!
22/3/2016 9:05
من دفتر ذاكرتي الاجتماعيّة
اللغة العربيَّة عبر الأثير!!
بقلَم: مارون سامي عزّام
البعد الجغرافي والبيئي بين مدن وقرى مجتمعنا، جعل سكان كل منطقة يبلورون لهجة عامية خاصة بهم، دمجوها في إطار تعايش جميل، ولكن منذ اجتياح إعصار الإذاعات المقرصنة لمجتمعنا، قبل سنتين وإلى يومنا هذا، شوه هذا الإعصار لغتنا العربية الفصحى، و"وصلت مواصيلو" إلى التطاول على لهجتنا العامية الجميلة، واستبدالها باللهجة اللبنانية. ولد "إعصار الإذاعات" في أعماق اللاوعي الفكري الثقافي وحتى الاجتماعي لبعض أنصاره من شبان وفتيات وبعض الأهالي، تمامًا مثلما وُلِدَ إعصار "النيويو" في أعماق المحيط الهادئ، (كلمة "نينيو" إسبانية الأصل وتعني الولد الصغير، تُطلق على الإعصار المدمر الذي يجتاح العالم بمعدل مرة كل ثماني سنوات.)
يمكن قبول التقليد في بعض الأحيان، ولكن بعض الإذاعات التي تتكلم "بنص لسان" اللهجة اللبنانية، تهدف إلى إيصال "الرقة المفرطة" إلى آذان المستمعين، وبات لفظ بعض الأحرف مائعًا "وانبلع" بعضها من خلال اللفظ المشوّه، مثلا حرف "الصاد" تحوّل بقدرة قادر إلى حرف "السين"، فتقول بعض المذيعات، وحتى المذيعين، "سباح الخير.."، أليس من اللائق إذاعيًا أن يقولوا "صباح الخير"، والشيء المغيظ أكثر، هو تقليد هؤلاء المذيعين "لزملائهم" اللبنانيين من ناحية اللفظ فقط، دون أن يحاولوا الاستفادة من ثقافتهم العميقة المتمرسة، التي تؤهل المذيعين اللبنانيين أن يُطلّوا إذاعيًا بكل ثقة.
يحتاج "الإذاعيّون" خلال تقديم برامجهم الإذاعيّة إلى إبداعات لغوية، من حيث نُطق الجمل بالشكل الصحيح، أضف إلى ذلك وجوب معرفة مُصطلحات، سواء بالفصحى أو بالعامية، تليق بمستوى البرنامج، كذلك معرفة حسن التخلص من المواقف الحرجة. لكن عامية هؤلاء المذيعين "سمجة"، لا تليق بالمستوى الإعلامي المتعارف عليه، عداكَ عن أنَّ غالبية كلامهم، مشوبة بالغمز واللمز!
المستمعون السّذج في متاهة إعلامية، لكثرة الإذاعات، حتّى ذكرتني كثرتها ببرج بابل. هكذا بالضبط! إذ غدت تتلاحم وتتزاحم حسب أذواقهم، واللغة العربية تقاسي من كلمات سخيفة وركيكة، تخرج من أفواه "المذيعين" يائسة، بائسة! حتى "اختلط الحابل بالنابل"، فتراهُم "يدوشوننا" بوقع جمل يعتقدون أنها "نغشة"، ولكنها للأسف تخرج من "فُوهات" براكين مذيعيها، مثل حمم كلامية، تحرق خلال جريانها المفردات اللغوية، والمعاني الجميلة، دون وعي أو مسئولية لكيفية صياغتها. 
هذه الحمَمُ تصل مسامعَ الطلاب، الذين لا يدركون مدى خطورة استماعهم إلى إذاعات هابطة، تذيع فقط "أخبارًا اجتماعية!!" فيها الكثير من الأخطاء النحوية الرهيبة، لأنَّ الذي يقبع خلف الميكروفون يجهل أسس اللغة، فيستمع الطلاب إلى لغة مشوَّهة "ركيكة" ويتأثرون بالمذيعين الذين يتكلّمون كلامًا "بلا طعمة".
بالله عليكم أيها المعلمون، أنقذوا طلابنا من هذا الإدمان الإذاعي، بواسطة فطامهم بالتثقيف المدرسي، والتوعية اللغوية، وأنقذوا اللغة العربية المسكينة من براثن هذا الغول الإعلامي المزيّف، الذي يعبث بها ويحطم قواعدها، التي ينطلق منها جميع الأدباء والهواة، نحو عالم الإبداع الجميل. هذا الغول يحث الناس عنوةً، على ضبط إبرة المذياع على ما يعتبرونه "أحلى موجة"... 
... لكن لا بدَّ يومًا ما لهذه الموجة أن تجرف جميع الإذاعات نحو الإغلاق... وزج المذيعين في السجن عاجلاً أم آجِلاً. أقول بكل أسف. أسمع أن بعض الفتيات يعشقن صوت أحد المذيعين، لتلاعبه بطبقات صوته "المخملي"، التي تطل علينا مع طلة كل صباح حين يصيح من خلف المذياع بصوت الطّاؤوس المتغطرس!!
لا يوجد من يصحح هؤلاء "المذيعين" لغويًا!! وهذه الإذاعات غير مرخصة رسميًا. إن البث يحتاج إلى تقنية فنية عالية ومكلفة للغاية، بالإضافة إلى معدات حديثة ومتطورة، فحتى إذا أرادوا تحضير برنامجٍ ما، فإنه يحتاج إلى إعداد جَدّي، ومُعِدّين، ممّا يتطلب الكثير من الوقت والجهد والتكلفة. 
"أيها المذيعون!" اعلموا أنّ اللغة العربية ليست لغة أثيرية، هوائية، إنما لغة لها أصول نحوية، وقواعد وصرف، يجدر بكل مذيع أن يُلِمَّ بها، قبل الجلوس خلف الميكروفون. فقط من خلال المطالعة تستطيعون الغوص عميقًا في أغوار بحورها الجميلة، وساعتئذ تكتشفون عوالم مرجانية لغوية خلابة، فتُدركون هشاشة لغتكم الأثيريّة "المخرشمة".