[x] اغلاق
هكذا تعلمنا حب الوطن والأبجدية الفلسطينية
15/4/2016 7:33

هكذا تعلمنا حب الوطن والأبجدية الفلسطينية

الاعلامي أحمد حازم

شاء القدر ـــــ ومعه خيانة  الأنظمة العربية ــــــ أن يرمي بعائلتي يوم النكبة عام 1948 في لبنان، وهناك حملنا صفة "لاجئون فلسطينيون"، لا حق ولا مساواة  لنا على الصعيد الرسمي سوى في الموت، ومن هناك بدأت رحلة العذاب. والذكريات القاسية على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، لا تزال أمام مخيلتي حتى في الوقت الحاضر، والذكريات البشعة تبقى عالقة في ذهن الطفل، يتذكرها أكثر كلما كبر.

عندما كنا صغاراً نتعلم الابجدية في مدارس مخصصة فقط للاجئين الفلسطينيين، كان ممنوع على المدرسين منعا باتاً الحديث عن فلسطين، ومن يخالف ذلك يفصل فوراً من التدريس، ويخضع لاستجواب من السلطات اللبنانية، يتخلله التعرض للضرب والسجن بتهمة التحدث بالسياسة عن فلسطين.

كانوا يعلموننا ونحن صغار، تاريخ فرنسا وجنرالاتها، ولويس الرابع عشر وغرامياته، وتاريخ نابليون وعشيقاته، علمونا عن تمثال الحرية في واشنطن، لكنهم لم يعلمونا ما فعلت أمريكا بالهنود الحمر، كانوا يعلموننا تاريخ المملكة البريطانية والملكة إليزابيت وتشرشل وزمرته، وخدعونا بديمقراطية هذه المملكة، التي كانت تفخر بأن الشمس لا تغيب عن مستعمراتها الاستبدادية الاستعمارية.

لم يعلمونا تاريخ بلدنا، فهذا التاريخ كان من المحرمات علينا بكل المعايير، لم يعلمونا تاريخ الثورات الفلسطينية في الثلاثينات والأربعينات، ولم يعلمونا تاريخ المجازر التي عاشها الفلسطيني، وحاولوا إبعاد كل ما يتعلق بفلسطين من ذاكرة الطفل الفلسطيني، وحاولوا زرع تاريخ وجغرافية بلاد الغرب في عقولنا.

هكذا تعلمنا عندما كنا صغاراً، لكن تعليمهم مر كسحابة صيف، وما بقي في الذاكرة هي الابجدية الفلسطينية، أبجدية الوطن التي تعلمناها في البيت على يدي الأهل، الذين زرعوا تاريخ فلسطين وحكايات المناضلين في عقول الأبناء الصغار، الذين كبروا على حب عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني وجمجوم ورفاقه وغيرهم، وكلما اشتد الضغط على الفلسطيني سياسيا، كثّف الأهل شحن عقول الأبناء أكثر فأكثر عن فلسطين وأبطالها، وكبر الطفل وكبر معه تاريخ الوطن.

 

ذات مرة، وفي احتفال مدرسي متواضع، صرخ طالب بأعلى صوته: "عاشت فلسطبن"، وبعد ساعات قليلة، تم نقل الطالب إلى أحد أقبية التحقيق الأمني، حيث تعرض إلى الإذلال والتعذيب والاهانة، وجريمته أنه مجد بلده، وتمجيد الوطن الفلسطيني والحديث عنه، كان حتى أواخر الستينات، جريمة تعرض صاحبها لملاحقة من الأجهزة الاستخباراتية اللبنانية، والطالب الذي صرخ (عاشت فلسطين) عاش ثلاثين يوما في السجن.

وإذا كان المواطنون السود في دولة جنوب أفريقيا، قد عانوا سابقا من عنصرية النظام قبل التحرر من عبودية الرجل الأبيض، فإن الفلسطينيون في بعض الدول العربية عانوا، ولا يزالوا يعانون من عنصرية سياسية واجتماعية من نوع آخر، صحيح أنهم ليسوا من اللون الاسود لكنهم لاجئين، ويكفي أن تكون لاجئاً لتحرم رسميا من كل مقومات الحياة.

كلمـــة أخيـــرة

*هناك أناس يدعون بأنهم أحرار سياسياً، لكنهم في حقيقة الأمر عبيد أسيادهم، ومن يلعق من صحن السلطان أياً كان اتجاهه، يبقى تحت سوطه، والأمثلة عديدة على ذلك.