[x] اغلاق
جُنَــاةُ الشــوارع
20/4/2016 7:40

جُنَــاةُ الشــوارع

بقلم: مارون سامي عزّام

"اللي عمينقتلوا عالطرقات أكثر من اللي عميستشهدوا بالحرب" جملة في محلها، ما زالت عالقة بذهني، تذكرتها الآن، قالها الفنان دريد لحام في مسرحيته الشّهيرة، "كاسك يا وطن"، ما زالت تنطبق على ما يجري اليوم في شوارع المدن من حوادث سير وطُرُق رهيبة. حقًا لقد غدت ظاهرة حوادث الطرُق كابوسًا مقلقًا يراودنا، ليس في منامنا فقط، بل في صحونا أيضًا.

تحدُث حوادث الطرق في بعض الأحيان، نتيجة تصادم سلسلة من الضغوطات اليومية في رأس السّائق، فتتوتّر أعصابه، إذ تجعله يسابق ليس فقط الزمن، بل يسابق أيضا طرُق الحياة التي أمسكته بقبضتها قائلة له: "اُصحُ، أَفِق واخرج من بحر يأسك هذا، وواجه الأمور بعقلانيّة واتزان فكري". لكننا نرى أن بعض السّائقين قد تحوّلوا في لحظات إلى جناة الشّوارع عن غير عمد، ويتصرّفون عليها بوحشية، دون أن ينتبهوا لما يدور حولهم، لا يُذعنون إلى شارات المرور، يُداهمهم مجال الرؤية المحدود في غفلة منهم، فتُباغتهم سيّارة قادمة من الاتجاه المعاكس، فلا يُحسنون التَّصرف إزاءها، فينزلون عن عروش سياراتهم، إمّا جرحى أو قتلى، هكذا تحولت السيّارات من وسيلة نقل مريحة، إلى آلات دمار فتّاكة.

لقد باتت أخبار حوادث الطرُق تلاحقنا عبر الإذاعات والصحف الأسبوعية والمواقع الإلكترونية المحليّة، كذلك هناك وكالة أنباء جديدة، تملكها شركة "فيسبوك" العالميّة، إذ يقوم "مُراسلوها الميدانيون الجدد"، من خلال هواتفهم الذّكيّة، بتصوير صور بشِعَة لمصابين بجروح متوسّطة أو بالغة، فينشرونها على صفحاتهم الإخبارية الفورية!!

تنشر الصحافة الإلكترونيّة كل لحظة خبرًا عن قتلى مسحتهم الشوارع خلال ثوانٍ بدون عناء، وبدل أن يصِلوا سالمين إلى مقصدهم ومبتغاهم، وصلوا مباشرةً إلى دنيا الآخرة!! إنّي أعتبر السّائقين المتهوّرين جَرحى نفسيًا وعقليًا، ينزفون جهلاً وطيشًا، ممّا يجعلهم يتهوّرون ويشكّلون الخطر على حياتهم وحياة الآخرين.

في نَشرات الأخبار الصّباحيّة، هناكَ زاوية صباحيّة يوميّة ترصد عدد الحوادث والقتلى والجرحى، كأنّ المراسِل "يُبشّرنا" بخبرٍ عادٍ جدًّا عن وقوع حوادث سير او دهس، أي أصبحت زاوية إخباريّة فرضها علينا الواقع المرير، لتُثير أعصابنا وتَزيد خوفنا طوال النّهار، وهنا يبدأ الأهالي بتوزيع أزواد نصائحهم على أولادهم، ليقودوا سيّاراتهم بتروٍّ، ويغطّونهم بستائر من الدّعوات الربّانيّة لتحميهم من الشَّر الخفي الأعظَم.

"شوارع الموت الرهيبة آخذة بالطول، والأعمار آخذة بالقِصَر"، هذه هي معادلة العصر، فسيفساء الحياة، رصفت على جدران العُمر، صورًا رهيبة تحكي عن ضحايا الحوادث، سواء من الأطفال أو الشبان أو كبار السن، الذين ما زالوا يعانون إلى هذا اليوم أو ربّما مدى الحياة من إعاقة جسديّة، نتيجة الحوادث، وهُم يصرخون: "كفى أيها الجناة، أوقفوا بطشكم اللا-أخلاقي على الشوارع".

انتشار ظاهرة شُرب المشروبات الروحية بين الشبّان، وخاصّةً في الحفلات والأعراس، تُفقدهُم الإحساس بالواقع، وتجعل من عقلهم مسرحًا مترنحًا، فتراهم يركبون السيّارات، وغشاوة الخمرة تحجب عنهم معالم الطريق، والخطر يتربّص بهم، وهُم يهتفون "תן גז"، شيفرة تَهوُّر السائقين، وتدهوّر أرواح هؤلاء الشّبان نحو جحيم الموت، مقابل متعة التحرّر النفسي من بقايا توجيهات مُعلّم السياقة وإرشاداته، التي يُطيحون بها، مُضحّين بأرواحهم مجّانًا!

بعد أن عَلّم الأهالي أبناءهم السّياقة في جيل مبكّر، سلّموهم مفاتيح سيّاراتهم، فنَكّلوا هؤلاء العُراة أخلاقيًا، بتوصيات ذويهم التربويّة، تجاهلوا أنّ أهاليهم قد تكلّفوا المبالغ الطائلة لتعليمهم السّياقة، رغم الظّروف الماديّة الصّعبة لبعضهم، واهتمّوا فقط بالمباهاة بيافطة "נהג חדש"، فتجدهم يصوّرونها ويضعونها على مواقع الفيس بوك!

إن لهفة بعض الشبّان الصّغار المراهقين، المتشوقين لرؤية الرخصة بين أيديهم، جعلتهم ينالون ليس فقط مفاتيح سيارة والدهم، بل نالوا مفتاح "الأنا الأجوف"، الذي حرّر أقدامهم من متعة رياضة السير، لو لبضعة أمتار! يجب ألاّ ننسى حرقة بعض الطلاب على دراسة السياقة النّظريّة في سن مُبكّرةٍ جدًا، وذلك لأن وزارة المواصلات، قد أتاحَت لطلاّب المدارس دراستها. كم أتمنى لو يقود هؤلاء الشغوفون فكرهم نحو دروب الثقافة، ويتوقّفون لحظةً عند شارة اقرأ!!

للأسف الإحصاءات الأخيرة تُشير إلى أن ثُلث حوادث الطُرُق سببها الجيل المراهق، وهذه "الشرعيّة الرّسمية"، تعني أن وزارة المواصلات هي الجانية الكبرى، وليس فقط البنى التحتية السيئة للشوارع في إسرائيل عامّة وفي الوسط العربي المتّهم دائمًا بأنّه صاحب قصَب السّبق في حوادث الطرق بشكلٍ خاص!!

بعض سائقي السيارات العموميّة الضّخمة وسيّارات الأجرة، ينخرهم حب المنافسة والمباهاة بمَركباتهم، وأنا أعتبرهم شُركاء فِعليين، بارتكاب جرائم حوادث الطرق، إذ أن وحشيّتهم في السياقة تزاحم السيارات الخصوصيّة وتدفعهم إلى الهاوية.

يجب ألاّ ننسى دور الهواتف الخليوية في التّسبّب بحوادث الطرُق، وذلك عندما يَستقبل السائق مكالمة، فيُمسِك المقود بيدٍ واحدة. وقد قرأتُ مؤخّرًا أن وزارة المواصلات، سوف تفرض على وكالات السيارات استيراد السيّارات، مُجهّزة بتقنية البلوتوث، التي تجعل السائقين يَصِلون هواتفهم الخليوية بطريقة سهلة جدًّا.

طرق المكافحة التي تتّبعها الشرطة، بإنزال أقصى الغرامات المالية، لم تردع هؤلاء السائقين، وسائل الحذر والتحذير، التي جُهّزَت بها بعض السيّارات الجديدة، لم تعُد مجدية بشكل كاف. وزارة المواصلات توقّفت عن بث التوعية في وسائل الإعلام!! لم يعُد لنشاطات المؤسسات والهيئات أي تأثير على السائقين، وما زلنا نرى كل يومٍ فاجعة جديدة، ونسمع صفير سيارات الإسعاف، تهرعُ لجمع أشلاء الجثث.