[x] اغلاق
رحلَ مُربٍّ ذِكرهُ باقٍ
19/5/2016 8:15

رحلَ مُربٍّ ذِكرهُ باقٍ

لذكرى رحيل المربّي الفاضل إبراهيم طوقان

بقلم: مَارون سَامي عزّام

لقد بدأ موسم حصاد أرواح البشر، منذ أن تجذّر مرض السرطان في أرض مجتمعنا، يأبى أن يتركهم يعيشون حياة مرتاحة البال، أطاح بعرش صحّتهم الذي يتنعّمون عليه، هكذا حصد القدَر بمنجل الموت سنابل تحب الحياة، تحمل حبّات مثمرة بالعطاء، أمثال المربّي إبراهيم طوقان، الذي شغِل منصب أول مدير للثانويّة البلدية في شفاعمرو.

في عهده كنت طالبًا في هذه المدرسة، وكان شديدًا، لم يتهاون مع الطلاّب، طغى حضوره على الجميع، كانت عباءة هيبته معلّقةً على كتفيه، لا يستطيع أحد أن يلمسها أو يدنو منها، أتذكّر إلى هذا اليوم وقفته صباحًا على درجات مدخل المدرسة، وقامته كانت تُظلّل الطلاب بالرّهبة، يراقبهم بعينيه اللتين تشعّان فطنةً وجدّيةً، تتفحّصان عن بُعد ملامحهم الصّباحيّة، ليتأكّد من جهوزيّتهم النفسيّة لليومٍ الدراسي.

كان قائدًا إداريًّا من الطراز الأول، والمعلمين والمعلّمات كانوا جنودًا في مُعسكر إدارته، أحبّوه وتماشوا مع أسلوبه الإداري، واكتسبوا من خبرته التدريسيّة... أمّا نحن الطلاّب والطّالبات، فكنّا أبناء رعيّته المدرسيّة، الذي رعى مستقبلنا التعليمي بتوجيهاته ونصائحه، فعمِلنا حسبها، حمانا من هجمات الكسل، من خلال تعزيز معنويّاتنا، وشحن أفكارنا بحب العِلم، فوضعنا في محميّة تعليميّة آمنة وسليمة، كي يفخر بنا المجتمع مستقبلاً. بالفعل امتازت فترته بطلاّب مميزين حقّقوا انجازاتٍ علميّة كبيرة، بفضله وصلوا إلى أبعد حدود العِلم.

إن الرّاحل إبراهيم طوقان لم يكُن فقط راعيًا لطلاّبه، أو فقط محافِظًا على مستوى هيئته التدريسيّة، بل كان يُقدّر ويحترم الجميع، ابتعد عن الترفُّع، وهذا ما ميّز تواضعه. كما راعى احتياجات الآخر في ذلك الوقت، ليس فقط بإنسانيّته وحَسب، بل بتعاطفه معه، وتعامله الرّقيق، أذكُر جيِّدًا عندما كنّا نعود إلى البيت باكرًا قبل انتهاء الدّوام الرّسمي، أو لأي سببٍ آخر، لم أتردّد للحظة بالدّخول إلى غرفته الخاصّة، طالبًا منه الاتّصال بأمي، لتأخذني إلى البيت، فكان يأذن لي بكل ودٍّ، والابتسامة تغمر وجهه، لم أنسَ ولن أنسى صنيعه معي.

بعد مرور عدّة سنوات على تخرُّجي من الثّانويّة... في هذه الفترة نمى بداخلي شغَف الكتابة وتطوّرت أكثر وأكثر مع مرور الأيّام، وبدأتُ أنشر مقالاتي في الصُّحف، أذكُر أنّي كنتُ ألتقي به كثيرًا في شفاعمرو، فكان فرحًا جدًّا بكتاباتي وشجّعني على الاستمرار... كان مرِحًا معي. نبرة صوته القويّة التي أتذكّرها منذ أيّام الدّراسة، ظلّت كما هي تجلجل في أعماقي.

صورته التي احتفظتُ بها له في ذاكرتي، هي الصّورة التي أحب أن تبقى موثّقة في أرشيف ذكرياتي المدرسي والاجتماعي، فهذا المربّي الذي رحل عنّا باكرًا، لم يفتقده المجتمع العربي فقط، بل إنّنا نفتقد لأمثال هذا الرّعيل من المربين، أذكُر على سبيل المثال الرّاحلَين، المربي والكاتب قيصر كركبي والمربّي ورجل المجتمع المعطاء شفيق عزّام. إنّي أعتبر أبا جبّور طوقان، من أواخر هذا الجيل التعليمي الذّهبي، الذي حرصَ على رفع مكانة التعليم، لذلك ستبقى مسيرته التعليميّة تسير في ذاكرتي نحو الخلود.