تعقيب السيد نقولا صايغ ( نشر مقاله في موقع أفنان نفسه والسيد نادر ياسين في جماليا ) هو مجرد تعبير عن مشاعر انسانية صادقة لا ترفضها مشاعرنا وعواطفنا.وواضح ان نقاشهما الأساسي موجه للدكتور أفنان القاسم صاحب الخطة ، والتي رأيت فيها شخصيا جهدا هاما لانقاذ ما يمكن انقاذه من الوطن الفلسطيني ، وانقاذ عشرات الأجيال الفلسطينية من المزيد من الضياع وفقدان المستقبل.
لا يمكن اعتماد مطالب الحد الأقصى في الظروف الماساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، فلسطينيا وعربيا .
لا أستطع ان أقول ان حق العودة غير مقدس . واوافق انه لا عدالة ولا رحمة في الواقع الفلسطيني الذي وصلناه... ولكن السياسة هي فن الممكن ، هناك المرغوب والمتاح ، اذا وجد السيد نقولا صايغ ( وأقصد أيضا نادر ياسين ) معادلة لجعل المرغوب متاحا فأنا اول من سأدعم موقفه.
هل تظن يا نقولا ان هناك قوى عربية قلقة من الوضع الفلسطيني ؟ .. أو مستعدة للدخول في حرب من أجل حقوق شعب فلسطين؟ او حتى القيام بخطوة سياسة – اقتصادية للضغط بما تملكه من مصادر طاقة استراتيجية من أجل حل عادل للقضية الفلسطينية؟!
تحرك المجموعة الدولية وخاصة الولايات المتحدة له محركاته غير القلقة على المصير الفسطيني ، انما حسابات كونية مختلفة تتعلق بمصالح دولة عظمى ، تجعل القضية الفلسطينية عقبة يجب ازالتها بأي ثمن كان ، وواضح من هو الجانب الضعيف الذي سيكون بأي حساب عادل نسبيا الخاسر الكبير ، وأعني شعبي الفلسطيني .
مهما تضافرت جهود الدول العربية لدعمهم ، الا انه دعم بلا أسنان وأشبه بالاستجداء. لذلك الوهم ان الحل لن يكون الا بما ترغب به نفوسنا ، باعادة عجلة التاريخ الى العام 1948 هو حلم غير قابل للتحقيق.ومجرد شعار قد يخدم الطرف الآخر.
هل تظن ان ستة عقود أخرى ستجعل الفلسطينيين والعرب في مكانة أفضل؟ هل تظن ان الدول التي تنتج ملايين شيوخ الافتاء كل سنة ، قادرة على مواجهة دولة تزداد تقدما في الفيزياء والهايتك وأبحاث الفضاء وتطوير السلاح النووي ، وتطوير شبكات عسكرية راقية تضعها في المكان الثالث عالميا من حيث التصدير العسكري؟
هذه الأوهام بان تتحقق العدالة الكاملة ، أضاعت فرصة اقامة دولة عام 1948 حسب قرار التقسيم للأمم المتحدة من عام 1947. فقط قوة سياسية واحدة فهمت ان الشعب الفلسطيني سيخسر وطنه اذا لم يقبل قرار التقسيم ، وتلك القوة هي عصبة التحرر الوطني الفلسطيني ( الحزب الشيوعي ).
في حرب فلسطين لم تدخل الجيوش العربية الى المناطق المخصصة بقرار التقسيم للدولة اليهودية. وحتى لم تقدم الدعم العسكري للمقاتلين الفلسطينيين ، الذين قاتلوا قتالا انتحاريا بلا أمل بالنجاة. هكذا دمرت أكثر من 520 قرية ومدينة عربية وشرد أهاليها وارتكبت في الكثير منها مجازر مرعبة. يفضحها المؤرخين اليهود أنفسهم وليس العرب.
المفتي الحاج أمين الحسيني وصل القاهرة عام 1937 ولم يرجع الى فلسطين من وقتها و"قاد " نضال الشعب الفلسطيني من القاهرة بأوامر عشوائية لا علاقة لها بالواقع.
الملك عبدالله الأول ملك الاردن ، تشير كل التقارير الى انه عقد صفقة مع غولدا مايرسون ( غولدا مائير التي أصبحت رئيسة للحكومة في اسرائيل – اقرأ نكبة فلسطين لعبدالله التل )
في كتابان هامان ، صدرا للباحث اليهودي من جامعة القدس هيلل كوهين ، الأول " عرب صالحون " والثاني " جنود الظلال" يكشف حقائق مثيرة عن خيانة القيادات العربية واقامة فرق عسكرية عربية قاتلت الى جانب اليهود ضد شعبها ، وهذا الوضع سائد حتى اليوم.
واعطى الباحث تفاصيل مرعبة عن دور قيادات " وطنية " في السمسرة على الأراضي لحساب اليهود ، لدرجة ان كل المستعمرات التي أقيمت في عهد الانتداب البريطاني قامت على أراضي اشترتها الوكالة اليهودية من العرب. وارسلت "قيادات " فلسطينية رسائل الى الحكومة البريطانية تدعوها الى فتح باب الهجرة في فلسطين لليهود لأنها تجلب العمل للعرب.. ومنهم مثلا رئيس بلدية حيفا وقتها حسن شكري الذي أطلقوا اسمه ( اعترافا بدوره في خدمتهم )على الشارع الذي يقع فيه مبنى البلدية ، كذلك تلقى عشرات الصحفيين العرب رشاوي من الوكالة اليهودية لكتابة ما يخدم المشروع الصهيوني.
عزيزي نقولا صايغ ، يجب ان نتقدم نحو ايجاد مخرج لشعبنا ننقذه من حياة الضياع والمذلة . وان نعطيه الفرصة لبناء مؤسساته ومجتمعه ، بدل حياة الضياع والخضوع للكبت والاضطهاد من ذوي القربى ، الأمر من اضطهاد الأغراب!!
د . ميرا جميل – كاتبة وباحثة اجتماعية - نيقوسيا