[x] اغلاق
قِصَّة الشَّمعَة والعُشّاق
11/8/2016 10:59
قِصَّة الشَّمعَة والعُشّاق

بقلم: مارون سامي عزّام

شمعة تقف في غمرة ظلام دامس، تتوسّل العُشاق أن يُشعلوا فتيلها الخائف من إعصار الزمن الذي سيرجمه بحجارة الحسد، فيُتلفه، قبل أن يرى بصيص النور، للأسف الشديد، هذا الفتيل لن يشتعل إلا إذا أحاطته راحتا عاشقٍ حنونتين، تُخفّفان رعشته... تحملان ولاّعة الأمل، وَعُود ثقابٍ يتوهج حبًّا، يُضيئ منارة النّصيب للمخذولين من الحب. إنّما هذه الشمعة ما زالت تحت نير الجفاء الظّالم... منذ أن قمن الفتيات بثورة غرورهنّ، وقمعن الوفاق عن عرشِ اتّزانهنّ، ولفّت سنين الوحدة الباردة الشّمعة المسكينة، وما زالت تنتظر نسمات الحنان الدّافئة.

كم عظيمة هذه الشّمعة، فإنّ فتيلها بقي يُتابع سَير نجم حب، حتّى أزال عنه بقعة الحُزن، ورفض نصيحة البصّارين... نفضَ عن الشمعة أي شفقة من عابر ينحني فوقها ليواسيها. هذا الفتيل الصّامد في حضن الشمعة الخامد، لا يُريد عشاقًا يستسلمون لبرد الوحدة، الذي يزيد من يأسهم، بل يناشدهم بألاّ يلاحقوا مُجدّدًا متاهات عيون الفتيات الفظيعة التي لا تنتهي أبدًا، لكن... رغم صِغَر حجم فتيل الشّمعَة، إلاّ أنه استطاع أن يُقصي حاجب الليل الخبيث، الذي كان واقفًا عند باب الظُّلمة، وفسح المجال للشّبّان برؤية بزوغ فجر التفاؤل.

بدأ فتيل الشمعة يُلهب عروق العشاق بنشوة الاشتياق اللِّحوحة، فراح يشمخ إلى أعلى واخترق ضباب الظلام الذي حجب عنه رؤية الوجوم على وجوه العاشقين، فأمرهم بأن يُخرجوا من عقليّتهم تصوّرًا ورديًّا للحب، كي يَسيروا على دروب اللحظات السّعيدة، ليشعِلوا الشّمعة، يُساعدهم الفتيل على نسيان حكايات الفتيات اللائي حطّمن أبواب الألفة مع العاشقين، وأن يرموا مواقد أعذارهن... وأن يغطّوا جمار رفضهن الكاوية، برماد النّسيان، فتلك الفترة الأليمة فرّت مولولةً، بينما الشمعة تُريدهم أن يفتحوا ساحات الفرج للأفراح القادمة.

تحسست الشمعة أملاً جديدًا، بدأت تشعر برعشة الحرارة تسير في فتيلها، فطلبت منه أن يفتش عن مصدر هذه الرعشة... فوقف في حضنها، ونظر إلى شق الفجر، رأى شمس الآمال تشرق ثانيةً، يرافقها ظل ما، لم يستطع التعرف عليه، بعد قليل تبين له أنه ظل عاشق يستعر قلبه حبًّا، فبدأ يقترب بلهفة من فتيل الشّمعة، حاملاً بيده شعلة النَّصر التي منحته إياه فتاته، بعد أن ركضَ في ميدان صبره لعدّة أيّام، وانحنى إجلالاً أمام عظمته، مضيئًا الشمعة التي لمحت لأول مرة شَفَتي عاشقٍ ترسمان ابتسامة الغلَبة.

تأججت مشاعر الشمعة من هذا المنظر المؤثر الذي غمرها سعادةً، وراحت مقلتها تذرف دموع الفرح التي كانت أسيرة الكرب... فانحدرت دموعها اللزجة ببطء شديد، ولسعت قلوب العشاق الحائرين من قدرة ذلك العاشق، الذي استطاع إشعال فتيل الشمعة مع حبيبته، تاركةً الأعذار السخيفة للأخريات، فكسَرَ نور الشّمعة أجنحة الليل الطّويلة، وانتشر لهيبها بين العشّاق.