كثيرة هي المشاهد التي تصورها العين وكثيرة هي المشاهد التي تمحي من الذاكرة لكن الصور التي شاهدتها هذا الأسبوع وفي الساعة الأولى للخبر المشؤوم برحيل المربي شفيق عزام بقيت في ذهني وذاكرتي خاصة عندما وصل إلى بيت المرحوم جيرانه من عائلات أبو عبيد وأبو رعد وغيرهم من جيران العمر حيث احتضنوا أنجاله الدكتور زاهر والدكتور كميل والكبير الياس جبور فقد كانت صورة رائعة مثلت المشاعر والأحاسيس التي يشعر بها الشفاعمري الأصيل .. في نفس الموقف وقف الجار معين أبو عبيد مكلفا أهل المرحوم إلى بيته بعد مراسيم الدفن فكان مشهدا اخويا كانت قمته عندما دعا إمام الطائفة الدرزية وباسم الوفد المرافق عائلة المرحوم لبيت الطائفة الدرزية لاستقبال المعزين .. مشاهد حقيقية تمر وسط دموع الفراق لكنها بعفوية شفاعمرية هي وصية المرحوم هذا الرجل الذي أراد لبلده أن تكون عائلة واحدة هو المعلم الذي أصر مع زملائه فتح المدرسة الأسقفية عام 1948 من اجل تعليم شباب البلدة وبعدما أغلقتها السلطات في تلك الفترة .. هكذا كان المرحوم في أول خطواته وهكذا أغمض عينيه على مشهدا شفاعمريا وذهب ليحلم برحمة الرب..
كنت بين المئات من الذين ودعوا المربي إلى مثواه الأخير شاهدت الوجوه الحزينة على دوار الشهداء في شارع توفيق زياد .. شاهدت شعبا بكل أطيافه ومذاهبه .. كانوا كما أرادهم طائفة واحدة .. لم تتجمع هذه المئات صدفة بل التقت بمحطة إنسان نذر حياته لعمل البر فكان بستان وكان مرج الخير .. لا اعرف لماذا تذكرت قول المرحوم العم أبو الياس جبور جبور عندما قال مرة : " هناك من يظن بان القحط هو قحط القمح والشعير لكن القحط الحقيقي هو قحط الرجال"
فما أحوجنا في هذا البلد لرجال كالمرحوم وما أحوجنا في هذا المنعطف الحاد لقول الحقيقة لتضيء لنا الطريق إلى الله .. وما أحوجنا لرجال الخير بدون أي مقابل
قال لي احد الأخوة الذين زاروا المرحوم أبو زاهر في المستشفى قبل أيام عندما سأله عن أمور تخص الوقف المسيحي وبصفته مسؤول الوقف .. لقد أراد المرحوم أن يطمئن في ساعاته الأخيرة وقبل ان يغمض عينيه على كل الأشياء التي كلف بها .. عرف المعلم والمربي كيف يحمل الأمانة وشعلة الحق .. فما أروعك أبا زاهر ما أروعك معلمي فأنت ملح المدينة وطوق ياسمينها .. تبقى على أصوار قلوبنا طيرا يغرد في المناسبات والتي تجمع الأهل وتبقى ابن العم صبري بقنبازه الأزرق السماوي .. تبقى الجار وابن البلد وتبقى منارة الأحرار وابن الله .. تحيطك وتلفك رحمته برق الياسمين يا خصلة عطر ويا خصلة نهر يسير في سبيل الوطن