[x] اغلاق
درامــا البيئــة الشفاعمريَّــة
13/10/2016 9:14

درامــا البيئــة الشفاعمريَّــة

بقلم: مارون سامي عزّام

نشاهد يوميًّا أفلامًا سينمائيّة... نُشاهد أيضًا مسلسلات تلفزيونيّة يوميّة، بعضها تكون أحداثها مُطوّلة، كالمسلسلات التركيّة، بهدف الرّبح التجاري المحض، ولكن هذه الأعمال الترفيهيّة لها مدة زمنية معيّنة وتنتهي، بعد أن تمتّعت العائلة بمشاهدتها، بينما هناك أعمالاً بيئيّة غير شاميّة، بل أقول إنها دراما بيئيّة شفاعمريّة واقعيّة يوميّة، تحكي عن معاناة الناس من انتشار القذرات والنفايات في أحيائهم ومحيطهم، وكذلك في المنطقة الصناعيّة المنتجة للنفايات السّامة والخطيرة، التي لا رقيب عليها.

تتناول هذه الدراما، قضية تقاعس المسئولين في البلديّة المنحل ائتلافها، عن معالجة هذا الوضع المذري الذي وصلت إليه شفاعمرو، بيئيًّا وصحيًّا، وتُظهِر الإثارة الحوارية بين المواطنين وأعضاء البلديّة، لإضفاء التّشويق الدرامي على أحداث البيئة الشفاعمريّة... لمحبي رؤية هذه الدراما البيئية المثيرة، يمكنكم معاينتها يوميًّا وعلى مدار السّاعة، أينما توجّهتم، وأينما سرتم سواءً سيرًا على الأقدام، أو خلال قيادتكم لسياراتكم.

لن يتخلّص النّاس من هذه المشاكل البيئيّة، إلاّ إذا قاموا باحتجاجات ضد المسئولين، كما فعل اللبنانيّون خلال أزمة النفايات، حتّى كمّوا أفواههم بالكمامّات نتيجة انتشار الرّوائح. الوضع السّياسي بين شفاعمرو ولبنان متشابهًا إلى حدٍّ ما، فهناك يعانون من أزمة سياسية مستديمة، كذلك الأمر عندنا، هناك تناحر بين الفرقاء السياسيين، كذلك عندنا، لكن الفرق الوحيد أن المشاكل في لبنان إقليميّة، بينما هنا ما زالت محليّة.

البيئة النّظيفة يجب أن تكون الحديقة الخاصّة التي يرتاح فيها المواطن... لكنّه للأسف يشعُر يومًا بَعد يوم أن صحّته مُعرضة لهجمات الأمراض الخبيثة غير المرئيّة، وجسده بات مخزًنا للجراثيم والفيروسات، عِوَض المكبّات القانونيّة، التي تحوّلت إلى بؤَر نتنة، تُعكّر أجواء الأحياء المجاورة، هكذا تحوّلت رئتَا المواطن إلى شفّاطة تسحب الهواء الملوّث، عِوَض المكانس البلديّة التي من المفروض أن تشفط غبار الشّوارع.

التعامل الوحشي لعمّال النظافة مع الحاويات غير مسبوق، لا يُرفقون بممتلكات الغير، فيجدها العديد منّا صباحًا إمّا مكسورة، أو لا يُعيدونها إلى أماكنها، تارة أخرى يجدونها تُغلق مداخل بيوتهم، فيتعذّر عليهم الدّخول إلى ساحاتهم بسيّاراتهم... وأحيانًا يجدون الحاويات منصوبة كالفزاعات وسط الشارع، مُلقاة أرضًا كجيَف هامدة عفِنة، هذه ليست نظافة بيئيّة، إنّما تُسمّى فظاظة بشريّة.

خلال موسم الانتخابات يصبح صوت المواطن "كنزًا ثمينًا!" بالنسبة للمرشّحين، يتحكّمون بميوله السّياسية، ليسوّقوا له برامجهم يتوسّلون أن يمنحهم شرعيّة صوته، وبعد انتهاء المعركة الانتخابية، توضع طلبات المواطن على رف النّسيان، فتبدأ "معركته الطويلة" مع إدارة البلدية والمسئولين، التي تستمر لخمس سنوات من المماطلة، وحقن تفكيره بإبَر الأعذار البيروقراطيّة.

نرى هذا المواطن السّاذج يرتاد دار البلدية يوميًّا، يتراكض كالتائه بين أروقتها، يأمل أن يتلقّى أبسط الخدمات، يتوسّل الأعضاء الكرام، ليُنقذوا بيئته القذرة من الأوبئة، فيوعدونه بوعود جوفاء، ولا يجد جوابًا لمعضلته... الوضع الحالي غير مُبشّر فشِبه الإدارة، مشغولة بكيفيّة الحفاظ على بقايا فسيفساء ائتلافها. أعتقد أن المحافظة على بيئة نظيفة وآمنة، من المهمّات المستحيلة للبلدية، المنغمسة في قضايا أكبر، مثل إعادة تركيب الائتلاف غير الممكنة، فهي ساهمَت أيضًا في ترسيخ هذه الأزمة البيئيّة، كما البلديات السّابقة.

هذه المشاكل البيئيّة، لم تجتاح فقط الأحياء النّائية، المترامية عند أطراف المدينة، بل طالت حتّى كافّة أحياء شفاعمرو، وخصوصًا البيئة الحضارية، وأقصد المواقع السّياحيّة المهملة، باستثناء قلعة الظّاهر عُمر، التي تحظى برعاية خاصّة سنويًّا، من خلال إضاءتها بأنوار ملوّنة وباهرة، لأنها أبرز مَعلَم أثري وحضاري!! بينما بقيّة المواقع السياحيّة الأثرية، نجدها محاصرة ببيئة مهملة وقذرة، لا يمكن تصوّرها أبدًا، بيئة مخجلة لا تُشرّف تاريخ هذا البلد العريق، فالأشواك تحاصرها من كل الجهات، يعني النظافة والرعاية مُغيّبتَين كليًّا، إذًا هذه هي الخريطة السياحية الشّائكة، التي نشرها قسم السياحة، للإسرائيليين والعالم عن شفاعمرو، صوّرها على أنها تجهل تاريخها الأثري الغني بالأحداث المفصليّة!!

إن مشاهد القذارة والنفايات والفضلات، تقشعر لها الأبدان، الروائح الكريهة المنبعثة منها، تُسبّب الغثيان، الحاويات التي طفحت بالأوساخ، تُذكّر المواطن الشفاعمري، أن الأزمة الائتلافية التي تلف أجواء الإدارة المشلولة، ألقت ظلالاها على كل مناحي الخدمات. هذا المسلسل البيئي الشفاعمري من إنتاج الاستهلاك اليومي أو التجاري أو الصّناعي، مواقع أحداثه في الأحياء والأزقّة والمنطقة الصناعيّة المنكوبة بيئيًّا، الإخراج الرّديء لبلدية شفاعمرو، فهي المسئولة الأولى عن هذه المشاهد البيئيّة الدراميّة المحزِنة والمخزية.