[x] اغلاق
إنسحاب دولة جنوب إفريقيا من المحكمة الجنائية الدولية صفعة موجعة لأمريكا... فليتعلم العرب منها
26/10/2016 7:37

إنسحاب دولة جنوب إفريقيا من المحكمة الجنائية الدولية صفعة موجعة لأمريكا... فليتعلم العرب منها

الإعلامي أحمد حازم

المعروف أن أمريكا كثيراً ما تهز العصا للدول التي تخالف أوامرها، او قادة الدول (وخصوصاً العرب) الذين لا ينفذون ما تريده الإدارة الأمريكية، إن كانت واشنطن على حق أو على غير حق، لأنها تعتبر نفسها سيدة العالم. وأذكر أن وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي، وخلال مقابلة لي معه، طلب مني إغلاق آلة التسجيل بعد أن شعر بإحراج من سؤال وجهته إليه، وقال لي  بصراحة: " لا يوجد ملك أو رئيس عربي يستطيع قول لا لأمريكا، فلا تحرجني أستاذي الكريم بأسئلتك".

ما قاله الوزير اليمني تذكرته هذه الأيام عندما قرأت أن رئيس دولة جنوب إفريقيا قرر سحب عضوية بلاده من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي (هولندا)، والتي تهيمن عليها واشنطن كليا، غير مهتمة بتحذيرات الولايات المنحدة وحلفائها. تصوروا أن السبب هو القرار الظالم الذي أصدرته محكمة الجنايات الدولية بملاحقة الرئيس السوداني عمر البشير بحجة ارتكابه جرائم في السودان. ولم نسمع عن أي دولة عربية تجرأت وانتقدت القرار ولو قولاً، بينما دولة جنوب إفريقيا فعلت ذلك قولاً وفعلاً. فأين الأشقاء العرب، وأين الجامعة العربية؟

دولة جنوب إفريقيا تعتبر بدون شك دولة عظمى في القارة الافريقية، ولذلك ترفض ان تتعرض كرامتها للمس من محكمة عدل دولية (؟!) هي نفسها لا عدل في قراراتها، لأنها تتبنى أجندات عنصرية، وتخضع كلياً للولايات المتحدة. كما أن هذه الدولة الإفريقية أول بلد  ينسحب من المنظمة الدولية  التي ترفع شعار العدل ولا تعمل به، والتي أصبحت تركز فقط على الأحداث في القارة السوداء،  وعلى ملاحقة الأفارقة بتهم جرائم حرب. وقد نظرت محكمة لاهاي منذ تأسيسها عام 2002 في ثلاث وعشرين قضية تتعلق بإفريقيا فقط، وكأن المحكمة مختصة بالقارة السوداء دون سواها، ولا تستطيع أن تتحدث عن العدل إلا على الأفارقة. 

وبالرغم من أن أمريكا هي صاحبة تاريخ أسود ضد الإنسانية، إلا أن هذه المحكمة لم تتحدث عن الإجرام الأمريكي في العالم. حتى أن بعض المؤرخين يرى أن الولايات المتحدة هي أكثر الدول دموية في التاريخ. وقد ذهب المفكر الأمريكي ناعوم شومسكي الى أبعد من ذلك في تحليله للرؤساء الأمريكيين، حيث قال: " من وجهة النظر القانونية هناك ما يكفي من الأدلة لاتهام كل الرؤساء الأمريكيين منذ نهاية الحرب العالمية بأنهم مجرمي حرب، أو على الأقل متورطون بدرجة كبيرة في جرائم حرب."

لقد رفضت هذه المحكمة طلبات قدمتها منظمات حقوقية ودول لمحاكمة مجرمي الحرب من الدول الكبرى مثل أمريكا، عن جرائم جنودها في أفغانستان والعراق. ورفضت طلبات لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين عن جرائمهم في العدوان على غزة عام 2008، واستخدام أسلحة محرمة كالفسفور واليورانيوم المشع وقنابل الأعماق وغيرها لقتل أطفال ونساء وشيوخ غزة. وفي كل مرة كانت الجنائية الدولية ترفض إصدار قرار للتحقيق في جرائم أمريكية أو إسرائيلية أو أوروبية، وبالمقابل قبول التحقيق مع دول إفريقية فقط،  حيث كانت ازدواجية المعايير واضحة.

وإذا كانت أمريكا مهتمة بنشر العدل ودعم  قرارات محكمة الجنايات الدولية من خلال المساواة ( وهذا ما لم يحدث)،  واذا كانت هذه المحكمة مهمة لدرجة كبيرة وتحقق العدل فعلاً، فلماذا لم تنضم الولايات المتحدة إلى معاهدة روما التي انبثق عنها تأسيس محكمة الجنايات الدولية. ويبدو بوضوح أن واشنطن تخاف من ان يكون مسؤوليها وكبار قادتها العسكريين  اول الملاحقين للمثول امام محكمة لاهاي.

على أي حال، فإن إقدام دولة جنوب إفريقيا على الإنسحاب من محكمة الجنايات الدولية، هو بلا شك صفعة قوية لواشنطن، وخطوة مهمة في رفض الهيمنة على منظمات الأمم المتحدة وهيئاتها الدولية. وما دام هناك دول ترفض الخنوع  لواشنطن وترفض التبعية والظلم، فالعالم لا يزال في خير، وليتعلم الرؤساء العرب من خطوة دولة جنوب إفريقيا.