[x] اغلاق
وَلِكُلِّ أمْرَأَةٍ.. حِكايه
30/11/2016 12:05

وَلِكُلِّ أمْرَأَةٍ.. حِكايه

بقلم : سعاد عوض سواعد
حكايتُها ككلِ الحكاياتِ بَدَأتْ بسردِها من مرحلةٍ ليستْ هي البدايه وانطَلقَتْ منها الى طريقٍ ما زالت تسلكه مواصلة السير بخطىً ثقيله علها تصل يوما ما الى نهاية سعيده، أو تعاود الكره من جديد لتسلك درباً مختلفاً لبدايةِ ترحالٍ آخر لا تعرف وجهته ..
ُ محلُها صغيرٌ ضيق دخَلْتُهُ بحذرٍ وانا أتفحص اللافتة المعلقة فوقَ بابِ المدخلِ والمكتوبة باللغتين العبريه والروسيه ..  امرأه أربعينية جميله ممتلئهٌ بعضَ الشيء منكبة على ماكنتها تعمل بجهدٍ دونَ توقف رَمقطني بنظرةٍ فاحصةٍ هادئه وقالت لي بالعبريه بلكنة روسيه بارزه: إجلسي من فضلك وانتظري بضعَ دقائق حتى أكمل ما بيدي وأَتفرغَ لخدمتك.. أومأتُ بالايجابِ وجلستُ في زاويةِ المحلِ بالقربِ منها.. عَلا صوتُها دونما تناسقٍ مع نظرتِها الهادئه ...
لدي الكثير اليوم وملزمة بالعملِ حتى ساعة متأخره فيجب أن أدفع عاجلا قسطَ الجامعةِ والسكنِ لإبنتي ..
وهل لكِ ابنة في سنِ الجامعه؟
نعم لي ابنه وحيده اتيتُ بها الى البلادِ طفلة رضيعه بدون مال او مهنةٍ أو عائلةٍ تدعمني..
عذراً على السؤال : هل هي بدون أب ؟
لم استطع احتمالَ عنفِهِ وتعنيفِهِ لي لأتفهِ الاسبابِ ولمْ تشفع دموع صغيرتي لها فطالها ما طالها وهوَ في أوج ضعفِهِ ..
بقيَ هناك في أُوكرانيا وحدثَ الطلاق لاحقاً بعدَ قدومي وابنتي الى البلادِ بعدَ سنين معاناة أَمضيتها بينَ محكمةٍ وأخرى.. مارستُ أشقَ الاشغالِ لأدفعَ تكاليفَ المحامين وأَعتني بها، أدخلتها مدارسَ خاصه حتى كبرت ووصلت إلى كلية الطب بجامعةِ تل أبيب وهي الان في سنتها الرابعه ..
وبينما نحنُ في أَوجِ حديثِنا دخلَ طفلٌ لا يتجاوز السابعةَ من عمرِهِ دونما استئذانْ، يشْبِهُها بلونِ عينيهِ الزرقاوين وشعرِه الاشقر، ركضَ إِلى حضنِها وقبَّلها .. كاك ديلا?
أَنا بخير شكراً جزيلا لك.. أجابَتْهُ بعدَ أن ضمَّتهُ إِلَيها وطبَعَتْ قبلةً على جبينهِ ..
إنطلقَ يفتحُ دواليبها ويُقَّلِبُ قماشَها بحريةٍ مُطْلَقَه وعادَ إليها احتضَنها بقوه، قبَّلَها وخرجَ مسرعاً ..الى اللقاء حبيبي أراك في الغد ...
استأذنتني وأَخرَجَتْ سيجارةً من حقيبتِها وأشْعلَتها قائلةً  أُحِبُ هذا الطفلَ منْ صميمِ قلبي.. فبادَرتُها :
أولم تُخبِريني للتو بأن لكِ ابنة واحده..
دا ..نعم .. هذا الطفل هو ابنٌ لمن كادَ أَن يكونَ زوجي ..
واستَرْسلَتْ حديثَها قائلةً: كنا عائلة واحده إلى أن هجرني والدَهُ قبلَ بضعةِ أشهر ..
نعم لقد تركني هذا الغبي.. أولاده  يحبونني ويصعب عليهم فراقي فياتوا لزيارتي بشكل دائم ..
ولكن عذرا مجدداً على السؤال..
لماذا اختار هو ان يتركك?
لأنهُ يدَّعي بأن شخصيتي أَقوى من أَن يتعايشَ معها ...
فقلتُ مبتسمه مغيرةً وجهةَ الحديثِ عنهُ  اليها .. وما ردك على ذلك?
إنْ لمْ أكنْ كما أنا لكنتُ الآن أجول متسولةً في الشوارعِ والحاراتِ ولكانتِ ابنتي في أَحدِ مراكزِ التاهيلِ ..هذا باحسنِ الاحوال ..
والمضحكُ بأنهُ على حدِّ قولهِ لم يشعر بكونهِ رجلا برفقتي..هذا المتخلف أَنا التي يجب أَن أَشعرَ بأنهُ رجل .. أما هوَ  فيجدر به أن يكونَ فعلا كذلك.. ولكنه اختار ان لا يكون .. ليخذلني رجلٌ آخر في حياتي ...
أشعر بانني امرأة بكل ِمقومات الأُنثى ورجلا حينما يتطلب الامر ذلك ..تركني ولكنني بقيت على قيد الحياه .. وعلى قيد الكرامه ..  لا يستحق ان أحزن لأجله.. قالتها والدموع تغمر عينيها المتعبتين..
أحسست بانها كما الخريف هيَ تثورُ رياحُه منبثقة من أوجِ صمتٍ الهي عميق فينقلب الهدوء محدثاً ثورةً كتلكَ الثوراتِ التي تقومُ على أَنقاضِ حكمٍ قد خذلَ الثائرين فأتى مِن بعده مَن هو أسوأ منه  فتمنوا لو لم يثوروا يوماً...
راقني عنفوانها وضعفها في آن واحد وأحسست بأنها وبرغمِ كل ما لاقته استطاعتْ أن تلملم اشلاء ذاتها وتعيد صقلها بعزيمةِ  الأنثى وذكورية الرجل ومن غير حثلنه ..
شعرت بالأسى من أجلها ولكنها لربما قد فعلت الصواب فالمرأة التي تعطي أعذاراً لتعنيفها في أول مره هي ذاتها التي تفتح أبواب شرعية تعنيفها مرة أُخرى وأُخرى ومن يستهين بكفاحها وأصرارها لا يستحق امرأة مثلها ..
وما زلت لا افهم لماذا أختارت ان تدَوِّن قصتها على أوراق ذاكرتي ، هل قرأت في ملامحي بأنني لا أطيق أن تُظلم انثى؟ أو لأنها صديقة لزميلة عزيزه لي ؟
وخرجت دون ان أعي بان الليل قد اسرع خطاه مقبلا حاملا معه رياحاً شديدة البروده ولكن نفسي المتخمه بقصص تلك السيده جعلتني غير آبهه ببروده الجو خارجاً وأدركتُ بأن بعض النساءِ ليس لهن خيارات بأن يكنَّ ما هنَّ عليه ..  فهي تتأرجح على حبال الرجوله في حين لا تبذل أي جهدٍ للاقناع بأنها متخمة بالأنوثه .. ولا يهم من اي عرق او ديانة تكون.. لا بأسَ بأن تكونَ رجلا وامرأه في آنٍ واحد، فلربما ذلك أفضل من أن تكون امرأةً في حين ينبغي أن تكونَ رجلا .. ورجلا حقيقياً ..