مرة أخرى يضرب العنف في مجتمعنا وبعنف مضاعف، وبشكل تصاعدي مخيف. وهذه المرة كانت مدينة طمرة الجارة مسرحا للعنف المستشري والمستفحل في مجتمعنا كمرض السرطان، يفتك بنا ونحن عاجزون عن مواجهته والتصدي له. مرة أخرى طيش وجهل الشباب هو الذي يقود للمآسي. مجموعة شباب تلتقي في تنافس صبياني والنتيجة طعن قاتل يودي بحياة شاب لعائلة كريمة، ولبيت من المفروض أن يكون عموده الوحيد، وبعد أيام حادثة طعن مشابهة، وكأن الطعن والقتل بات أمرا عاديا كأي أمر نمارسه في الشارع دون خجل أو اعتبار.
وفي شفاعمرو لم تهدأ الحال بعد، وشهدنا خلال الأسبوع المنصرم توترات لا تنبيء باستقرار الوضع كما تصور البعض. والتوتر سيبقى طالما لم ينفذ المسؤولون ما وعدوا به، ظن الكثيرون أن الأمور عادت الى طبيعتها وأغمضوا عيونهم وأغلقوا آذانهم عن اشارات التحذير. وفي اكسال وعيلوط والناصرة وغيرها وغيرها، ومسلسل العنف مستمر في بلدات المثلث بحلقات متكررة.
العنف الذي يجتاح مجتمعنا ليس ضربة خارجية، بل هو من داخلنا وصنعنا، وان كانت العناصر الخارجية تغذيه وترعاه أحيانا. والحل يجب أن يأتي من داخلنا وابتكارنا، وبدل أن نعقد أياما دراسية ومؤتمرات لدراسة أسباب العنف ونحلل أكاديميا جذوره وعوامله، نحن نحتاج لجلسات عمل لأصحاب الشأن، لاتخاذ القرارات ووضع المخططات العملية لضرب العنف في عقر داره وشل حركته، فالشاعر قال قديما "وداوني بالتي كانت هي الداء". وطالما أننا نخشى العنف ونخافه ونبتعد عنه ونهرب منه، سيبقى يطاردنا ويلاحقنا، أما اذا تصدينا له وواجهناه كما يجب فسيكف شره عنا.
ومجتمعنا يتأثر ويتفاعل مع المجتمع اليهودي، وما شهده ذلك المجتمع في الأسبوع الأخير من تصاعد همجي ووحشي في الاجرام والعنف لايمكن وصفه. حيث أقدم مجرم لا يمكن أن تكون فيه ذرة من الانسانية على ذبح أبناء عائلة كاملة من ثلاثة أجيال، وابشع ما في الجريمة ذبح طفلة (ثلاث سنوات) وطفل (خمسة شهور) وتحطيم جمجمته بضربه بالحائط، أيمكن للحيوان أن ينفذ عملا بشعا كهذا؟
نقاش عقلاني يساهم في الارتقاء
يخوض سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، المحامي أيمن عودة نقاشا فكريا مسؤولا وعقلانيا عبر صفحات "الاتحاد" مع الأحزاب والحركات الأساسية في المجتمع العربي والفاعلة على الساحة السياسية وهي التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الاسلامية (الشمالية) وأبناء البلد، حول قضايا اختلافية مثل انتخاب لجنة المتابعة العليا، حل الدولتين أو الدولة الفلسطينية، المشاركة في انتخابات الكنيست. هذا النقاش والذي يأتي كمبادرة جديدة من سكرتير عام الجبهة انما يرتقي بالنقاش بين الأحزاب الى المستوى الفكري والعقائدي المطلوب، وليس كما شهدنا طوال السنوات الماضية من تبادل للشتائم والاهانات بشكل سوقي غير مشرف، ولا يجذب اليه المثقفين والعقلانيين، انما كان يبعد الناس عن الحزبية والأحزاب. وهذا النقاش الجديد ورغم الخلاف الفكري، وهو الأمر الصحي والمطلوب، انما يعزز دور الأحزاب ويعيد الثقة الجماهيرية لها، فما نريده هو نقاش يغني ولا يفقر، نقاش يقرب ولا يباعد يقوي ولا يضعف.
لا شك أن أصواتا عقلانية أيضا صدرت في الأحزاب والحركات الأخرى، وكان مقال رئيس التجمع الوطني، الأستاذ واصل طه حول انتخاب لجنة المتابعة مؤخرا في "فصل المقال" وغيرها مساهمة جدية في النقاش العقلاني المطلوب. هذا ما نريده من أحزابنا الوطنية وهذا ما يجب أن يتعزز، ويستطيع كل حزب أن يدافع عن مواقفه وأفكاره بشكل عقلاني وحضاري بشكل يبث فينا الرغبة في قراءة أفكار كل حزب، وقبول ما يعجبنا والاعراض عما لا يعجبنا. ويجب الابتعاد عن أسلوب الردح الذي يغذي العنف أيضا، والاتجاه نحو النقاش العقلاني الذي يساهم في نبذ العنف الاجتماعي والسياسي، وبناء مجتمع حضاري.