[x] اغلاق
عرب برلين يهتمون بالأكل وليس بالثقافة ولا وجود لمكتبة عربية
10/5/2017 7:19

عرب برلين يهتمون بالأكل

وليس بالثقافة ولا وجود لمكتبة عربية

الإعلامي أحمد حازم يكتب من برلين

السنوات الطويلة جداً، التي عشتها في برلين، جعلتني بدون اشك اعتبر هذه المدينة وطني الثاني. فكلما أزورها كل عام، بعد مغادرتي لها قبل عشرة أعوام، أرى فيها تجدداً ثقافياً، وتعود بي الذاكرة إلى الفترة التي قضيتها في مدينة القياصرة والمتاحف، حيث اخذت برلين ثلاثين سنة من عمري،  حيث كانت هذه السنوات بالنسبة لي فترة رائعة تعلمت فيها الكثير ولا سيما على الصعيد الثقافي.

العاصة الألمانية برلين تعتبر أجمل مدينة في أوروبا. ومن صفاتها المعروفة التي تميزها عن غيرها من عواصم الاتحاد الأوروبي، أن ثلثها أبنية وثلتها الثاني بحيرات وجداول والثلث الآخر غابات. وبذلك فهي المدينة الوحيدة في العالم التي تحمل هذه الصفات. وأنا أسمح لنفسي أن أضيف انها مدينة الثقافة. وليسامحني عمدة مدينة ميونيخ العريقة تاريخياً، إذا أعطيت هذا اللقب للعاصمة برلين، لأن ميونيخ معروفة في أوروبا انها مدينة الثقافة والفنون. لكن برلين، التي احتضنتني حوالي ثلاثة عقود من الزمن، رأيت فيها ما لم أره في عواصم عالمية  زرتها، ولم أر في كافة العواصم الأوروبية، التي وطئت قدماي أرضها مرات كثيرة ما رايته في برلين.

شبكة مترو الأنفاق في العاصمة برلين، والتي تم بناؤها في العام 1902، تعتبر من أكبر شبكات المواصلات في العالم. وهي أسرع وسيلة لنقل الركاب، حيث تتكون الشبكة من مائة وسبعين محطة تنتشر عبر عشرة خطوط، يبلغ طولها 152 كيلومتراً وتنقل حوالي خمسمائة مليون راكب. والأمر الملفت للنظر أنه يتم في الفترة الصباحية الباكرة، أي في موعد ذهاب العمال والموظفين إلى أماكن عملهم، تشغيل مترو كل دقيقتين ونصف، وكل خمس دقائق لبقية اليوم، وفي المساء كل عشر دقائق.

والشيء الذي يدعو إلى الإعجاب ان عملية استخدام المترو تسير بهدوء، وكل شيء يسير عبر الآلات الالكترونية، فلا وجود أي موظف في محطات الأنفاق. والأمر الأهم الذي يلفت النظر ان ركاب المترو لا يتحدثون ولا يثرثرون ولا ضجيج يصدر عنهم. وكل راكب يحمل معه كتاباً أو صحيفة ويقرأ خلال رحلته، بدلاً من إضاعة الوقت واستراق النظر إلى الآخرين. بمعنى أن المواطن الألماني لا يضيع الوقت سدى.

وكثيراً ما أستخدم المترو في تنقلاتي كونه أسرع وسيلة مواصلات. وذات مرة خلال استخدامي للمترو في وقت لم يكن فيه ازدحاماً، نسيت أن أشتري صحيفة، ومن عادتي أن أشتري يومياً صحيفة ألمانية لمتابعة آخر التطورات على الصعيد المحلي.  وقد لاحظت اني  الراكب الوحيد في العربة التي صعدت إليها، ولم يكن معه كتاب أو صحيفة. الأمر الذي أثار غريزة حب الإستفسار لدى جاري الألماني.

وقد لاحظت أيضا أن هذا الألماني الذي كان يقرأ في كتاب، كان ينظر إلي بين الحين والآخر،  ولم يتمالك نفسه، واستأذن مني بطرح سؤال، فاذنت له بذلك. وسألني: "حضرتك عربي؟"، فأجبته بنعم. واكتسبت انطباعاً من هذا المسافر الألماني (الحشري) أنه شعر بالسعادة لاكتشافه اني بالفعل عربي كما توقع. لكني لم أتركه وشأنه، وجاء دوري هذه المرة، حيث سألته بتفس الأسلوب الذي سالني فيه: كيف عرفت حضرتك أني عربي؟!، فأجابني بابتسامة يستشف منها أنها ابتسامة خبث، تحمل طابع الإهانة: "لأنك لا تقرأ أي شيء يا سيدي، وهذه صفة من صفات العرب. فلا تغضب مني، فالإحصائيات والدراسات تقول ان العرب شعب غير قاريء.

 ولم أتابع الحديث مع هذا المسافر الألماني القاريء لأنه على حق، وأدرت وجهي باتجاه آخر، ونزلت من عربة المترو في المحطة التالية، أي بعد دقيقة ونصف، وأنا أتمتم وأتحدث مع نفسي متسائلاً: "لماذا نحن العرب هكذا"..؟!!

وما سمعته من هذا الألماني أعاد إلى ذاكرتي حقيقة مرّة وقاسية، وهي أن معدل متوسط القراءة لدى المواطن العربي هو فقط ست دقائق في السنة، بينما يقرأ الأوروبي في العالم الغربي ما معدله 12 ألف دقيقة في السنة. والحقيقة الأقسى من ذلك أن الفرد الأوروبي يقرأ بمعدل 35 كتاباً في السنة، لكن في عالمنا العربي فإن كل ثمانين شخصاً يقرأون كتاباً واحداً في السنة

الأمر المؤسف والمخزي في نفس الوقت،  ان العرب يهتمون بكل شيء ما عدا الثقافة، وكأن الثقافة وخصوصا القراءة هي عدو لدود لهم لا يقتربون منها وتظل بعيدة عنهم. ويفتخر  (بني يعرب) في برلين بكثرة محلاتهم التجارية ومطاعمهم المتعددة، حيث جعلوا من  شارع شعبي اسمه ( سونن آليه) شارعا لهم،  لدرجة أن البرلينيين على الصعيد الشعبي  بطلقون  عليه شارع العرب. يقع هذا الشارع في منطقة شعبية في برلين اسمها (نويكيلن) معروفة بكثرة الأجانب الذين يسكنون فيها،  ولا سيما العرب.

يلفت انتباه الزائر العربي في هذا الشارع سماع اللغة العربية بكثرة ووجود مطاعم ومحلات عربية متنوعة منتشرة على جانبي الشارع. فمن الشوارما إلى الفلافل مروراً بالفول والحمص إلى الكنافة وغيرها من أنواع الحلوى العربية إلى كافة انواع الخضار العربية. حتى المناقيش بالزعتر والجبنة والعرائس (لحم بعجين) لها مطاعم خاصة بها لكثرة روادها. لكن الأمر المعيب، عدم وجود مكتبة عربية في برلين رغم وجود عشرات آلاف العرب فيها، إذ لا يوجد اي اهتمام  لا بالكتاب ولا حتى بصحافة حقيقية، لأن الأربع مجلات الموجودة التي تصدر شهرياً هي وسائل إعلانية فقط. بمعنى ان العربي في برلين يهتم بالدرجة الأولى في (كرشه) وفي أمور أخرى غير الثقافة أخجل من  ذكرها.