صرح ياسر عبد ربه، امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في العشرين من شباط من العام الماضي (2008) بأنه في حال فشل المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية فإن القيادة الفلسطينية ستدرس اقتفاء خطوات كوسوفو في البلقان التي كانت قد أعلنت عن استقلالها قبل بضعة أيام من هذا التصريح، وذلك إثر الحصول على دعم أمريكي وأوروبي للتخلص من السيطرة الصربية على هذا الإقليم.
إلا أن تصريح عبد ربه لم يؤخذ على محمل الجد دوليا في ذلك الحين بالأساس إثر التفاؤل الذي ساد العديد من الأوساط الدولية آنذاك لاسيما وأن هذا التصريح جاء بعد بضعة أشهر فقط من عقد مؤتمر "أنابوليس" في الولايات المتحدة وفي وقت روج خلاله رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الحين إيهود أولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني وكأنهما قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي!
على العكس من ذلك، فقد توصل العديد من المراقبين الدوليين وليس فقط الكثير من الفلسطينيين إلى قناعة بأنه بالرغم من الإيحاءات الإيجابية التي أطلقها براك أوباما منذ توليه منصب الرئاسة في البيت الأبيض فإن الإدارة الأمريكية عاجزة أو غير معنية بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لتعلن صراحة انصياعها للقانون الدولي وتجميد كامل لنشاطها الاستيطاني في الضفة الغربية، ومن ثم فقد رأى البعض ضرورة بإحراج ليس فقط الحكومة الإسرائيلية بل أيضا الإدارة الأمريكية من خلال طرح مبادرات لتعرية هذه الإدارة وإظهارها كمن تدعم "انتهاكات منهجية" للقانون الدولي!
لقد جاءت خطة الحكومة الفلسطينية لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية خلال العامين المقبلين والتي قدمها الدكتور سلام فياض قبل نحو ثلاثة أشهر لتشير إلى قناعة لدى هذه الحكومة بأنه لا يمكن انتظار شيء إيجابي ملموس من الإسرائيليين في المستقبل المنظور، وبالتالي جاءت المقولة بأن على الفلسطينيين العمل لبناء دولتهم بالرغم عن الاحتلال وبأن الاحتلال لن يجد شريكا لتجميله بل لإزالته.
من الممكن القول الآن بأن المجتمع الدولي، بما يشمل لاعبين دوليين كبار، يختبئون حاليا خلف السلطة الفلسطينية ولاسيما خلف الخطة التي طرحها الدكتور سلام فياض في ممارسة سياسة "القفازات الناعمة" في تعاملهم مع حكومة بنيامين نتنياهو، وفقط في حالات منفردة جرؤ بعض اللاعبين الدوليين على انتقاد نتنياهو علنا، ربما بسبب تخوفهم من أن يتهموا باللا-سامية أو لاعتقادهم بأنه يجب "احتضان" نتنياهو بدلا من صده.
في الأسابيع الأخيرة لم يعد يقتصر الأمر على الحكومة الفلسطينية بل امتد ليشمل قيادات فلسطينية أخرى، من بينها تلك التي آمنت بالمفاوضات مع إسرائيل، التي باتت مقتنعة بأن على القيادة الفلسطينية التوجه إلى المجتمع الدولي للمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني بدلا من حالة الجمود الحالية أو العودة إلى مفاوضات "عبثية" مع الجانب الإسرائيلي.
من المفارقة بمكان تزامن هذه المطالب ولاسيما النداءات التي تتحدث عن محاولات للحصول على اعتراف المجتمع الدولي بالاستقلال الفلسطيني مع استذكار الفلسطينيين لذكرى إعلان الاستقلال من قبل الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي جاء خلال انعقاد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 15 تشرين ثاني 1988.
بالمقابل، فإن الطرف الإسرائيلي يتخبط إزاء هذه التصريحات الفلسطينية. ففي حين يبدو بأن الرأي السائد هو ذلك المتمثل من قبل رئيس الحكومة ووزيرا الدفاع والخارجية في حكومته وهو الرأي المحذر بأن إسرائيل ستتخذ خطوات أحادية الجانب في حال مضى الفلسطينيون قدما بالتوجه نحو خطوات أحادية لإعلان استقلالهم، فإن أقلية، ممثلة بالرأي الذي طرحه وزير الداخلية إيلي يشاي، اعتبرت بأن الخطوات الأحادية التي قد يتخذها الفلسطينيون لن تؤثر بالضرورة سلبا على إسرائيل.
إلا أن المثير في الأمر هو رأي بعض الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية المواكبة للوضع في الساحة الفلسطينية التي عبرت عن قناعتها بأن الفلسطينيين لن ينجحوا بالحصول على دعم دولي حقيقي من خلال الاعتراف بدولة مستقلة لهم، "ليس بالضرورة لأن المجتمع الدولي يخشى من إسرائيل أو يحترمها، بل لأن الفلسطينيين أنفسهم غير جاهزين للعمل بمهنية وبطول أناة من أجل تحقيق هدفهم هذا".
على الفلسطينيين أن يتذكروا بأن المجتمع الدولي قد يقدم لهم بعض المال، ولكن عندما تحين ساعة الحقيقة فإن المجتمع الدولي نفسه سيتجنب الدخول في أية مواجهة مع إسرائيل، وأكبر مثال على ذلك هو ما يحصل حاليا من جهد دولي "لدفن" تقرير غولدستون حول الحرب على غزة قبل أن يصل إلى مجلس الأمن، وبأن من يشارك في هذا الجهد ليس فقط الدول المعروفة بعلاقاتها الوطيدة مع إسرائيل بل أيضا دولا "صديقة" للفلسطينيين بما يشمل دولا أوروبية بارزة.
كما على الفلسطينيين أن يعوا بأن واقع الحال في فلسطين لا يشبه بالضرورة الوضع الذي أدى إلى حصول كوسوفو على اعتراف أمريكي وأوروبي باستقلالها، فإسرائيل القوية دبلوماسيا وعسكريا لا يمكن أن تقرن مع صربيا الضعيفة، كما أنه يجب عدم نسيان أن إدارة جورج بوش اعترفت بكوسوفو نكاية بروسيا المؤيدة لصربيا وليس بالضرورة بسبب قناعتها بضرورة استقلال كوسوفو!
إذا أراد الفلسطينيون أن يحسنوا أوضاعهم وتعبيد الطريق من أجل نيل دولة عليهم أن يمضوا قدما في تطبيق الخطة التي طرحتها حكومة سلام فياض مؤخرا من جهة ولكن أيضا العمل من أجل إنهاء حالة الانقسام التي شكلت وتشكل وستشكل ذريعة من أجل تنصل ليس إسرائيل وحدها بل أيضا العديد من اللاعبين الدوليين من الإيفاء بتعهداتهم تجاه الفلسطينيين.
إضافة إلى ذلك، يجب على الفلسطينيين دراسة جدوى القيام بنشاطات سلمية تذكر الجميع وبالأخص الإسرائيليين بأنهم لا يزالوا يرزحون تحت الاحتلال، وبالتالي فإن مخاطبة حكيمة ومتواصلة للرأي العام الإسرائيلي هو أمر لا بد منه، ويبقى أفضل من المراهنة على المجتمع الدولي الذي طالما خيب آمال الفلسطينيين!