المسافة بين بيت الطائفة الدرزية في شفاعمرو وكنيسة القديسين بطرس وبولص خطوات قليلة وفي هذه المسافة تسكن بيوت الله منذ مئات السنين وفي عناق الهي, خلوة وجامع وكنيسة وكنيس ..حارة وسوق قديم تطل نوافذه نحو قلعة الظاهر عمر .. هنا ما زالت تسكن حكايا وقصص السلف الصالح وهنا كان اللقاء بين الاهل من طوائف المدينة في محاولة منهم استعادة عاداتنا الاصيلة.. كنت من الذين حضروا لقاء عكا بين الطائفتين الدرزية والمسيحية .. وتبادل الزيارات بين الطائفتين يوم الاثنين الماضي .. وكنت من الذين صفقوا لكل كلمة وجملة خرجت من شيخ وكاهن ورجل سياسة دعت الى المحبة والتعايش والحفاظ على شفاعمرو .. وكنت من الذين شربوا القهوة المرة على مدخل الكنيسة وبيت الطائفة الدرزية فكان المذاق متشابها .. تصافحنا وتعانقنا واستقبلنا وودعنا وفي كل الحالات تبقى الاعمال بالنيات والضمير الحي ويبقى الله هناك وفي كل مكان يطل على خلقه ويعرف لوحده نوايا البشر..
كنت شخصيا مع كل القاءات بعد الاحداث المؤسفة لأنني آمنت بانه في التلاقي نتخطى المرحلة ونعبر جسر الالام والتي بدأت بالافراح ولقاءات رمضان حتى لقاء عكا لتنتهي في الزيارات المتبادلة في مطلع الاسبوع وفي تصافح الأيادي و تبادل الحديث عن وجعنا فهي محاولة للنهوض من كبوة الفارس والخروج من أسفل الوادي فالخيول الأصيلة لا تعرف النهوض إلا بفرسانها .. كان لقاء وكانت زيارات متبادلة وكان غياب للبعض عن الصورة الجماعية والصور التذكارية وكان بعدها همس في الآذان.. وفي كل الحالات ووسط الأشياء الصغيرة كانت شفاعمرو هي الرابحة في السباق .. كان الهمس عن غياب بعض الاشخاص لكننا قوم يعرف ان الغائب يبقى عذره معه ولان المحور شفاعمرو وهي الجوهر.. هي العروس وهي الطرحة البيضاء وهي ربطة عنق العريس.. شفاعمرو هي فرحنا لان الصور الاخرى تبقى صغيرة وتذوب كثلج بلادنا بسرعة.. فمن اختار ان يكون وحيدا أمام شموخ مدينته سيبقى تحت الثلج الأبيض وفي إنحدار الأسوار .. ومن اختار ان يلبس النظارة السوداء على عينيه ستبقى هذه النظارات سوداء لا يتغير لونها ولن يعرف صاحبها لون البحر والسماء وألوان قوس قزح.. ومن اختار نغمة الإنتقاد فقط وأناشيد العنصرية سيبقى يغرد بمفرده خارج السرب لان شفاعمرو هي الباقية في عرشها عروس البحر .
مدينتي ليست نزهة في الإتجاهات الأربعة بل مشروع تربية نكتبه جميعا في بيوتنا الدافئة .. ومدينتي مشروع محبة تكتبه الأحاسيس الصادقة حين يكون الحوار منهجنا وحين يقبل الواحد منا الآخر ومدينتي مشروع سباق يبدع فيه أطفاله رسومات مستقبلهم ..
تحتفل قريبا شفاعمرو بمرور مائة عام على تأسيس مجلسها البلدي .. انها سنوات طويلة في حياة الشعوب ورقما ليس بسهل لكنها رسالة للجالسين على مقاعد المسؤولية في إحداث التغيير الحقيقي والانتقال من الشعارات الجميلة للحالة الواقعية في حياتنا ومنح الشعور بان البلد لأهلها وكل أهلها بعيدا عن النسب المئوية والفئوية والطائفية لان البداية والنهاية بشر يعبد الله الواحد وسفينة اختارت بحرها واختارت قدرها.
في كل الحالات ورغم الالام ونحن عشية الاعياد المباركة نرفع الف زهرة ووردة للعمائم البيضاء والف زهرة ووردة للذين زيّن صدورهم الثالوث المقدس والف زهرة لكل من حاول العبور باهلنا لشواطئ الهدوء والف زهرة لأطفالنا من كل الحارات والاتجاهات حين لفحتهم نسائم اللقاءات والف زهرة ووردة للعروس شفاعمرو تضع ضمتها وباقاتها بيديها في صعود العرش الدائم.