لم يكن إعلان وزير الداخلية في الحكومة المُقالة فتحي حماد عن توافق بين الفصائل الفلسطينية على وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل، يعبر عن الأزمة المكتومة بين حكومته من جهة وحركته حماس ممثلة بكتائب القسام من جهة ثانية، بل عبر الإعلان عن الأزمة والمأزق الذي يعيشه الفلسطينيون والخلاف على كل شيء، والحال التي وصلوا إليها جراء الانقسام.
إعلان فتحي حماد فجر حرباً من التصريحات الصحافية والردود الانفعالية من الكل الفلسطيني لم يوقفها سوى كم المعلومات الهائلة والسريعة التي سربت حول اقتراب إنجاز صفقة "شاليت".
وكان حماد قال السبت الماضي إن هناك "توافقاً وطنياً بين الفصائل على عدم إطلاق صواريخ على إسرائيل، على أن يتم التصدي ومقاومة أي توغل أو اجتياح أي منطقة في القطاع".
ومع نفي الفصائل الفلسطينية، بما فيها كتائب القسام، وجود أي اتفاق حول وقف إطلاق الصواريخ وتمسكها بحقها في مقاومة الاحتلال، ظل الخلاف قائماً بين الفصائل وحركة حماس ممثلة بالحكومة المقالة.
ومع تمسك الفصائل الفلسطينية بمواقفها، عاد حماد وأكد على التوافق مع الفصائل، وقال إن ذلك يأتي في "إطار التوافق الوطني الذي تعمل من خلاله الحكومة الفلسطينية الشرعية، وكل ما يصدر عنها هو تعبير عما يتم التوافق عليه وطنياً بين مختلف الفصائل".
وقالت الحكومة المقالة في ختام اجتماعها الـ 135 الثلاثاء إنها "تبارك كل القرارات التي يتفق عليها شعبنا وقواه الحية، والتي تراعي تحديد أولويات الميدان دون المس بالمبدأ الاستراتيجي".
حركة حماس تقول عبر الحكومة المقالة أنها لا تقف ضد المقاومة، بل تشدد على أن النشاط المقاوم ضد الاحتلال يجب أن يكون بالإجماع، لاسيما بعد الحرب الأخيرة، وأنها أجرت سلسلة لقاءات مع كل الفصائل الفلسطينية في إطار تقويم الوضع بعد الحرب، وأنه تم التوافق معها على وقف أعمال إطلاق الصواريخ إلا في إطار الرد على اعتداءات الاحتلال.
من الناحية العملية ما تحدث به حماد هو صحيح، ويعبر عنه الواقع الميداني المعاش في قطاع غزة بعد العدوان، لكن كان على حماس والفصائل الفلسطينية الاستمرار في الحديث وبحث موضوع وقف الصواريخ والتهدئة، لكن ليس عبر وسائل الإعلام، وكان من المفيد أيضاً الاستمرار في بحث وضع آليات جديدة لمقاومة الاحتلال، وإعادة تقييم الوسائل والأساليب، وتغليب المصلحة الوطنية، وذلك لا يتم حسب مقاس حركة حماس وفرض رؤيتها وموقفها على الكل الفلسطيني، بل من خلال التوافق.
وكان على حركة حماس المتهمة من قبل بعض الفصائل برفض الالتزام ببنود وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني 2006، الالتزام بالبند المتعلق بتشكيل جبهة مقاومة موحدة باسم "جبهة المقاومة الفلسطينية"، لقيادة وخوض المقاومة ضد الاحتلال وتوحيد وتنسيق العمل والفعل للمقاومة وتشكيل مرجعية سياسية موحدة لها، ووقف كل التجاوزات وانتهاك الحريات العامة والخاصة وكل الممارسات السيئة في القطاع.
إن تغليب المصلحة الوطنية التي تتغنى بها حماس والفصائل الفلسطينية تقتضي إنهاء الانقسام وضرورة البحث عن الأساليب والوسائل المناسبة لاستمرار مشاركة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية في مقاومة الاحتلال في الضفة والقدس والتصدي لمشاريعه الاستيطانية من اجل إنهاء الاحتلال ودحره.
في العام الماضي توافقت الفصائل الفلسطينية على أن التهدئة التي استمرت ستة أشهر لم تعد تمثل المصلحة الفلسطينية، وفي حينه أعلنت حركة حماس انتهاء التهدئة لعدم التزام إسرائيل بشروطها، وبعد شهر من فرط عقد التهدئة شنت إسرائيل عدواناً همجياً على قطاع غزة، وحملت السلطة الفلسطينية حماس المسؤولية عن ذلك ولم تذكر السلطة إنها والفصائل الفلسطينية هم من وضعوا حماس في الزاوية واضطرت الأخيرة لإنهاء التهدئة.
السلطة والفصائل الفلسطينية هي من ورطت حركة حماس في ذلك، وما جرى من سوء تقدير وتغليب المصلحة الحزبية والمزايدة والمناكفات السياسية وعدم الاتفاق الفلسطيني على آليات وأساليب مقاومة الاحتلال سهل من مهمة دولة الاحتلال في شن العدوان على قطاع غزة.
وفي المقابل من حمل حماس والمقاومة الفلسطينية المسؤولية عما جرى من عدوان على القطاع لم يمتلك الإرادة بالمقاومة حتى السلبية، فكل فصائل المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة لم تستطيع تحريك مظاهرة أو مسيرة جماهيرية للاحتجاج والتنديد بالعدوان على القطاع، بل لم تستطع تلك الفصائل المسلوبة الإرادة تحدي قمع السلطة والخروج في مسيرات تضامنية وليست مناهضة للاحتلال.
وما جرى خلال اليومين الماضيين من سجال إعلامي بين الداخلية المقالة وحماس من جهة والفصائل الفلسطينية والسلطة من جهة أخرى يعبر عن الرد السلبي على حماس وعدم العمل مع الفصائل الفلسطينية بمبدأ الشراكة، ونوع من الاحتجاج على الممارسات التي تقوم بها حماس ضد الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني والاعتداء على الحريات العامة.
إن تغليب المصلحة الوطنية تتطلب إنهاء الانقسام والعودة إلى طاولة الحوار وإنجاز المصالحة الوطنية، من اجل التصدي لمشاريع الاحتلال وشروطه، وأخذ زمام المبادرة بمقاومة الاحتلال من خلال امتلاك إرادة المقاومة والنضال بكل أشكاله وبالأساليب والأدوات المتاحة ضد الاحتلال وإنهائه.