وعدٌ وأمل في أريحا بقلم المحامي جواد بولص-كفر ياسيف
30/11/2009 12:42
انتهى في مدينة أريحا أمس (الخميس) المؤتمر الدولي حول قضية الأسرى في السجون الإسرائيلية. وزارة الأسرى والمحررين في الحكومة الفلسطينية بادرت وخططت لعقد هذا المؤتمر، الذي حظي بدعم كامل من مؤسستي الرئاسة الفلسطينية والحكومة التي تحدث عنها رئيسها الدكتور سلام فياض أسوة بخطباء آخرين شاركوا في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.
من السابق لأوانه وضع تقييم شامل وموضوعي لما جرى من أبحاث خلال يومي انعقاد المؤتمر، وأعتقد أن على القيمين والمبادرين له أن يفعلوا ذلك بكل مسؤولية وموضوعية، علماً بأن الشأن الأهم سيبقى في مدى تفاعل الجهات المعنونة والمخاطبة مع ما صدر عنه من توصيات، وتفعيل ذلك وتحويله إلى برامج عمل توضع قيد التنفيذ والمتابعة.
مهما كانت الآراء وتعددت، وحتى إن اختلف أصحابها حول ما إذا حقق المؤتمر أهدافه أو أخفق بجزئية هنا أو هناك، باعتقادي، لن يختلف أولئك، على أن الحدث نفسه شكل محطة هامة في مسألة تكاد تكون من أهم المسائل والمشاغل الفلسطينية، ولو من باب كونها تمس كل عائلة وبيت كابدوا ظلمة السجن وظلم السجان، لا سيما أولئك الآلاف من أسرى الحرية الذين يكابدون اليوم وراء قضبان القمع والقهر.
سيان، برأيي، إن قصد المبادرون أو لم يقصدوا عقد المؤتمر في هذه الأيام الفلسطينية العصيبة، فللتوقيت تبقى مدلولاته ومعانيه، ففي حين يعيش الفلسطيني حالة من التمزق الداخلي أدمت كيانه بجراح نازفة، وبعد أن أجهضت عملية السلام وأعرضت إسرائيل عن دفع استحقاقاتها وأوغلت في أنشطة من شأنها أن تسد أي منفذ لأي محاولة ثانية لن يكون عنوانها الواحد والوحيد إلا إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، جاء هذا المؤتمر ليؤكد أن قضية أسرى الحرية، الفلسطينيين منهم والعرب عامة، هي قضية رئيسية مثيلة بما أصطلح على تسميته مواضيع التنازع الفلسطيني الإسرائيلي الأساسية.
توزعت أعمال المؤتمر على ثمانية محاور، عالج كل واحد منها قضية فرعية من قضايا الأسرى، فمن موقف القانون الدولي إزاء الحركة الأسيرة ومكانة الأسير في الأسر الإسرائيلي إلى قضية الأحداث والنساء وقضية إعادة تأهيل المحررين وقضية القانون الإسرائيلي بتفرعاته وممارساته بحق من اعتقل وأسر إلى قضية المفاوضات وغيرها، كلها كانت مثار بحث ومداولة بين من حضر من جميع أرجاء الوطن ومن الخارج.
صدرت توصيات عديدة غطت جميع محاور النقاش والدراسة من أهمها على مستوى المبدأ كان إجماع المشاركين وتأكيدهم أمام الجهات الرسمية الفلسطينية على ضرورة الالتزام بالتمسك بمطلب إطلاق جميع الأسرى الفلسطينيين والعرب من السجون الإسرائيلية كمطلب اشتراطي لأي عملية تفاوض قد تستأنف مع الجانب الإسرائيلي ولا يمكن أن تنتهي دون التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى. ستكون هذه التوصية ومثيلاتها في ميادين أخرى، مجرد كليشهات خاوية إن لم يستبطنها صاحب القرار الفلسطيني ومؤسسات الحكم على أنواعها وكذلك مؤسسات المجتمع المدني العاملة والناشطة في هذا الميدان.
شارك في المؤتمر عدد من القانونيين الفلسطينيين من عرب 48، وكمستشار قانوني ومحام في نادي الأسير الفلسطيني كنت منهم، أما مشاركة عدد من الأسرى المحررين من عرب 48 فكانت هامة وحيوية، لا من باب تأكيد الهوية والانتماء فقط، بل لأنهم حملوا راية المطالبة والتأكيد، كما غيرهم من المشاركين، على وجوب ضم من تبقى من أسرى عرب الداخل والأسرى السوريين والعرب في السجون الإسرائيلية، في أية عملية تفاوض مستقبلية أو تبادل أيا كانت.
كان هنالك إجماع على التأكيد والتركيز على هذه الجزئية، خاصة بعدما أغفلت اتفاقية أوسلو موضوع هؤلاء وتركتهم في خانة الإسرائيليين وترك لهم ولإسرائيل عمليا، موضوع تحريرهم في مسار مغاير.
تباينت مرجعيات هؤلاء الأخوة الذين حضروا المؤتمر وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر وحتى الانتماءات السياسية لديهم إلا أن صوتهم جاء واضحاً، حاداً، واحداً، فلقد دفعوا في الماضي ما غلى من عمرهم من أجل قضية آمنوا بها ولن يدعوا إخوانهم يدفعون ثمن نسيانهم أو إهمالهم.
لا أحد يملك القدرة على التكهن حول ما سيحدث في الأيام القادمة ولكننا لا نستطيع أن نغفل ما صرح به الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني وما أكده على الملأ وعلى مرأى ومسمع العالم حين التزم بجملة من الالتزامات التي ماثلت بجوهرها لا بل استبقت، ما توصل إليه المؤتمر من نتائج وتوصيات في المحاور الأساسية والمتعلقة بتعريف وتحديد مكانة الأسير الفلسطيني في السجون الإسرائيلية وما لا تنفذه إسرائيل من استحقاقات وفروض يمليها القانون والشرع الدولي، والأهم من ذلك رؤياه السياسية الواضحة لاستيعاب قضية الأسير الفلسطيني كقضية سياسية أساسية تستوجب أدراجها على هذه الحالة ووفقاً لهذا المفهوم في أي حراك سياسي قد يحصل.
أما لقائي مع الأخوة المشاركين في المؤتمر من الداخل، وخاصة الأسرى منهم، فكان فريداً ومميزاً، على قصره. فريداً لأنني قابلت من عرفته ومن لم أعرفه إلا علماً واسماً في فضاء الحرية والنضال، ومميزاً لأننا وعلى هامش الحدث اجتمعنا على رأي مفاده أن هنالك كثيراً من القضايا الملحة، الهامة والجوهرية، التي تجمعنا، وقد آن الأوان أن نترك ما يفرقنا، مهما كان كثيراً وكبيراً، لنحقق ما قد نستطيع تحقيقه لمجتمعنا ولمستقبلنا على هذا التراب فإليكم أخوتي أقول: المؤتمر من خلفنا فهل للقائنا من موعد؟.