[x] اغلاق
للرجال مواقف مشرفة
11/7/2018 7:00

للرجال مواقف مشرفة

الإعلامي أحمد حازم

بين فترة وأخرى أتوق إلى الإطلاع على أرشيفي الصحفي  الموثق من عشرات السنين، لإلقاء نظرة على  تاريخي الإعلامي. وقبل وقت قصير  وبينما كنت أبحر في خضم صور هذا الأرشيف، والتي تجمعني مع قادة سياسيين وعسكريين معروفين عرباً وغير عرب، وقع نظري على صورة لي مع السياسي المصري الراحل الدكتور رفعت السعيد، وهو سياسي يساري مشهور ترأس حزب التجمع المصري، وكان عضوا في البرلمان المصري.

عندما كنت ذات مرة في القاهرة، قمت بزيارة له في مكتبه بمقر الحزب. كنا نتبادل أطراف الحديث عن الحاضر والماضي. وقد سرد لي وقتها حكاية مثيرة عن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مع الزعيم السوفييتي في تلك الفترة الزمنية ليونيد بريجينيف، فخلال  لحظات مزاح بين الإثنين قال بريجينيف لعبد الناصر: " سيادة الرئيس نحن على استعداد لنرسل لك الآلاف من الجنود الحمر لمساعدتكم". فأجابه عبد الناصر بأسلوبه الساخر :" يا رفيق عندنا أحمر من عندكم، شكراً لكم". لقد  كنت على حق أيها الراحل عبد الناصر، رحمة الله عليك أبا خالد.

هناك عدة أسباب دفعتني  للحديث عن حكاية عبد الناصر مع بريجينيف. في عملي الصحفي  الذي أمارسه منذ خمسين عاماً متنقلاً في أرجاء الكرة الأرضية بما عليها من دول ودويلات، كانت المصداقية شعاري والبحث عن الحقيقة هدفي. وكل مقالاتي التي كتبتها في الماضي ولا أزال أكتبها في الوقت الحاضر تتميز بالشفافية والصدق في التحليل المنطقي، وبعيدة عن النفاق والتدجيل وبعيدة أيضاً عن التجريح. لكن هناك أناس لا يستوعبون الفرق بين التحليل والتهجم، ولا يستطيعون  حتى فهم ما يكتب. رحم الله عبد الناصر كم كان صادقاً في أقواله.

علمت من صديق عزيز  أكن له كل احترام لمواقفه الجريئة والصادقة فيما يتعلق بمهنة الصحافة، أن  أحد النواب العرب في الكنيست اشتكى له عن بعض مقالاتي، وطلب منه المساعدة في عدم النشر بحجة أن مقالاتي "قاسية". وكم كان إعجابي كبيراً بالصديق، الذي رد على "سعادة" النائب بالقول:" أنا مع حرية الرأي وليس مع سياسة كم الأفواه، فما دام الكاتب  لا يتبع التجريح أو المس بالآخرين وما دامت مقالات الكاتب منطقية فأنا معه".  إن رد الزميل الصديق كان في محله وهو رد عقلاني، بعكس طلب النائب الخالي من أي منطق. كم أنت كبير أيها الصديق فهكذا تكون المواقف المشرفة للرجال.

الكنيست الإسرائيلي أقر مؤخراً قانوناً يقضي بخصم الاموال التي تجبيها اسرائيل من الضرائب التي تحولها للسلطة الفلسطينية، بادعاء ان السلطة تدفع مخصصات لعوائل الاسرى والشهداء الفلسطينيين،  لقد تعودنا على القرارات المجحفة التي يصدرها الكنيست بحق فلسطينيي الداخل بشكل عام ، فما بالك بالقرارات المتعلقة بالفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصا إذا كانت تتعلق بموضوع الشهداء والأسرى.

ما يلفت النظر في اجتماع الكنيست للتصويت على القرار، هو غياب رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة عن التصويت. نحن نعرف أن صوت أيمن  لن يقدم أو يؤخر، لكن المسألة هي معنوية وسياسية وأخلاقية بالدرجة الأولى، وهي مسألة تسجيل موقف. من الناحية السياسية الرسمية فإن أيمن عودة يعتبر (الرجل الأول !؟) في المجتمع العربي كونه رئيس القائمة المشتركة التي تمثل فلسطينيي الداخل في الكنيست. فكيف يمكن لرئيس هذه القائمة أن لا يتواجد مع زملائه خلال التصويت، مع العلم أنه كان متواجداً في الكنيست، حسب مصادر موثوق بها من الكنيست.

لقد برر أيمن عودة غيابه بأنه مبعد عن الكنيست وهذا ما منعه  من حضور الجلسة. لكن الإبعاد وحسب المصادر نفسها، لم يكن ساري المفعول يوم التصويت على القرار، بل في اليوم التالي. أليس هذا  عذراً أقبح من ذنب، أم أن هذا تسجيل موقف من نوع آخر؟. سؤال بحاجة إلى جواب.