بقلم: زياد شليوط
اختتم موسم الحصاد الفني والذي كان يعرف باسم"موسم الحصاد المسرحي"، الذي تنظمه سنويا جمعية "سوا" في دير راهبات الناصرة في شفاعمرو أعماله وعروضه مؤخرا. ولا بد من الاشارة أولا الى أن مبادرة الجمعية ومثابرتها منذ تسع سنوات على تنظيم هذا المهرجان الفني، يستحق التحية والتقدير، لما يحمله من رسالة ثقافية وحضارية في تعزيز قيمة المسرح في حياتنا اليومية وتحويله الى قوت يومي. والمؤسف في الأمر أن قلة من الجمهور تقبل على حضور العروض المسرحية والفنية، لكن ذلك لم يثن ويجب ألا يثني جمعية "سوا" عن رسالتها، الى أن يحدث التغيير ويدرك الجمهور أن المسرح الى جانب كونه لونا فنيا فهو مرآة لمجتمعنا وواقعنا.
من خلال ما تابعته من مسرحيات هذا العام، وأعترف أني كنت مقصرا في بعضها، يمكنني القول أن مسرحنا المحلي يشهد تطورا مطردا سواء من حيث اختيار المسرحيات أو الاخراج، وخاصة المؤثرات الفنية من ديكور وموسيقى وماكياج وأيضا ملابس، وذلك يعود الى تطوير الهواية والموهبة وتعزيزها بالدراسة والتخصص، وهذه أمور حيوية للرقي بالمسرح، وفعلا سجل مسرحنا المحلي قفزات الى الأمام في الجوانب الفنية التقنية، ومن حيث المواضيع ابتعد عن المباشرة والشعاراتية التي غرق فيها لفترة، كانت تتطلب ذلك النوع من المسرح، حين كانت المواجهات السياسية تعتمد على الشعارات والصراخ، أما اليوم فبتنا نحتاج للفكر والثقافة ومقارعة الحجة بالحجة.
لكن.. وتبقى لدي ملاحظة كبيرة تحت العنوان ولكن.. يلاحظ ومن خلال متابعاتي للعديد من المسرحيات التي قدمها مسرحنا المحلي، على اختلاف انتماءاته ومسمياته، كثرة اللجوء الى النكات والمواقف التي تحمل اشارات جنسية، وكأن المسرحية لا تنجح اليوم الا اذا احتوت على تلميحات أو تصريحات جنسية سواء بالكلام او الاشارة. فهل حقا أن الضرورة الفنية، وسياق الموضوع يحتمان دائما اللجوء الى هذا العامل؟ ألم تعد تنجح المسرحية اليوم دون التلميحات الجنسية؟ أفهم أن بعض المسرحيات ومن خلال الموضوع الذي تطرقه أو القضية التي تعالجها، يتحتم عليها اللجوء الى الجنس بشكل أو بآخر، وقد شاهدت بعضها ولم تكن تلك المشاهد تزعج لأنها جاءت طبيعية وتخدم المسرحية. لكني ألاحظ أن عددا كبيرا من المسرحيات (ولا أريد توجيه النقد لأحد مباشرة) يقحم العامل الجنسي فيها من أجل إما اضحاك الجمهور بشكل رخيص، أو كسب عدد كبير من المشاهدين أو لأن هذا الأمر بات يعد من "الموضة" في مسرحنا الآني، خاصة وأن كثيرا من التابوهات سقطت وبضمنها التعامل مع الجنس وما يحيط به.
وهنا أضع لكن أخرى كبيرة أمام القائمين على تنظيم "موسم الحصاد المسرحي"، أظن أن عرض المسرحيات في قاعة دير الراهبات، والدير مكان مقدس وطاهر ولا يجوز ممارسة ما يخدش الحياء أو الأخلاق فيه، أظنه يسيء الى المكان ونزلائه، أفلا يجدر بالمسؤولين في الجمعية أن يطلبوا من المسارح اسقاط ما يخدش الحياء من ألفاظ أو مشاهد بشكل لا يسيء لجوهر العمل المسرحي، حفاظا على قدسية المكان واحتراما له؟
وأسوق مثالا هنا عما سمعناه ورأيناه في مسرحية " إذ قال يوسف" و"لما تيجي السيعة" أو "آويها" هذا ناهيك عن مسرحية "خبر عاجل" على سبيل المثال، وهذا الطلب لا يعتبر فرض رقابة، فلو أن المسرحية تعرض في قاعة خاصة بالمسرح، مثلا في قاعات "مسرح الميدان"، لفهمنا وتقبلنا الأمر، لكن أن تعرض في قاعة ضمن مكان ديني، ومشبع بالرموز الدينية، بشكل يتعارض مع قدسية المكان، فان ذلك يحتاج لإعادة نظر.
وهنا أسوق مثالا، ربما لا ينطبق على ما أذهب اليه، لكن يلتقي معه في العبرة. فقد رفعت إحدى المحاميات –هذا الأسبوع- دعوى قضائية ضد مسرح حيفا البلدي، لأن إحدى الممثلات قامت باشعال سيجارة وتدخينها على المسرح أثناء تأدية دورها، ورغم أن ذلك جاء ضمن مشهد مسرحي ولضرورات الدور الذي تؤديه الممثلة. إلا أن المحامية اعتمدت على قانون منع التدخين في مكان عام وعلى هذا الأساس رفعت الدعوى. وأسوق هذا المثال قبل أن يتهمني أحد – ولا شك أن بعض "المتنورين" سيلجأون الى ذلك- بالانغلاق أو التشنج وغيرها من التعابير الممجوجة، لأوضح أن للفرد وهو المشاهد أيضا حقوق على المسرح، سواء كان الفرقة أو المكان، فكم بالحري حقوق المكان –وهنا مكان مقدس- على الأعمال التي تقدم ضمن حدوده وصلاحياته، فهل لأن العمل فني ومسرحي، نسمح بمشاهد وألفاظ تخدش الحياء العام وتتعارض مع رسالة المكان دينيا وأخلاقيا؟
وملاحظة أخيرة، ليس لدي أدنى شك في نوايا القائمين على جمعية "سوا"، وهم اخواني وأصدقائي، وهم أيضا أحرص مني على سمعة الدير وحفظ مكانته وقدسيته، وربما لم يلتفتوا لهذا الموضوع، لكن من حقي أيضا اثارته لأنه يشغل بالي جدا وأهدف من مقالتي هذه اشراك الجمهور بوجهة نظري والتوصل الى رأي مقبول، بحيث لا يسيء الى أهداف موسم الحصاد الفني والأعمال المسرحية التي تعرض خلاله، ولا تسيء إلى المكان المقدس الذي تعرض فيه.