تبنت لجنة المعارف والثقافة التابعة للكنيست تقرير جمعية الثقافة العربية عن الأخطاء في مناهج اللغة العربية المفروضة على مدارسنا العربية داخل الخط الأخضر، ودعت في نهاية النقاش وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية إلى تصحيح هذه الأخطاء الجسيمة والكثيرة جدًا بأسرع وقت ممكن.
وبغض النظر عن مدة الإنتظار والمماطلة المعهودة وسياسة التحايل والتهرّب من تطبيق القرارات، فإن المشروع الذي تقوم به جمعية الثقافة العربية، بإشراف الدكتور والأستاذ الجامعي الياس عطاالله بمشاركة عدد من الباحثين العرب، يؤكد على الأمور التالية:
أولاً: أهمية وجود مؤسسات عربية وطنية مستقلة بقيادة ومشاركة شخصيات وطنية واختصاصيين يجتمع فيهم المستوى المهني العالي والرؤية الوطنية.
ثانيًا: إن وجود هذا الكم الهائل من الأخطاء في كتب تدريسية معتمدة في صفّين فقط، الأول والثاني، في مسألة اللغة العربية والهوية، يكشف حجم التخريب الذي يلحق بالعملية التربوية والذي تهدف المؤسسة من ورائه إلى مواصلة ضرب الهوية العربية، باعتبار أن اللغة هي المظهر الأساسي للهوية الجمعية فضلاً عن كونها أداة تفكير، وبالتالي أداة قوة للأقلية القومية الفلسطينية.
ثالثًا: إن تحقيق المرحلة الأولى من مشروع جمعية الثقافة العربية، والنجاح في إيصال التقرير إلى الرأي العام وإلى المؤسسة الرسمية، يطرح السؤال حول دور مؤسسات عربية أخرى منبثقة عن لجنة المتابعة لشؤون المواطنين العرب، وهي لجنة متابعة التعليم العربي. وبالتحديد دور هذه اللجنة بخصوص العمل من أجل وضع مناهج بديلة، خاصة في مسألة الهوية؛ ومواضيع الجغرافيا والتاريخ وهي المواضيع التي تنفذ منها المؤسسة الصهيونية لتمرير سياسة التجهيل ونشر العدمية القومية.
وكما هو معروف فإنه يتاح للجان أولياء الأمور، أو اللجنة القطرية التي تمثلهم، إدخال 25% من المنهاج المعتمد من وزارة المعارف والثقافة، وهو الأمر الذي يشترط تحقيقه عملاً مهنيًا ونضالاً شعبيًا وقضائيًا لإجبار الوزارة على قبوله.
هناك حاجة ملحّة للتعاون بين المؤسسات العربية المختصة في هذا المجال، في الجهود المبذولة، لتصويب مناهج التعليم، وهي جهود تصب في حماية الأجيال الفلسطينية الجديدة من التشوّه القومي ومن مخطط تفكيك المجتمع العربي، وسدّ الأبواب أمام هذه الأجيال نحو مستقبل أفضل، وعيش كريم.
رابعًا: يؤكد حاجة المواطنين العرب إلى حكم ذاتي ثقافي، ينتزع من خلاله هذا الجزء من الشعب الفلسطيني حقه في إدارة شؤونه الخاصة بثقافته وتاريخه وحضارته، والمبادرة لامتلاك السيطرة الكاملة على مؤسساته التربوية والتعليمية وعلى المنهاج، وإقامة الجامعات لإعادة إنتاج الهوية الوطنية. وهو السبيل الوحيد الذي يقودنا إلى الإمساك بجانب مهم من حق تقرير المصير الذي تستحقه الشعوب والجماعات الأصلانية.
لا يعقل أن نواصل التكيف مع هذه المناهج، وأن يتواصل تكيف المعلم العربي مع الواقع القائم وإجباره على الكذب على طلابه يوميًا دون توفر الحماية الكافية له.
صحيح أن مسيرة هذا الجزء من شعبنا؛ بقواه السياسية وأطره الثقافية والشعبية المختلفة، وبجهود فردية متميزة لأفراد، حالت دون طمس الوجود الثقافي لهذه الأقلية الفلسطينية، ولكن الأخطار عليها لم تتلاشَ، بل تفاقمت في ظل تفاقم العنصرية الصهيونية، وتجدد مخططات الحصار المادي والثقافي والمعنوي من جانب الدولة العبرية.
في ظل الإعتداء المتواصل على الجغرافية الفلسطينية التي يسهل تحقيق اختراقات فيها، تصبح المحاربة على جبهة التاريخ والثقافة أكثر إلحاحية، لأن العدو لن ينجح في هزيمة المواطن الفلسطيني في معركة الوعي. إنها معركة، النجاح فيها تبقي الأبواب مفتوحة على مصراعيها للبقاء والثبات وبناء صرح المستقبل.