[x] اغلاق
عصر الأمومة الأزلي
19/3/2019 8:48

عصر الأمومة الأزلي

بقلم: مارون سامي عزّام

هدف الأم في الحياة، أن تربي أولادها أحسن تربية، وتُضحّي من وقتها وعمرها، لترى وهج شعلة شخصيتهم، يزداد اشتعالاً يومًا إثر يوم، حتّى يغدو نورًا يفيضُ حضورًا واحترامًا عليها... بينما نجد بعض الزّوجات يئسن من تكرار مراحل العلاجات المضنية، فنراهن يتخلّين بسرعة عن النّضال في سبيل نيل وسام الأمومة رُبما يكابرن هباءً، أو يدّعين بأنّهن يُردن أخذ استراحة جسديّة من المحاولات الطبيّة الحديثة، لاعتقادهن الخاطئ أنّ تقدّم سنهن، سيظل يمنحهن بطاقة الخصوبة الأبديّة، يجهلن أن حَكَم لعبة الزّمن لا يرحم، سيسحبها منهن لا شعوريًّا!!

رد فعل بعض الزّوجات غير المتفاعل مع نبض الرغبة، يعني أنّهن عديمات الإحساس، لانعدام عنفوان العطاء، بخلق حياة أخرى في أحشائهن، لأنّ ذوبان حب تبلور حياة جديدة في شخصيتهن، انصهر بنفسيتهن اليائسة... كل زوجة تنتظر رؤية ذرّيتها منذ لحظة الحمل، إلى حين لحظة الولادة المؤثّرة جدًا، تتمنّى خروج وليدها بفارغ الصّبر، لترى شكله المتكامل، وتتحسّس ملامحه، تنتظر أن تسمعه ينطق بكلمة "ماما"، تخرج من فمه كلحن موسيقي خالد ورقيق، يطرب له حنان أي أم.

إن عدم يأس بعض الزّوجات العاقرات من مراحل العلاجات القاسية والطويلة، دليل على قدرة احتمالهن لها، لإيمانهن الشّديد بأن عصر الأمومة لن ينتهي، ولا بد أن يعاصرنه يومًا ما، فجَنين الطفولة ما زال يتحرّك في رحم أمومتهن، يشجّعهن دومًا على المساهمة في صناعة أهم وأعظم حدثٍ تاريخي عرفته البشريّة، وهو حدَث إنجاب المولود، المؤثّر على الصّعيدًين الشّخصي والاجتماعي.

تشير الأبحاث الأخيرة، إلى أن الطّفل الرّضيع يبدو لنا خائر القوى، إذ لا يستطيع المشي، أو الكلام، وما شابه، لكن... لا أحد يستطيع أن ينافس قدرته على التواصل مع الآخرين، خاصّةً عندما يتمرّغ سعادةً أمام من حوله، إذ يَعْلَم كيف يحتل قلوبهم من خلال ابتسامة من ثغره، وخصوصًا عندما يخترق صوته المميّز حيّز انشغالاتهم، عندها نراهم يهرعون إليه مسرورين. فَشَل الطفل في احتلال قلوب اليائسات، دليل على أن أجسادهن، قد غدت جحيمًا نفسيًّا لا ينطفئ، تقتل ضمائرهنّ الميْتة كل شيءٍ جميل وممتع يجلبه الطّفل لوالديه، سوف يُقدّمه لهُما عفويًّا دون استئذان.

تشير أيضًا الدّراسات، أنّ المرأة لا تقدر على رعاية طفلها الرضيع لوحدها، بل تستعين بمن يساعدها على رعايته، فالتي تدّعي أنّها لا تستطيع رعاية طفلها جيّدًا، تعلَم عِلم اليقين أنّ هناك طاقم نسائي متمرّس، دائم الجهوزيّة اليوميّة، لتقديم خدماته الإشرافيّة العائليّة على مولودها، مثل حماتها، أختها، قريبتها وما شابه... هذه التقاليد الاجتماعية، سائدة في غالبية مجتمعات العالم، وليس فقط في مجتمعنا، لأن أسلوب الاتكال، يجعل الأمهات القاصرات، يشعرن بالأمان والثّقة تجاه الأخريات، شاكرات لرعايتهن الدّائمة.

أيتها الزّوجات اليائسات، لا تغلقن أبواب الإرادة أمام قدرة الله، بل اجلسن خاشعات على عتبات الرّجاء والدّعاء الرّحبة، ولا تحطّمن نوافذ الإيمان، لأنّه لا بُد أن يدخل منها شعاع الأمل... إذا يئستن، سيبقى لقب "أم"، مجرّد صفَة فخرية فقط، لذا يجب أن تتمتّعن بشغف الأمومة، ليُعزز من ارتباطكن العاطفي بأي طفل، لتجلسن مستقبلاً تحت سقف الأمومة سويّة مع سائر نساء العالم، بالله عليكن تمسّكن بسِحِر الأمومة العظيم والمدهش، الموجود في طبيعتكنّ البيولوجيّة، فالأمومة أعظم جائزة ربّانيّة منحكنّ إياها.