[x] اغلاق
الأمية الأخلاقية تتفشى في مجتمعنا العربي
25/7/2019 8:56

الأمية الأخلاقية تتفشى في مجتمعنا العربي

الإعلامي أحمد حازم

حالات القتل بوسائل متنوعة بما فيها ضحايا الطرقات وإطلاق النار والعنف الأسري، لم تعد الحالات الوحيدة التي وللأسف  يتميز بها مجتمعنا العربي بشكل عام، والإحصائيات خير دليل على ذلك . حتى في شهر رمضان المبارك الماضي، لم يخجل القتلة من انفسهم حيث شهد الشهر الفضيل ست حالات قتل. وكثيراً ما اجتمعت لجان وجمعيات ورؤساء بلديات ومجالس محلية من أجل وضع حد لهذه الظواهر القاتلة لكن بدون جدوى. وبالعكس من ذلك تتفاقم هذه الحالات عاماً بعد عام  والكل عاجز عن إيجاد حل لهذه المعضلات.

لكن هناك حالة أكثر قساوة من القتل تنخر مجتمعنا العربي وتشكل خطراً كبيراً على مكونات هذا المجتمع. هذه الحالة اسمها "الاإنفلات الاجتماعي" بمعنى انحدار أخلاقي تحت ستار ما يسمى "الحرية الشخصية". وهناك حالات متنوعة لهذا الإنفلات "يتفنن؟!" بها أصحابها من ذكور وإناث للفت نظر الآخرين إليهم دون التفكير بنتائج ما يقومون به. كل ذلك يتم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو "واتس أب" الذي أصبح استخدامه يصب أكثر في خانة السلبيات ومنها سلبيات خطيرة جداً على نمط حياتنا في المجتمع العربي بشكل عام.

شاهدت فيديو قبل أيام مع أحد الأشخاص لحفلة قالت صاحبنه وهي من مجتمعنا العربي، انه تسجيل لحفلة "وداع العزوبية"  أقامتها مع صديقات لها، بمعنى أنه تحضير لحفلة زفافها. أنا  لست ضد حفلات ما قبل الأعراس، ولكن ضد الإنحطاط في مثل هذه الحفلات الخاصة وإظهار هذا الانحطاط للجمهور على أنه حري تعبير. كيف يمكن لإنسانة تتمتع بنضوج عقلي وأخلاقي وتربوي أن ترضى على نفسها بتصويرها وهي في ملابس داخلية (قطعتان فقط) تتلوى يمنة ويسرة في صالون البيت مع صاحباتها على أنغام الموسيقى؟ وكيف يرضى أهلها وخطيبها على هذه المشاهد المؤذية؟ قد يقول قائل:" هي حرة وتفعل ما تشاء". نعم هي حرة في تصرفاتها داخل بيتها، ولكن من العيب  تجاوز كل حدود الأخلاق والأدب. إن وداع العزوبية لا يتم عن طريق تصوير معيب بملابس داخلية ونشره، بل له أصول معينة.

الناشط معاذ كمال خطيب يقول في نعليق له على هذه الحادثة الفضيحة : " البنت أو الشاب اللي بفكروا انو لازم يتشلحوا قدام كاميرات صاحباتهن أو أصحابهن عشان (توديع العزوبية) واكتمال فرحة زواجهن، مش لازم يتجوزوا وينتجوا أطفال المستقبل، هذول لازم يرجعوا يعيدوا صف روضة وبعلموهن مباديء الصح والخطأ مع رسوم توضيحية كمان". صدقت يا معاذ.

حالة أخرى شاهدتها يندى لها الجبين. المعروف في مجتمعنا العربي أن يقوم العريس مع عروسه بتكليف مصور العرس بالتقاط صور لهما في مكان معين  حيث يطلق على هذه العملية في مجتمعنا العربي "نوف العرسان". وهناك أيضاً "نوف خطبة". والملفت للنظر أن الكلمتين إحداهما عبرية "نوف" والثانية عربية. ولكن لماذا "نوف"؟ ألا توجد كلمة عربية؟ نعم توجد. ولكن خليها على الله يا مواطن، والمسألة لا تتوقف على "نوف" أو "بسيدر" فهناك أمور أهم وأخطر من ذلك.

هذا ألــ" نوف" تطور(!!) أيضاً في مجتمعنا العربي، ولم يعد متوقفاً على الخطوبة والعرس فقط. فقد وصل إلى "الحمل". بمعنى أن "الحامل" أصبح لها أيضاً "نوف". فقد أخبرني أحد الأصدقاء أنه شاهد فيديو مخزي حقاً. فقد خطر على بال أحدهم أن "يكرم" زوجته الحامل ويقوم بتصويرها يعني بتصوير بطنها تحت مسمى "نوف حمل".  وكان التصوير في هذه الحالة للبطن المنفوخ وهو عارٍ ومن جوانب متعددة. أهكذا يتم تكريم الزوجة الحامل بإظهار بطنها وما حوله للناس؟ أليس هذا فقداناً للأخلاق وإهانة للزوجة؟ فما الذي يستهدفه الزوج من تصوير "حمل" زوجته بهذا الشكل، بمعنى ما هي الرسالة التي يريد توجيهها للآخرين؟

أنا على يقين بأن ما يعيشه مجتمعنا العربي من انفلات اجتماعي يندرج تحت مسمى "الأمية الأخلاقية". والأمية لم تعد تعني فقط  عدم القراءة والكتابة، فهناك أمية منتشرة بيننا  وهي الأمية الأخلاقية.  يقول الدكتور سمير صبري حسنیة  في مقال له تحت عنوان "مجرد اقتراح محو الأمیة الأخلاقیة" نشر في السادس من تموز/ يوليو عام 2014 "إن التدھور الاخلاقي بات یجرى في مجتمعاتنا مجرى الدم في العروق والله وحده یعلم الى أین سيرمي بها" ويقول  بهجت سليمان في مقال له نشر في التاسع من شهر كانون الثاني/يناير عام 2017: " إن الأمّيّة الأخلاقيّة هي أسْوَأ أنْوَاعِ الأمّيّة والأخطر على الإطلاق".

وفي كتابه "مقدمة في علم الأخلاق" يقول  وليام ليلي، ان الأخلاق نابعة من البيئة والمجتمع، فالبيئة الصالحة والمجتمع الرشيد ينتجان اخلاقا طيبة، والأخلاق مقياس تقدم الأمم وثمرات حضارتها".