[x] اغلاق
الصّوت العربي ليس شبكة أمان
28/8/2019 7:31

الصّوت العربي ليس شبكة أمان

بقلم: مارون سامي عزّام

قانون رفع نسبة الحسم الذي اقترحه ليبرمان في انتخابات 2015 وصادق عليه البرلمان الإسرائيلي، كان يهدف إلى شطب التمثيل العربي من الخريطة السياسية الإسرائيليّة، وحينها أقام النوّاب العرب القائمة المشتركة، ليس حرصًا على المصالح العليا للمواطنين العرب، بل نتيجة خوفهم من اختفاء هويّتهم الجماهيريّة بين الناخبين العرب، وأيضًا للاحتفاظ بنجوميّتهم الإعلاميّة، لئلاّ يختفوا عن الأنظار العامّة، ولكن لسوء حظ العرب سرعان ما انفرطت حبّات المسبحة المشتركة، لأنها لم تكن حقيقيّة أو متماسكة، بل كانت فسيفساء سياسيّة، مركّبة من عدّة صِوَر حزبية، ما أن سقطت صورة واحدة، حتّى تبعثرت بقيّة الصور الحزبيّة في أرجاء المجتمع العربي.

في انتخابات الجولة الثانية المرتقبة، أُعلِنَ عن إعادة القائمة المشتركة إلى الحياة السياسيّة، واشتغلوا مُجدّدًا على آليّة لَم شمل الأحزاب العربية، بأي طريقة طيلة أشهُر، فكوّنوا بينهم تعاونًا سياسيًّا صوريًّا بأي ثمن، ووزّعوا مقاعد التشريف فيما بينهم، تمامًا مثل لعبة الأطفال المعروفة "طاق طاق طاقيّة" ولم يضعوا قضايا الجماهير العربية السّاخنة ضمن أولويّاتهم... تغاضوا عن مصالحهم... حتّى هذه اللحظة هناك أفراد حزبيّون يشكّكون بهذه الشّراكَة المفروضة على بعض الأحزاب، فكيف ستنال إذًا ثقة الجمهور العربي في البلاد، ما دامت "التصريحات الوطنيّة" لبعض الدّاعمين تزعزع أركان هذه القائمة، كونهم لا يثقون بهذه الخلطة السياسية المخلوطة بعجين العقليّة غير المنفتحة!!

إلى الآن لم يُطرَح برنامج القائمة المشتركة بشكل واضح على الناخبين، عبر موقع التواصل الفيسبوك، فكل ما هنالك، ومضات دعائيّة، تحت رعاية القائمة، لم يطرح المرشّحون خطّة دعائيّة مدروسة ومؤثّرة على عقول المواطنين العرب، الذين أصبحوا أكثر وعيًا فكريًّا وإدراكًا سياسيًّا، ولم يعودوا مجرّد قطيع يُساق إلى مراعي المرشّحين الدعائيّة الخصبة بالشعارات، لأن ما حدث من جدالات عقيمة وسخيفة خلال "التفاوض على المقاعد"، قد عزّز لدى المواطنين الشعور بأن أصواتهم لن تؤثّر، وسيكون صداها فقط للوجاهة البرلمانيّة وليس لمواجهة اليمين   

حقوق المواطنين العرب ومشاكلهم المتفاقمة، ستبقى كأوتار الصّوت العربي، التي شدّ بها أنصار المقاطعة، حتى تقطّعت في انتخابات نيسان 2019، بفعل تأثيرهم، وحينها خسر العرب رُبع قوّتهم السّياسيّة في الكنيست، حتّى أصبحوا ثالث أكبر حزب، بعد أن حصلوا على عشرة مقاعد، بسبب صراعات الأنا الدّائرة بين الأحزاب العربية على الحلبة الدّاخليّة!... فإذا كانت تركيبة القائمة المشتركة بنسختها الجديدة متكاتفة، فعلى الرّحب والسّعة، عدَا ذلك، فإنّ الخسارة ستكون أكبر، لأن الناخب العربي ملّ من ألاعيب السياسيين الكلامية.

في انتخابات نيسان 2019 رُبع أصوات العرب ذهبت للأحزاب الصهيونيّة، وليبرمان الذي فرَطَ الكنيست، منح النوّاب العرب فرصة ذهبية، دون أن يعي ذلك، وهي دعوتهم للجلوس على سجّادة الوفاق مجدّدًا. انطلقت القائمة المشتركة، التي باتت عبارة عن عامود فقري من المصالح، فقراته الحزبية ضيّقة، فإذا ازداد الاحتكاك الدائم بين الأعضاء العرب داخل العمل البرلماني وخارجه، ستشتعل عاجلاً أم آجلاً شرارة اللوم... كي يصرخوا من آلام المشادّات الحادّة فيما بينهم، فتُشَل حركة القائمة وستفشل هذه التركيبة العجيبة ثانيةً!!

الأصوات التي ستُمنَح للقائمة المشتركة، يجب أن تكون أيّها النوّاب لمواجهة الأعمال المشينة لليمين المتطرّف... لمواجهة ثلاثة أنواع العنصريّة وهي، الأولى، العنصريّة التشريعيّة التي سنّتها وما زالت تسنها الكنيست، الثانية، العنصريّة الرّسميّة التي تمنع العربي من التعيينات في المؤسّسات الحكومية، والثالثة العنصريّة العرقيّة القائمة على ترسيخ مبدأ يهوديّة الدّولة، الذي يدعو له أعوان نتنياهو...

الصّوت العربي ليس للوجاهة البرلمانيّة أو مجرد شبكة أمان، تحمي النوّاب العرب من الفشل في الانتخابات القادمة، لأنه يجب على القائمة المشتركة أن تحارب ائتلاف قانون القوميّة برئاسة نتنياهو، المرشد الأعلى لجمهورية إسرائيل اليهوديّة! وأن تعمل ما في وسعها على تعزيز التمثيل العربي في البرلمان الإسرائيلي، لتُبدّل بدلة الحُكم اليمينيّة المبطّنة بالأكاذيب والتحايل على العالم، ببدلة يساريّة عصريّة، تلائم المتغيّرات الإقليميّة الحاصلة، مُفصّلة حسب المقاييس الدّوليّة. أقل ما يستطيع أن يفعله الناشطون، هو مساعدة القائمة المشتركة على تعبئتها بوقود الهمّة، كي تُحرّك محرّكات التّصويت المعطّلة لدى الجماهير العربيّة، لتزيح ستار اللامبالاة عن عقولهم وإبطال عمل آلة غسيل الدّماغ التي تعمل عبر الفيسبوك.