[x] اغلاق
ماضي شفاعمرو المنسي
4/9/2019 9:35

ماضي شفاعمرو المنسي

بقلم: زايد خنيفس

من لا يعرف قيمة بلده فهو في أزمة معرفية، ومن لا يعود للأحداث التاريخية، فلن يعرف مستقبل أمّته، وشفاعمرو لمن فقَد البوصلة، يعود تاريخها إلى نحو أربعة آلاف سنة، ومن خراب هيكل داهود في مدينة احتوت مهد الديانات، والتقى في حضنها أنبياء الله، تاركين أقواسها المهدّمة، قادمين إلى الجليل، وكانت محطّات للفاتحين وممرًّا نحو الشمال والجنوب، وشكّلت طريقًا وسردابًا يأخذاننا نحو ميناء قريب.

والذي لا يفقه قيمة بلده وقامتها بين البلاد وغرّتها، فمن الأفضل له أن يغادرها عبر سراديب حُفِرت في أعماق الأرض. قبل أيّام رافقت زملائي في منتدى الإعلاميين الشفاعمريين، لزيارة تضامنية مع أحد أبناء المدينة، يسكن في سوق شفاعمرو القديم، وهنا وفي لحظات سريعةٍ عدت بذاكرتي إلى سنوات الطفولة، حيث كنت أزور المكان الذي عجّ حينها بالناس، قاصدين لقمة عيشها في ظل شظف الحياة.

انتهت الزيارة الخاصة للسوق المنبوذ والمهمل، الذي أغلقت أبواب حوانيته، وتحوّلت لمشهد مقفر وحزين، هكذا أصبحنا نقيض الأمم التي تعتز بتاريخها وتراثها، لأنها حوّلت أماكنها الأثرية لتاج حضارتها. قصدت مع الزملاء لتذوّق بوظة شفاعمرو، التي غدَت رمزًا من رموز حلوى المدينة المنعشة، ومحطّةً يرتادها الناس من كافة البلاد. هنا استوقفتنا مجموعة من الزائرين اليهود، الذين جلسوا في مقصف صغير، وقالوا: "جئنا لنتذوق بوظة شفاعمرو".

يحزنني عندما أشعر أحيانًا أن مدينتي تتحوّل في ساعات المساء الأولى لفندق كبير للنوم، وأكثر ما يحزنني بأننا لم نصِل على كافة المستويات والشرائح التي تحدد وجه البلد، ممن لا تعرِف قيمة كنزها، لا تقيّم تراثها القديم، من باب مغارة بيزنطية وصولاً إلى قلعة شُيّدت على أنقاض قلعة صليبية، إلى عين ماء عافية، وبرج اعتلاه محارب صوّب عيناه نحو الشمال والجنوب، شاهد مروجٍ وسهولٍ وبحر أزرق، كانت شاهدة على حقبة من الزمن الجميل، وحضارة وثقافة، لم يبقَ للأسف من هذه المواقع سوى الأشواك والعفن "يزيّن" محيطها، واليوم ترثي الأحرف اليونانية تاريخها على مدخل المغر البيزنطية.                                   

قيمة البلد تكمن في تطور كل مرافِقِها الحيوية، وترتفع قيمتها إلى أعالي السماء، إذا حافظت على ماضيها التليد وتاريخها المجيد، والشعوب المتحضرة وخاصة الأوروبية، اتخذت من ماضيها ركنًا أساسيًّا لزاوية حاضرها، أما نحن فإننا حوّلنا ماضينا إلى كتب للقراءة، وإذا كان لمقالي رسالة، فقد ان الوقت أن يأخذ أبناء البلد مبادرة لإعادة ترتيب أوراق تاريخنا المنسية.