[x] اغلاق
مُرشِد الذّاكرة الأمين - تحيَّة إلى الصّديق أمين تلحمي
17/9/2019 9:00

مُرشِد الذّاكرة الأمين

تحيَّة إلى الصّديق أمين تلحمي

بقلم: مارون سامي عزّام

أوراق الشّهور تتساقط كأوراق الخريف عن رزنامة السنين، عقارب العمر تدور دون أن نشعر في ساعة الحياة، التي يَلبَسها معصم الزّمن، ولا يحق لأحد أن ينزعها إلاّ القدر. في شفاعمرو هناك إنسان عزيز على قلوب الجميع، الصّديق أمين تلحمي، أبو شادي الذي يملك الحق الحصري لطباعة الرزنامة العريقة والأولى في شفاعمرو، بمبادرة فرديّة منه، ولا يحق لأحد أن يتعدّى على حق طباعتها سواه... وقد أصدرها أول مرّة في عام 1952، وما زال يُصدرها إلى هذا اليوم سنويًّا، دون توقّف. أبو شادي معروف بخفّة ظلِّه وبتعامله العفوي مع جميع أبناء البلد.

إن هذه الرزنامة الشّهيرة، معروفة لدى العديد من أهل البلد، بـ "رزنامة أمين"، لأنها تتمتّع بمصداقيّة عالية، رغم وجود العديد من الرزنامات التي تصدُر في بلدات أخرى وتُسوّق في شفاعمرو، إلاّ أنّنا بقينا نحافظ على قيمة عمل أبي شادي، ولم نرضَ غيرها، حتّى غدت رزنامة أمين أيقونة، لها أهميتها، بقينا أوفياء لمجهود هذا الرّجل المحبوب، كما بقي وفيًّا لمحبّة أهل بلده له، عائلته الكبرى الذي هو فرد منها. رزنامته التي تصدر خلال شهر أيلول، هي جزء من تاريخ شفاعمرو، وقطعة من أغراض البيت الأساسيّة، فإذا لم نحصل عليها، نشعر أننا نفتقد لمرشد ذاكرتنا، نشعر أننا فقدنا مُنبّهًا يوميًّا تقليديًّا، نلجأ إليه لنستذكر أي ملاحظة سجّلناها في إحدى خانات الرزنامة.

لقد باتت رزنامة أمين، أجندة يوميّة، نعلّقها في مكانٍ بارزٍ في بيوتنا، كي تُذكّرنا بالمناسبات الهامّة والمواسم القادمَة لئلاّ ننساها... أبو شادي ابن هذا البلد، ربيب تاريخها وحاراتها، ينتمي لعائلةٍ أصيلة، كريمة. ما زلتُ أذكُر عندما كان يبيع رزناماته سيرًا على الأقدام، يضعها في كيس كبير، يحمله باعتزاز، والفرح يلمع في وجهه السّموح، وكأنه بابا نويل الأعياد الآتية، يوزّع علينا هدايا المواعيد.

إنه صديق عائلتنا التاريخي والأصيل، يهاتفني بين الحين والآخر ليطمئنّ عليّ، أو ليعايدني كعادته السّنويّة في عيد القدّيس مارون، بالنسبة لي هذه اللفتة الكريمة باتت طقسًا اجتماعيًّا جميلاً... ودليل حيّ على رغبته بالتواصل الدّائم معي ليسألني عن أفراد العائلة، فنتبادل المزاح بروحه الحلوة التي تمنحه الحيويّة الاجتماعيّة، رغم تقدّمه في السّن.

أبو شادي لم يغيّر نمط رزنامته المعروف، لم يتخلَّ عن طريقة تصميمها البسيطة، المكوّنة من صورة كبيرة لأحد القدّيسين بجودةٍ عالية، مطبوعة على لوحة كرتونيّة كبيرة، مُرفقة بأوراق الأشهُر الورقيّة، تحتوي على المناسبات الدينيّة والعالميّة... في السّنوات الأخيرة أضاف بعض الآيات من الإنجيل المقدّس، وبعض التراتيل الكنسيّة، لأنه كان من أوائل الشمّاسين الكنسيين، وبيته يقع بجانب الكنيسة... أذكُر كتابته لبعض التراتيل بخط يده الجميل. هذه تحيّة خاصّة لأبي شادي، مرشد الذّاكرة الأمين، لأنّي أعتبر رزنامته بوصلة الأيّام المنسيّة بين أكوام الهموم، وتكريم خاص منّي لعطائه المجتمعي الدّائم، لأنّه حقًّا يستحق منّا جميعًا التكريم، أمَدّ الله بعُمر الجار القديم أمين تلحمي، مُنعَمًا برفاهيّة الصحّة والعافية.