لِمَ الْهَلَعُ ؟
وقد ظَعَنتْ بِنا الدُّنيا
وما أبقتْ لنا رِحَلا
وما منْ دابَّةٍ تركتْ لها حِيَلا
هي الدنيا وما أدري لما الجَزَعُ
فهل تنسَونَ أبصاراً خلتْ أَجَلا ؟
فيا نفسي شَقِيٌّ من بهِ وَلَعُ
أَفيقي من غَواشِيها
*****
هي الدنيا ولم يُسْمَعْ لها فَزَعُ
فكُلٌّ يبْتَغي أَنَسَاً بِلا وَجَلٍ
وكُلٌّ يَرْتَجي أمَلاً وينْتَجِعُ
وما اللهُ بِمنْأَى عنْ خَواطِرِنا
فلنْ تَشْقَى نُفوسٌ إنْ دَنتْ حُبّاً لِبارِيها
*****
هيَ الدنيا فهلْ يُندَى لها دَمعُ
وإن طالتْ بكَ الأيامُ في قَبْضٍ
فلا تعجلْ إلى الدنيا بِتعْذِيرٍ
فقلبُ المرءِ لا يسعَى إلى نَبْضٍ
وإنَّ السّمعَ والأبصارَ كُلٌّ في تَقاديرٍ
أغيرُ اللهِ وَاليها ؟
*****
وهذي الشّمسُ تسْجُدُ في مُصَلاها
وترتفعُ
ولم تبخلْ بدفءِ اللهِ أوْ تخبُو كما السُّرُجِ
فعينُ اللهِ لا تسهُو
ولا تَدَعُ
ولم تمنعْ لنا ضَوْءا
ولو نَصَبُوا لنا جُدُراً منَ العِوَجِ
فإنّ اللهَ راعيها
*****
هيَ الدنيا على قَدَرٍ وإنْ قامتْ فلا تَقَعُ
وما مِنْ أُمّةٍ تَكبُو منَ الجوعِ
ولم نسمعْ بأنَّ الخوفَ حَطَّ البينَ في أرضٍ
وأنّ السقفَ منْ صَوتٍ
يَخِرُّ على أَهالِيهِ وينْفَلِعُ
ولم نعلمْ بِأنَّ الغيثَ ينحَبسُ
فهل منْ غيمةٍ سَكنتْ وَدونَ اللهِ تنْقَشِعُ ؟
ولم تعرفْ مَوَانيها !
*****
فتاللهِ كُرومُ الأرضِ لم تُحْجرْ لِعينينِ
وما تخفَى على اللهِ
فأيدي الناسِ تجرفُ من مخابِئِهِ
وتلهُو في مراتِعهِ وتقْتَلِعُ
وكلٌّ في مشاغلِهِ وينسَى شهقةَ النَّفسِ
ألم يعلمْ بأنَّ الروحَ ترتَفِعُ
وأن الحقَّ جانِيها ؟
*****
فكيفَ تسيرُ تحتَ العرشِ في وَلَهٍ
وأنتَ ونفسُكَ الأمارةُ السُّوأَى
تبُوءُ بإثْمِكَ المسكوبِ في بَلَهٍ
فهلْ تنسَى حُدودَ الوقتِ كيفَ تموتُ في الوقتِ؟
فلا تعجلْ على نَفَسٍ
وما الأنفاسُ إلا نسمةٌ واللهَ مُجْريها
*****
أَفِي الدُّنيا متاعٌ غيرَ أيامٍ ننوءُ بها ونمتَقِعُ ؟
أمِ الملْهَى يخُطٌّ ضَفائِرَ العِصيانِ في النفْسِ ؟
ولم نعجبْ من اللهِ يبُثُّ الليلَ للراحِ
ونمضِي فيهِ للبلوَى وللرَّمْسِ
ونارُ اللهِ تنظُرُنا ويخفيها
*****
فيا عجَباً على خِبٍّ يحُومُ على مصارعِهِ
ولا يدري بأنَّ اللهَ من أزَلٍ
وقد نَحَتَ اليَراعُ على صحائِفِنا
إذا هاجتْ بنا الأقدارُ واقْتربتْ
ودقتْ ساعةُ الأجَلِ
فلا تملأْ قُلوبَ الناسِ منْ غِلٍّ يُعادِيها
*****
ألمْ تعلمْ بأنَّ الأرضَ في مَرأَى منَ اللهِ ؟
وأنَّ الجسمَ يشقَى في مجاريها
وأنَّ الحكمَ للهِ
وأنّ الناسَ في منأَى عنِ النورِ
وجمْرُ النفسِ يَكْوِيها
*****
ولو صبرتْ نفوسُ الخلقِ لانْداحتْ مَفاوِزُها
وما اسطاعتْ ذِئابُ الإنسِ تأْتِيها
فكُونوا طَوعَ أمرِ اللهِ في الحينِ
فإن الجلدَ والأطرافَ تكتبُ في دفاترِنا
ولو ذابتْ عظامُ الخلقِ في الطينِ
فإنّ اللهَ مُحْيِيها
*****
فلن تأسَى عُيونٌ هاجَ في أهدابِها الوَجَعُ
لخوفٍ من حساباتٍ
وقبلَ وُلوجِها التِّيها
ولو سُرِقتْ كُنوزُ الأرضِ في غبَشٍ
نهارُ اللهِ يأتِيها
*****
فلا تيأسْ على قُدسٍ يُحَوِّمُ في حَواشِيها
غريبُ الدارِ والشفتينِ يُشْقيها
وأيقنَ أنَّ أياماً تَدُولُ لهُ مَغانِيها
ولم يعلمْ بأنَّ اللهَ يَحْميها
*****
نَتوقُ لِمُورِياتٍ تقْدَحُ الشَّرَرا
فلا تَلْوِي إلى زَهْوٍ
ولم تُجْفِلْ لنا قَمرا
تَدُكُّ الصخرَ تفْرِشُ عظمَ عادِيها